خاص «صدى الوطن»
حافظت المُرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون غداة مناظرتها التلفزيونية الثانية مع منافسها دونالد ترامب، على تقدمها في سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية بحسب أحدث استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأسبوع الماضي والتي أظهرت تفوقاً لكلينتون في العديد من الولايات المتأرجحة.
ورغم أدائه الهجومي في المناظرة، تعرضت حظوظ ترامب الرئاسية لانتكاسة كبيرة الأسبوع الماضي مع ظهور شريط مصور له في العام 2005 وهو يدلي بمواقف مُهينة بحق النساء.
وقد ترافق الشريط الفضيحة الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، مع «انتفاضة جمهورية» ضد ترامب وصلت الى حد مطالبته بالتنحي لصالح نائبه مايك بنس، فيما اكتفى آخرون بسحب دعمهم له. أما كلينتون التي كانت تعول على سحب البساط من تحت أقدام ترامب، فوجدت نفسها أمام سيل من الانتقادات بعد تسريب آلاف الرسائل الالكترونية لمدير حملتها الانتخابية، والتي تتضمن مواقف معادية للكاثوليك وأصحاب المعتقدات الدينية.
المناظرة الثانية
في مناظرة اعتبرت فريدة في تاريخ السياسة الأميركية من حيث حدّتها ومستوى الهجمات الشخصية، كان ترامب بحاجة ماسّة لإنقاذ حملته، بعد الضغوطات الشرسة التي تعرض لها عقب الكشف عن الفيديو الذي تسبب بهزة سياسية ألحقت ضرراً كبيراً بحظوظه.
وعلى مدى ساعة ونصف الساعة من المناقشات الحادة في المناظرة التي أقيمت في مدينة سانت لويس، هاجم ترامب منافسته بشدة متهماً إياها بالعمل لصالح «مجموعات المصالح» ومتعهداً بزجها في السجن بسبب مخالفتها القانون خلال عملها كوزيرة للخارجية الأميركية.
واعتذر ترامب مرة جديدة عن الفيديو الذي نُشر له الأسبوع الماضي، ويروي فيه بلهجة سوقية الطريقة التي يتحرّش بها بالنساء وفي بعض الأحيان من دون موافقتهن.
لكنه أرفق اعتذاراته عن هذه المواقف بهجوم مضاد استثنائي على كلينتون وزوجها. وقال ترامب في المناظرة حول شريط الفيديو، «لست فخوراً بذلك، ولقد اعتذرت لأسرتي وللأميركيين»، وقلل ترامب خلال المناظرة من أهمية تصريحاته معتبراً أنه حديث «غرفة ملابس»، وشن هجوما على الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي كان حاضراً في القاعة معتبراً أنه «اعتدى على نساء» بمساعدة وتغطية زوجته.
وقبيل المناظرة، ظهر ترامب علناً في مؤتمر صحافي مع أربع نساء اتهمن بيل كلينتون بالاعتداء الجنسي عليهن.
وردّت كلينتون بحزم لكن بهدوء أن منافسها يفتقد المزايا اللازمة ليصبح رئيساً.
وحول الفيديو علّقت كلينتون بالقول «هذا هو دونالد ترامب والسؤال الذي علينا وعلى بلادنا الرد عليه هو أننا لسنا كذلك»، مذكّرة بأن قطب العقارات هاجم «المهاجرين والمتحدرين من أميركيا اللاتينية والسود وذوي الاحتياجات الخاصة».
كما وصف ترامب في المناظرة كلينتون بأنها «شيطان»، مؤكداً أن قلبها مليء بالحقد ووعد بأن يُكلّف مدعياً عاماً للتحقيق حولها مهدداً أيضاً بإيداعها في السجن.
بدورها ردّت كلينتون على ترامب، ووعدت بالعمل مع الجميع آملة انتخابها، معتبرة أن «ترامب ليس مناسباً ليكون رئيساً للبلاد ورئيساً للأركان». وأضافت أن «تصريحات ترامب عن المسلمين تستخدم في الكراهية ضدنا»، مشيرة إلى أنه «على المسلمين الأميركيين أن يشعروا بأنهم جزء من الولايات المتحدة». وقالت كلينتون إنها تعرّضت لاتهامات مُضلّلة في قضية البريد الإلكتروني. واتهمت روسيا بالسعي إلى التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح ترامب من خلال سلسلة عمليات قرصنة إلكترونية.
وفي ما يتعلق بالملفات الخارجية، اختلف المرشحان في أولوياتهما للتعامل مع الأزمة السورية. ففيما حمّلت كلينتون «النظام السوري وإيران وروسيا» المسؤولية عن تردي الوضع الإنساني في سوريا، قال ترامب إن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة «داعش».
كما اختلف المرشحان بشأن قضايا الرعاية الصحية والموقف من المسلمين والهجرة.
وتعهّد ترامب بالقضاء على تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أنه سيجعل أميركا «بلداً آمناً». مستهجناً إعلان الإدارة الأميركية الحالية مسبقاً عن الأهداف التي ستضربها لـ«داعش».
وقال ترامب: «أنا لا أحب الأسد لكنه وروسيا وإيران يُقاتلون داعش وحلفهم قوي بسبب سياستنا الضعيفة».
وأبدت المُرشّحة الديموقراطية تأييدها لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، متعهّدة بالتحقيق في «ارتكاب روسيا جرائم حرب في سوريا دعماً للرئيس بشار الأسد».
وقالت كلينتون إنها لن تستخدم الخيار العسكري البري في سوريا، مشيرة إلى أن «الاستعانة بقوات برية في سوريا سيكون خطأ فادحاً». كما رأت أن روسيا قرّرت أن ترمي كل أوراقها في سوريا.
المناظرة التي بدأت في أجواء من التوتر الشديد إذ لم يتصافح المرشحان عند دخولهما إلى القاعة، انتهت بشكل أكثر ارتياحاً. وقال ترامب ان كلينتون «لا تتراجع ولا تتخاذل وأنا احترم ذلك. اقولها بصراحة». وختم بالقول: «أنا أُخالفها الرأي حول معظم النقاط التي تُدافع عنها لكنها مقاتلة»، وتوجّه بعدها لمصافحتها.
وفي أول رد فعل بعد المناظرة، اتهم ترامب المشرفين على المناظرة، بأنهم منحوا منافسته كلينتون فترات زمنية أطول للرد على الأسئلة، مؤكداً على تحيّز الإعلام الرئيسي لمنافسته.
ويوم الأربعاء الماضي، نفت حملة ترامب اتهامات جديدة وجهتها إليه عبر صحيفة «نيويورك تايمز» عن امرأتين قالتا إن الملياردير المثير للجدل تحرش جنسيا بهما قبل سنوات.
وقالت الحملة إن هذه الاتهامات هي «اغتيال» سياسي يتعرض له ترامب، مؤكدة أن «المقال بأسره من نسج الخيال، وإنه لأمر خطر أن تشن نيويورك تايمز حملة اغتيال كاذبة بالكامل ومنسقة ضد شخصية ترامب في موضوع مماثل».
وكانت نيويورك تايمز نقلت عن امرأة قولها أن ترامب قام بملامستها جنسيا أثناء جلوسها بجانبه خلال رحلة جوية قبل 30 عاماً، في حين قالت امراة أخرى للصحيفة إن الملياردير قبلها على فمها رغما عنها حالما عرفته على نفسها في 2005 بصفتها موظفة استقبال في برجه ترامب تاور.
انتفاضة جمهورية
ورغم الضغوطات الشرسة التي تتعرض لها حملته، من الديمقراطيين ووسائل الإعلام الرئيسية، لم يتوان عشرات القادة الجمهوريين عن الانقضاض على ترامب بعد نشر الفيديو المسيء للنساء.
وبدوره، شن ترامب هجوماً على رئيس مجلس النواب بول راين الثلاثاء الماضي واصفاً إياه بأنه زعيم ضعيف وغير فعال، لكنه قال إن حملته تحررت من «القيود» بعد تخلي راين وغيره من الجمهوريين في الكونغرس عنه.
وتراجع أكثر من 150 مسؤولاً جمهورياً عن ترشيحهم لترامب على خلفية تصريحاته البذيئة.
والتزم مايك بنس حاكم ولاية إنديانا والمرشح لمنصب نائب الرئيس مع ترامب الصمت في مطلع الأسبوع لكنه عاود الظهور في مقابلات تلفزيونية لتأكيد دعمه لترامب.
وكرر ترامب عزمه على مواصلة الحملة الانتخابية حتى النهاية إخلاصاً مناصريه مؤكداً أنه لا يعرف الاستسلام، رغم دعوات مسؤولين جمهوريين له بالانسحاب من السباق وتراجعه في استطلاعات الرأي، مؤكداً أن الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) القادم هو «آخر فرصة للأميركيين لإنقاذ بلادهم».
واتهم الحزب الجمهوري بأنه لا يمده بالمعلومات الكافية عن السباق الانتخابي كما تفعل اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي مع كلينتون.
ويكيليكس وكلينتون
وعلى الضفة الأخرى، تواجه كلينتون تحديات متلاحقة مع نشر موقع «ويكيليكس» آلاف الرسائل الالكترونية المخترقة التابعة لجون بوديستا، مدير الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية.
وتظهر الرسائل المتبادلة بين مديرة حملة كلينتون الانتخابية جنيفر بالميري والباحث الكبير في مركز أميركيان بروغريس جون ألبين تكشف عن «ازدراء كلينتون للكاثوليك ومعاداتها لأصحاب القناعات الدينية» وهو ما حمل رئيس مجلس النواب بول راين الى العودة الى مهاجمة كلينتون.
ومن التسريبات أيضاً، رسالة وجهها لجون بديستا أحد المشاركين في إنشاء «مؤسسة كلينتون» المحامي داغ بيند، تحدثت عن أن الرئيسة السابقة للمنظمة، لورا غرام، كانت بالعام 2011 على وشك الانتحار بسبب الضغوطات التي تمارس عليها من قبل عائلة كلينتون.
وقاطع متظاهرون معارضون لكلينتون تجمعا انتخابيا لها في مدينة بويبلو بولاية كولورادو الأربعاء الماضي.
وبينما كان رجال الأمن يقومون بإخراج محتجين قاطعوها مرارا، قالت كلينتون إنها تشعر بالأسف لمؤيدي منافسها الجمهوري دونالد ترامب بسبب المتاعب التي تمر بها حملته.
واتهم، جون بوديستا، الثلاثاء الماضي، مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج بمساعدة المرشح الجمهوري في سباق الرئاسة، وموسكو بقرصنة بريده الإلكتروني للغاية نفسها.
وتابع بوديستا أن الملفت أن نشر هذه الرسائل تم مساء الجمعة بعيد نشر «واشنطن بوست» تسجيل فيديو صادم لترامب، يعود إلى العام 2005 ويتفاخر فيه بسلوك جنسي فظ إزاء النساء مستخدما تعابير خادشة للحياء.
ونقلت فرانس برس عن بوديستا قوله: «لا يمكنني أن أعرف إذا كان أسانج من قرر أن يحاول مساعدة ترامب، أو هناك نوع من التنسيق. لكنها مصادفة غريبة جداً أن يحصل (نشر الرسائل) في اللحظة التي شارفت فيها الحرارة على الغليان»، بالنسبة إلى ترامب.
واتهمت أجهزة الاستخبارات الأميركية الجمعة الماضية موسكو رسميا بالوقوف وراء قرصنة الحزب الديمقراطي التي أظهرت انحياز مؤسسة الحزب لصالح كلينتون ضد منافسها السابق بيرني ساندرز.
الفيديو
وكان الفيديو الذي سرّبته «واشنطن بوست» وشبكة «أن بي سي نيوز» صُوّر عام 2005 بعد أشهر على اقتران ترامب بميلانيا، زوجته الثالثة. وفي الفيديو الذي صُوّر في باص من دون علمه، خلال مشاركته في برنامج لتلفزيون الواقع، قال المرشح الجمهوري لمقدّم البرامج بيلي بوش، كيف يقبّل نساءً ولو من دون موافقتهنّ، ويلمسهنّ في أماكن حساسة. وروى تحرّشه بسيدة متزوجة، وزاد: «حين تكون نجماً، يدعنك تفعلها. يمكنك فعل أي شيء».
وأثار الفيديو زلزالاً في الولايات المتحدة، ما اضطُر حملة ترامب إلى عقد اجتماع طارئ دام خمس ساعات، بُثّ بعده فيديو للمرشح الجمهوري مدته 90 ثانية، قال فيه: «لم أقل أبداً إنني كنت شخصاً مثالياً. أي شخص يعرفني يدرك أن تلك الكلمات لا تعكس شخصيتي. قلتها وكنت مخطئاً، وأعتذر». وتعهد بأن يصبح «رجلاً أفضل»، لكنه رأى في تسريب التسجيل «صرفاً للانتباه عن القضايا المهمة التي نواجهها».
نسبة المشاهدة
أظهرت بيانات أولية أن المناظرة الثانية بين المرشحين للرئاسة الأميركية جذبت نحو 59 مليون مشاهد أميركي عبر التلفزيون، إلا أن هذا يظل أقل بكثير من مناظرتهما الأولى التي جذبت عددا قياسيا من المشاهدين بلغ 84 مليون مشاهد. وأجريت المناظرة الثانية في ذات التوقيت الذي بثت فيه شبكة «أن بي سي» برنامج «صنداي نايت فوتبول» الذي شاهده نحو 15 مليون أميركي بحسب إحصاءات نيلسن. ولم تبث «أن بي سي» المناظرة.
وستقام المناظرة الثالثة والأخيرة بين كلينتون وترامب يوم ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) الجاري بولاية نيفادا.
Leave a Reply