كشَفَتْ وثائق ويكيليكس العظيمة غطرسة العقل الذي يدير ما يُسمَّى «الدبلوماسية السعودية» التي تقتصر على علاقة السيِّد السعودي بالخدم والحشم من الشحَّاذين المرتهنين الذين هم بلا شرف ولا كرامة والواقفـين على أعتاب آل سعود يتسوَّلون أكياساً من الفضة والدنانير وأولهم مدَّعو «لبنان أولاً» من جماعة «محبي الحياة والبترودولار» فـي «قرطة حنيكر» من ١٤ آذار. بالمناسبة شعار «لبنان أولاً»، هذه النكتة السمجة لم نعد نسمع نغمتها من قبل أدعياء الإستقلال وثورة (حراس) الأرز. ربَّما لأن هؤلاء اقتنعوا أنَّ الكذبة كبيرة أو أنهم ملُّوا من خداع أنفسهم.
ورغم تصنُّع مملكة عائلة سعود البرودة إزاء هذا الكشف الخطير لوثائقهم السرية واعترافهم الشوفـيني بأن الوثائق لم تظهِر إلاَّ سياسة المملكة المُعلَنة، لكن النيران تشتعل حتماً فـي أوساط العائلة التي هي مستعدة دائماً لدفع المليارات حتى لا تتلطَّخ سمعتها أمام الرأي العام العالمي، لا العربي الذي هو عندها أقل من شروي نقير طالما أن المزمِّرِين والمبخِّرِين لآل سعود، خصوصاً من المرتزقة الإعلاميين اللبنانيين، هم أكثر من أنْ يُعدُّوا ويُحصوا. ذلك انه فـي السبعينيات لم تتحمل العائلة المالكة معارضة القائد الوطني ناصر السعيد الذي خطفته حركة «فتح»عرفات بمؤامرة دنيئة من قلب بيروت مقابل الملايين السعودية ولم يُعرف له أثر بعد ذلك بحيث انضم مصيره الغامض إلى مصير النقابي المشهور جيمي هوفا فـي أميركا، وذلك بعد أنْ ألَّف كتاباً ضخماً موثَّقاً عن فضائح وموبقات آل سعود. وقد اختفى هذا الكتاب المرجع من الأسواق بسحر ساحر. أما اليوم فإنَّ عصر الإنترنيت والعم «غوغل» سيتكفلان بفتح سجلات آل سعود على مصاريعها أمام العالم أجمع وأكثر بمليون مرة من كتاب ناصر السعيد. فالكتاب الواحد تحوَّل إلى نصف مليون وثيقة سريَّة. ليس ذلك فحسب بل إنَّ عدم الحرص السعودي والأخطاء فـي الكتابات الدبلوماسية سيكشف غطاء كل عملاء السعودية السريين والمخبِرين فـي كل أنحاء العالم وهو ما أشارت اليه «الأخبار»، هذه الجريدة الوطنية العظيمة بجرأتها النادرة جداً فـي حمأة الإغراءات المالية الهائلة والترهيب المريع ذلك لأنَّ بيت الأسد لا يخلو من العظام وما يزال عندنا صحافة حرة، لحسن الحظ، تحمل الضمير وتتمتع بالالتزام مثل «الأخبار» زينة صحف العالم.
ولمناسبة الحديث عن الصحف نستغرب أنَّ جرائد وطنية أخرى مثل «السفـير» لم تفتح فمها بكلمة واحدة عن فضائح عائلة سعود مع أنَّ الجريدة ومؤسسها طلال سلمان ذُكرا فـي سياق إحدى البرقيات كما أنَّْ السياسيين المحسوبين على الخط الوطني بلعوا ألسنتهم. وهذا يجعلنا نشكك فـي وجود حملة مضادة سريَّة رهيبة تقوم بها الرياض من أجل إحباط ولملمة البهدلة والشوشرة.
الالتفاف السعودي تمثل بمحاولة أشرف ريفـي صرف الأنظار عن فضيحة «سعود-غيت»من خلال تسريبه شريط تعذيب السجناء فـي «سجن رومية» ومن أجل أمور تتعلق بالصراع على النفوذ بينه وبين نهاد المشنوق، رغم المصالحة العلنية الباردة التي تمت بينهما بعد نشر غسيلهما الوسخ وهدر أصدقاء ريفـي التكفـيريين لدم المشنوق. ولكن انكشف أمر ريفـي باعتباره أول من أشرف على «فرع المعلومات» ويستمر بالتواصل مع زلمه فـي الفرع وهو أول من ابتكر أساليب التعذيب فـي السجون لا النظام السوري الذي يلجأ اليه كل مرة كمكسر عصا، هو ووليد جنبلاط. لكن جنبلاط هذا نسى تعذيب السجناء المسيحيين وإطلاق الكلاب المتوحشة عليهم لتنهش أجسادهم وهم أحياء ونسى أوامره بقتل كل السجناء المسيحيين، كما نسى جرائم الكاوبوي بتاعه وأبو سعيد العينترازي، العميل الإسرائيلي، ونسى سرقة أجراس الكنائس حتى اليوم فـي الجبل. لكن المهزلة الكبرى استنكار جعجع
اما بالنسبة لسجناء «رومية» فمن حيث المبدأ نحن ضد تحقير وتعذيب أي إنسان فـي السجن أو خارجه لكن أولئك الذين يتفجعون اليوم على أهل السنة من جماعة زريقات والأسير والرافعي وحتى المغرَّر بهم فـي صيدا وطرابلس من عامة الناس، نقول لهم إن التعذيب شمل كل السجناء ولم يحدد مذهبية السجين ثم أين كُنتُم عندما ارتكب هؤلاء المجرمون المجازر عبر السيارات المفخخة فـي الضاحية والسفارة الإيرانية، بل ضد عناصر وضباط الجيش اللبناني؟! فهؤلاء القتلة فـي «رومية» كانوا على صلة مباشرة بخاطفـي اللبنانيين فـي أعزاز وبسيارات الموت فـي القلمون وعلى تواصل مباشر مع أسيادهم من «النصرة» و«داعش» هناك من خلال سجن ١٠ نجوم مجهَّز بأحدث تكنولوجيا الإتصالات؟! وأين فـيديوهات ضرب وحرق عناصر قوى الأمن خلال العصيان ضدهم ولماذا تسرَّب الشريط اليوم وهو يحوي وقائع حصلت فـي نيسان الماضي (إبريل)؟! نحن مع منح الكرامة وتسوية وضع كل السجناء لأن الكثير منهم مظلومون فـي دولة مهترئة، ما عدا السفاحين المجرمين مثل الأطرش ونعيم وفستق وغيرهم من الذين تلطَّخت أيديهم بدماء الناس الأبرياء! فسجن «رومية» لا ولن يكون «أبو غريب» ولن يفلح فـي أنْ يغطي على فضيحة «سعود-غيت». ورغم محاولة التجاهل المريعة فـي لبنان، أكدت «ويكيليكس» المؤكَّد حول الدور السعودي فـي شراء الذمم وارتهان أصحاب «السيادة والاستقلال»، ولكن ماذا بعد؟
هل سيُحاسب جعجع وبطرس حرب ودوري شمعون على «شطارتهم» اللبنانية الفـينيقية فـي جمع المال واقتناصه من مملكة النفط؟! بل هل هناك محاسبة وعقاب أصلاً فـي «شبه الوطن»؟! عندنا نموذج فؤاد السنيورة وأحمد فتفت وعقاب صقر والضاهر وسالم الرافعي وميشال سليمان وو… فلا تشدوا أيدكم كتير يا جماعة: لبنان بلد نهب وسرقات وعصابات ومافـيات. بلبنان، ما تتعذبوا، «أفش شي أسمو محاسبة يا خيي»!
Leave a Reply