علي حرب – «صدى الوطن»
أدى المرسوم البلدي المقترح بحظر التدخين فـي المنتزهات العامة بمدينة ديربورن إلى إثارة السخط والغضب الشديدين بين أوساط العرب الأميركيين الذين يقولون ان المنع يستهدف تحديداً مدخني الأركيلة فـي المدينة.
وكان مجلس البلدية قد أرجأ التصويت على المرسوم الأسبوع الماضي لمناقشة مذكرة خاصة تتعلق بإعفاء ملعب الغولف التابع للبلدية من حظر التدخين، وذلك بعد إقرار القراءة الأولية بالإجماع فـي جلسة ٢٣ حزيران (يونيو) الماضي، ولولا إصرار العضو روبرت أبراهام على استثناء ملعب الغولف من الحظر كاد المقترح أنْ يتحول إلى مرسوم نافذ ومرعي الإجراء، لكن معارضة العضو مايك سرعيني أدت إلى تأجيل التصويت النهائي على المقترح حتى ٢١ تموز (يوليو) لإجراء المزيد من المناقشات.
وينص المرسوم المقترح من قبل أبراهام والمدعوم من قبل توم تافلسكي على حظر «نفث الدخان المتصاعد من حرق التبغ أو حرق أي منتج آخر موجود فـي الاركيلة والغليون والسيجار والسجائر و/أو السجائر الإلكترونية» داخل الحدائق العامة فـي مدينة ديربورن.
أبراهام نفى لـ«صدى الوطن» أن يكون مقترحه بحظر التدخين موجهاً ضد العرب الأميركيين. وقال «هذا غير صحيح» مشيراً الى آنَّ «الثقافة عموماً فـي الولايات المتحدة آخذة فـي التغير، والتدخين أصبح أقل شعبية وقبولاً فـي كثير من الأماكن. بالأمس فقط كان يمكن التدخين فـي المطاعم والطائرات. لا أحد اليوم يذهب الى سلطات الطيران ويقول لها انت تقومين بالتمييز ضد العرب الأميركيين».
وقال أبراهام إنَّ ميثاق البلدية يفوض المجلس البلدي برعاية شؤون الصحة والرفاهية لدى السكان وكذلك شؤون المنتزهات والممتلكات العامة». وأضاف «أنا لست متأكدا كيف يفكر أي شخص بأنَّ التدخين فـي الأماكن العامة هو شيء جيد»وتساءل «لماذا ينبغي لنا أن نتوقع أن يتم التدخين حيث يلعب أطفالنا. لقد صممت الحدائق للأنشطة الترفـيهية، لا للتدخين».
أما بالنسبة لإعفاء ملعب الغولف من حظر التدخين، ادعى أبراهام إنه كان يعتقد خطأ أن ملاعب الغولف لا تندرج تحت تعريف المنتزهات فـي المدينة بعد ان سأل عما إذا كان المرسوم سيُنفَّذ فـي كامب ديربورن.
«كنت مخطئا فـي التفكير بأن ملاعب الغولف مستبعدة»، وأردف «إذا اعتقد المجلس انه ينبغي حظر التدخين فـي ملعب الغولف، فلا مانع من ذلك، على الرغم من أنني أعتقد أن ملعب الغولف هو مختلف لأنه يتضمن رسوماً للدخول».
غضب الجالية وثورة الأراكيل
علي جواد، مؤسس النادي اللبناني الأميركي، أدان المقترح، قائلاً انه يستهدف العرب الأميركيين الذين يترددون على المنتزهات العامة لتدخين الاركيلة فـي الهواء الطلق. وأضاف جواد أن حرق الفحم فـي حفلات الشواء ربما يشكل مشكلة صحية أكبر من تدخين الاركيلة والسجائر فـي المنتزهات والحدائق العامة. وتابع «لولا الجالية العربية فـي ديربورن لكانت المدينة امتداداً للخراب فـي ديترويت. لقد أعطينا هذه المدينة مثل ما أعطتنا، ولكن المجلس البلدي لا يحترمنا. هذا تمييز واضح. بعض أعضاء المجلس لا يريدون رؤية المحجبات وهن يدخن فـي المنتزه انها ضربة مهينة ومعيبة للجالية».
وأكد جواد، الذي يعتبر أحد أبرز القيادات العربية فـي منطقة ديترويت، أنه ليس مدخناً ويحث أبناءه على الامتناع عن التدخين، «ولكن لا ينبغي أن تكون وظيفة البلدية حظر التدخين فـي الأماكن المفتوحة».
مؤسس «النادي اللبناني» دعا قادة الجالية ونشطاءَها ومنظمات الحقوق المدنية للوقوف ضد القرار، مضيفاً «أن الحظر قد يطعن به فـي المحكمة».
من جهته، أشار الكوميدي وأستاذ القانون يجامعة «ديترويت ميرسي»، عامر زهر، ان المرسوم هو جزء من توجه يعمل على «تخفـيف العنصر العربي» فـي ديربورن.
وقال «نحن ناجحون الى درجة تزعج بعض الناس»، وتساءل «من سيصيبه الأذى من الأركيلة التي تنفث القليل من الدخان فـي سماء المنتزه؟ لقد كانوا يدخنون السيجار فـي ملاعب الغولف منذ الأبد. والآن لأننا ندخن الاركيلة فـي المنتزه، يريدون حظر التدخين؟». وأضاف زهر أنه «لو أن الناس البيض هم الذين يدخنون الاركيلة فـي المنتزه، لما كانت هناك مشكلة. ومن المثير للدهشة عندما يريد العرب أن يقوموا بعملٍ ما، تراهم (مسؤولو البلدية) فوراً يجدون وسيلة لجعل هذا العمل غير قانوني».
وتابع زهر فـي لهجة مليئة بالإحباط «أحب العرب الجلوس فـي كاراجاتهم، ثم فجأة، جعلوا هذا العمل غير قانوني. العرب رغبوا بافتتاح مقاهي للأركيلة، ثم فجأة أقروا حظراً على مقاهي الاركيلة من الآن فصاعداً يجب علينا البدء بتناول سندويشات الفلافل والشاورما بالخفاء لأن ذلك قد يصبح غير قانوني أيضاً».
واستطرد ان المجلس البلدي أقر بعض القرارات التي تنضح عنصريةً والتي تستهدف بشكل صارخ الجالية العربية ولكن لأن أربعة من أعضاء المجلس هم من أصل عربي يتردد المقيمون فـي ديربورن بكشف وتعرية هذا التعصب.
«ربما عندما يجلس على مقاعد المجلس اعضاء عرب ممن هم غير خائفـين من كونهم عرباً، عندها فإنّ قوانين من هذا القبيل لن تمر»، أكد زهر.
وحظر التدخين فـي الحدائق العامة هو أحدث موجة من المراسيم المتشددة التي تعيق الحريات فـي المناطق السكنية والتجارية فـي ديربورن.
فقد سبق وأن حظر مجلس البلدية تحويل الكراجات إلى مساحات للعيش والسكن فـي مطلع العام الماضي. كما أقر المجلس قراراً بمنع إصدار رخص البناء لمدة سنة واحدة، قبل أن يتراجع عنه بعد أن تبيَّن انه يتناقض مع القانون العام لولاية ميشيغن. وفـي العام الماضي أيضاً، حظر المجلس ممارسة الرياضة فـي الهواء الطلق بعد الساعة العاشرة ليلاً.
إلا ان ليس كل أصوات الجالية رافضة لمرسوم حظر التدخين المقترح فـي الحدائق العامة.
«يذهب الناس إلى الحدائق لتنشق رائحة الهواء النقي لا للتعرض الى سموم التدخين السلبي»، علق أحد السكان فـي صفحة «صدى الوطن» على الفـيسبوك.
وقالت الناشطة الاجتماعية جاكلين زيدان إن الدفاع عن تدخين الاركيلة لا ينبغي أن يكون مسألة ثقافـية.
«أنا أشعر بالإحباط إزاء حقيقة أننا وصلنا إلى النقطة التي يجري فـيها تحديد ثقافتنا العربية بالاركيلة»، مضت زيدان الى القول وتابعت «إن الاركيلة ليست خلاصة ثقافتنا أو الشيء الوحيد الذي يحدد من نحن. هناك ما هو أكثر فـي ثقافتنا من الاركيلة».
أما بالنسبة للمرسوم البلدي، فأكدت زيدان انه «نوع من التجاوز» ودعت الى تحديد أماكن مخصصة للمدخنين فـي المنتزهات.
التسوية الفاشلة
وفـي هذا الصدد، ادعت رئيسة المجلس سوزان دباجة انها دافعت عن الدعوة إلى حل وسط من شأنه أن يسمح بالتدخين فـي بعض الأماكن فـي المنتزهات، لكنها لم تستطع حشد ما يكفـي من الدعم لتعديل الاقتراح.
وتمر التعديلات والمراسيم بأغلبية بسيطة مكونة من تصويت أربعة أعضاء فـي المجلس من أصل سبعة أعضاء.
وأضافت دباجة «ورغم أنني لست مدخنة، ما زلت أريد تقديم فرصة للمدخنين للتمتع بالمنتزهات فـي مكان معين بعيداً عن أطفالنا». وأردفت أنها تحدثت مع السكان والناشطين فـي الجالية خلال الاجتماعات التي ناقشت المرسوم.
واستطردت «لقد تحدثت إلى عدد من الناخبين فـي دائرتي الانتخابية فكان البعض مع والبعض ضد، فـيما أراد البعض حلاً وسطاً. وعلى كل حال المرسوم لم يُقرّ ولدى الناس مهلة لغاية ٢١ تموز (يوليو) للإتصال بالمجلس وحضور الإجتماع لإعلامنا بمواقفهم».
لكن أبراهام قال إن تحديد أماكن خاصة للتدخين بعيداً عن منطقة اللعب من شأنه أن يوقع إشكالية فـي التطبيق.
من جهته ادلى عضو المجلس مايك سرعيني بأنه سيصوت ضد فرض حظر شامل على التدخين فـي الحدائق العامة، لا سيما إذا كان يعفـي ملعب الغولف. واكد سرعيني انه كان قد شكك فـي دستورية المرسوم عندما اقترح لأول مرة، وطلب من الدائرة القانونية مراجعته. وأضاف أنه بعد القيام بأبحاثه القانونية الخاصة، «تبين ان البلدية يمكن أن تطبق الحظر، ولكن لا يمكنها استهداف فئة معينة من الناس».
ثم استدرك أنه «فـي الأصل لا حاجة للمرسوم.. كما ان المجلس لم يحصل على شكوى واحدة تتعلق بالتدخين فلماذا هبط هذا المرسوم هكذا فجأة»؟
ودحض ابراهام هذا الكلام بالادعاء أن دائرة الترفـيه والمنتزهات تلقت العديد من الشكاوى حول التدخين بالقرب من مناطق اللعب فـي الحدائق العامة.
وأيد سرعيني وضع قيود معقولة على التدخين فـي الحدائق العامة لحماية الأطفال. واوضح «أنا لست مؤيداً للتدخين لكن أنا ضد سحب حريات الناس وحقوقهم، خصوصاً عندما لا تكون هناك مشكلة فـيما يفعلونه، هذا عمل الحكومة، وأنا لست من مؤيدي سطوة الحكومة».
مخاوف صحية؟!
من ناحيته، شدد الدكتور نبيل إبراهيم، وهو من سكان مدينة ديربورن والرئيس المتقاعد لبرنامج الشرف فـي كلية هنري فورد، أن هناك قضايا أكبر من التدخين تتعلق بجودة الهواء فـي المدينة، واصفاً المرسوم البلدي بأنه سخيف.
وأضاف «نظمت البلدية اتفاقاً مع أصحاب مصنع الصلب الرئيسي فـي المدينة للسماح بتلوث الهواء بمستويات أعلى. فـي الواقع، ديربورن ومقاطعة وين عموماً تقعان ضمن مساحة يوجد فـيها أسوأ أنواع الهواء فـي البلاد. وبدلاً من محاربة التلوث الحقيقي والوكالة الرسمية التي غيرت معايير مصنع الصلب لزيادة انبعاثات الغازات السامة وتلويث الهواء، يقوم المجلس البلدي ورئيس بلدية المدينة بملاحقة المدخنين فـي الحدائق العامة. وهذه الحالة هي كحالة العاجز الذي يدَّعي لعب دور الرجل القوي».
وكانت «صدى الوطن» قد نشرت عدة تقارير عن مخاطر التلوث البيئي فـي منطقة جنوب ديربورن والأمراض الصدرية التي يعاني منها أطفال المنطقة بسبب التلوث. لكن من الواضح ان أولويات المجلس البلدي فـي ديربورن فـي مكان آخر، بعيد كل البعد عن جنوب المدينة الذي يغرق بدخان الغازات السامة بأحيائه ومدارسه ومنتزهاته.
Leave a Reply