عاتبني أحد الأصدقاء الأوفياء قائلا: شو بدِك بالسياسة.. لا تكتبي فيها. السياسة باب واسع من الكذب والنفاق والزعبرة وقلة الحياء، وهي ميزان مائل نحو الشر والمصالح والدسائس.
واقترح الصديق علي أن أكتب عن عقوق الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، خصوصا في هذا الزمن الذي، للأسف الشديد، نسمع فيه قصصا وحوادث في الجاليات العربية والشرق أوسطية.. يصل فيها العقوق إلى حد ضرب الأبناء لآبائهم وإهانتهم، في الوقت الذي يكونون فيه بأمس الحاجة إلى العون والعطف والتفهم. فالأبناء الذين يولدون ويعيشون هنا لم يسمعوا بالقاعدة التي تقول: كما تدين تدان، ويغفلون عن قوله تعالى: إن الله سريع الحساب في الدنيا قبل الآخرة.
والحقيقة فإن علاقة الأبناء بالآباء هنا في الغربة هي موضوع أعايشه يوميا من خلال عملي مع كبار السن من العرب والأميركان. وهناك بعض القصص المشرقة المضيئة عندما تشاهدها أو تسمعها من فم الأهل تتمنى لو كنت ذلك الولد البار والمحب لأهله. وبعض القصص تخجل من سماعها وتأسف لذلك الولد العاق، سواء أكان ابنا أو ابنة، إذ أن ما يفعله الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم سيرتد حتما عليهم يوما ما، وفي الدنيا قبل الآخرة، إن خيرا فخير، وإن شرا وعقوقا فشرا وعقوقا من أبنائهم في المستقبل، عندما يصلون بدورهم إلى خريف أعمارهم، لأن عقوق الوالدين يعتبر ذنيا ومعصية، حتى في المجتمع الغربي، والشرائع والأديان كلها تحذر منها. وقد حذر القرآن الكريم من عقوق الوالدين مباشرة بعد الشرك بالله وعدّ ذلك من الكبائر.
وتابع صديقي كلامه وروى لي قصة كان شاهدا عليها وقد حدثت هنا في إحدى مدن ولاية ميشيغن. وقال إن أبا عجوزا كان ابنه يضربه يوميا بسبب أو بدون سبب لـ”يفش خلقه” فيه بعد يوم عمل متعب، حتى وصل الأمر إلى مرحلة أصبح فيها الأب ضعيفا جدا ومريضا وعاجزا عن الحركة، مما دفع الابن العاق الى حمله ليلا ورميه عند حاوية النفايات خلف المنزل صارخا في وجهه: مت هنا..
وصادف أن خرج الجيران على أنين الرجل العجوز وحاولوا إنقاذه إلا أن المفاجأة كانت فيما قاله الأب إذ طلب من الجيران أن يتركوه حيث هو.. وبدأت دموعه تتساقط بغزارة وهو يردد: اتركوني هنا. هذا هو عدل السماء، فقبل أربعين عاما كنت أضرب أبي العجوز وأقسو عليه حتى وصل بي الأمر وبتحريض من زوجتي التي قرفت من مرضه وعجزه وخدمته، فقمت بحمله ورميه في مزبلة القرية، فمات ليلتها وعيناه شاخصتان الى السماء وشفتاه تمتمان بدعاء غير مفهوم كونه كان مشلولا ولا يستطيع النطق. وما ترونه الليلة هو سداد دين أبي فاتركوني.
لقد كان مأساويا أن يموت الأب ليلتها قرب حاوية النفايات غريبا وحيدا في بلد بعيد غريب، مثلما عقّ والده قبل عقود ورماه على مزبلة القرية.
ختم صديقي العزيز العجوز، حتى كلمة أف نهانا الله عن قولها لآبائنا وأمهاتنا وأمرنا أن نقول لهم قولا كريما، فما بال الكثيرين من الابناء والبنات اليوم لا يزورون آباءهم وأمهاتهم إلا مرة واحدة كل شهر أو كل أسبوع ولا يتفقدون أهاليهم حتى بمكالمة هاتفية، هذا عدا عن معاملتهم بجفاء فهل يأمن هؤلاء الأبناء غضب الله عليهم وتقلب الأيام والليالي؟
Leave a Reply