ديربورن – «صدى الوطن»
لم يطل الوقت كثيراً، حتى تحول «الربيع العربي» -في البلدان العربية التي انفجرت فيها الثورات والانتفاضات الشعبية- إلى شتاء قارس قاد إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية إلى درجة باتت تهدد بفرط التكوينات الاجتماعية فيها. ومن بين جميع تلك الأقطار، استطاعت تونس وحدها أن تنجو من صقيع «الشتاء العربي» وأن تتخطى عواقبه الكارثية من خلال عملية انتقال سياسية ديمقراطية.
وقد عزا السفير التونسي لدى العاصمة الأميركية، واشنطن، أسباب تجاوز تونس لتداعيات الحراكين السياسي والاجتماعي اللذين أطاحا بنظام الرئيس زين العابدين بن علي إلى جملة من الأسباب، في مقدمتها: المشاركة الواسعة لفئات من الطبقة المتوسطة، ومشاركة المرأة التونسية، والطبيعة المتجانسة للمجتمع التونسي الذي يحظى أبناؤه بمستوى مرتفع من التعليم عموماً.
وأشار السفير فيصل قويعة في لقاء مع «صدى الوطن» إلى أن الثورة السلمية التي أطاحت بنظام بن علي، شكلت إلهاما لباقي الشعوب العربية المتطلعة إلى التغيير والعدالة الاجتماعية، فاندلعت احتجاجات واسعة مناهضة لأنظمة الحكم، في ليبيا ومصر واليمن وسوريا والبحرين والسعودية، وهي تلك الانتفاضات التي باتت تعرف بإسم «الربيع العربي».
غير أن معظم تلك الاحتجاجات تحول إلى حروب أهلية وفرت مناخاً لتسلل ونمو القوى الإرهابية والظلامية في تلك الدول، ولكن مع ذلك تمكنت تونس، بعد شهور من الجمود السياسي من صياغة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية، وانتخاب رئيس جديد للبلاد، بحسب قويعة.
وأكد السفير الذي عين بمنصبه في ربيع 2015، أنه من غير المسموح الرجوع عن مكتسبات الثورة التونسية أو التخلي عنها خلال مواجهة الجماعات الإرهابية التي تسعى لتحويل تونس إلى دولة فاشلة.
وتواجه تونس جملة من التحديات الأمنية، حيث تعرضت، العام الماضي، لسلسة هجمات إرهابية نفذها عناصر تابعون لتنظيم «القاعدة» و«داعش» المتواجد في ليبيا المجاورة، وأودت بحياة العشرات من التونسيين والسواح الأجانب.
«إنهم يريدون إفشال عملية الانتقال الديمقراطي، وهذا لن يحصل أبداً». قال، وأضاف: «إننا ملتزمون إلى أبعد الحدود بمبادئ الديمقراطية والتحرر، فالديمقراطية في تونس.. لا رجعة عنها». وأكد أن الأفراد والأحزاب، من مختلف أنواع الطيف السياسي، يرغبون في حماية الحريات السياسية في البلاد، وذلك على الرغم من أن تونس تواجه تحديات صعبة، مؤكداً أن «تلك التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص».
واستعرض قويعة الذي زار مكاتب «صدى الوطن»، بعض التحديات التي تواجه بلاده، وقال: «لدينا الآن 300 ألف من الشباب الجامعيين العاطلين عن العمل، وينبغي على الحكومة أن توفر لهم فرص عمل، ولكن في نفس الوقت، فهذه فرصة لتفعيل طاقات هؤلاء الشباب وإشراكهم في بناء وتطوير بلدهم».
وشدد على أن البطالة ماتزال مسألة رئيسة ولكن الإرهاب الذي تواجهه تونس يبقى هو المعضلة الكبرى.
ولدى سؤالنا له فيما إذا كانت تونس تعتبر بلداً آمناً، أجاب قويعة بالقول: «أفضّل لو يُطرح السؤال بطريقة مختلفة: هل هناك منطقة أو مدينة أو عاصمة في العالم تعتبر آمنة؟ من يستطيع القول إن العاصمة الفرنسية، باريس، هي مدينة آمنة خلال الأشهر الأخيرة؟ في العموم يمكنني القول إن تونس بلد آمن.
وعن تصديرها آلاف الإرهابيين الى سوريا وليبيا وغيرهما من البلدان العربية، لفت السفير التونسي الى أن حكومة بلاده تتحرى خلفيات المسافرين التونسيين إلى ليبيا، حيث توفر الفوضى القائمة هناك أرضيةً مناسبةً لنشاطات تنظيم «داعش»، مؤكداً أن التحريات توازن بين الإجراءات الأمنية وحماية الحقوق المدنية للمواطنين التونسيين.
وأرجع قويعة الإجراءات الحكومية الأمنية بحق المواطنين المسافرين إلى ليبيا إلى حماية الحدود، وقال: «لسوء الحظ، فإن الإرهاب ينمو في ليبيا حيث لا توجد حكومة ولا يوجد دستور، داعيا إلى تضامن الشعوب العربية مع حكوماتها في سبيل مواجهة الإرهاب».
وشدد على أن الإرهاب هو العدو المشترك للبلدان العربية، وقال «إن نجحنا في دحر الإرهاب، فسوف نحقق الاستقرار لبلداننا، وسوف نستطيع بالتالي تطوير أمتنا ومنح الأمل لمواطنينا». ووصف الإرهاب بأنه تهديد عالمي وعلينا مواجهته عبر تعاون عالمي.
في سياق آخر، وصف قويعة العلاقات الأميركية التونسية بأنها «جيدة جداً»، وقال: «إن الرئيس باراك أوباما أشاد بالثورة التونسية مرتين خلال إلقائه لخطاب «حال الاتحاد»، مؤكداً على وجود تعاون أمني كبير بين الحكومتين الأميركية والتونسية، خاصة لناحية تشارك المعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب وشبكاته العالمية. وقد أصبغت الولايات المتحدة على تونس صفة «الحليف الرئيس من خارج حلف الناتو»، بحسب قويعة.
يذكر أن أعداد التونسيين الأميركيين تقارب الـ25 ألف شخصاً يتوزعون في مختلف الولايات، ويعمل العديد منهم في قطاع الأعمال والسياحة، بحسب السفارة التونسية.
Leave a Reply