الدوافع وراء أكبر مجزرة في التاريخ الأميركي الحديث ما تزال مجهولة .. والسلطات تستبعد الإرهاب
لاس فيغاس – اهتزت الولايات المتحدة مطلع الأسبوع الماضي على وقع مجزرة مروعة «غير إرهابية»، باغتت عاصمة الترفيه والقمار، لاس فيغاس، حاصدة أرواح ٥٩ شخصاً قضوا في أكبر حادث إطلاق نار جماعي في تاريخ أميركا، ليعود النقاش الوطني مجدداً حول مخاطر انتشار السلاح في البلاد، لاسيما وأن مرتكب المجزرة هذه المرة كان رجلاً أميركياً أبيض البشرة، ليتم –كما جرت العادة– استبعاد فرضية الإرهاب واستحضار الجنون كدافع للجريمة النكراء التي فشلت –حتى أفلام هوليوود– في توقعها.
تفاصيل المجزرة
وقعت مجزرة لاس فيغاس مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، حين كان أكثر من 22 ألف شخص يحضرون حفلاً موسيقياً للمغني جيسون ألدين؛ حيث دوت أصوات الطلقات النارية الأولى قرابة الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت المحلي، ظن الجميع بداية الأمر أنها مجرد مفرقعات بمناسبة انتهاء الحفل، ولكن استمرار إطلاق النار أصاب الجميع بالذعر، وأصيب الآلاف بحالة من الصدمة والهلع وتفرقوا مذعورين في كل اتجاه.
وتسبب الهجوم بتدافع كبير وسط حالة من الذعر، فسارع البعض إلى الفرار، في حين تمدد آخرون أرضاً للاحتماء من زخات الرصاص المتواصلة، وقام آخرون بحماية أحباء لهم بأجسادهم، بينما انتشرت أشلاء الضحايا وتعالت صيحات الجرحى والمذعورين في أرجاء الساحة التي كان ينهمر عليها الرصاص الحي كثيفاً. وفي الصور التي التقطت في الدقائق الأولى، يمكن رؤية العديد من الجرحى ممددين أرضاً أمام المسرح وأطرافهم تنزف، بينما يواسي بعضهم آخرين ويساعدونهم على الاحتماء.
ووصل عدد الضحايا إلى 59 قتيلاً و527 جريحاً، وقد وصف الهجوم بالأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الحديث. وأكدت المصادر الطبية أن العدد مرشح للزيادة بالنظر إلى حجم وتنوع الإصابات التي لحقت بمئات الحاضرين للحفل الموسيقي.
وفاق هجوم لاس فيغاس (يفوق من حيث عدد الضحايا) مجزرة النادي الليلي التي وقعت بولاية فلوريدا (جنوب شرق) عام 2016 وراح ضحيتها 50 قتيلاً، واعتبرت آنداك الأكثر دموية في تاريخ أميركا الحديث.
وقال مسؤول شرطة لاس فيغاس جوزف لومباردو الاثنين المنصرم إن منفذ عملية إطلاق النار انتحر قبل وصول قوات الأمن إلى غرفة الفندق التي كان ينزل فيها.
داعش يتبنى .. وأميركا تتجاهل
وتبنى تنظيم «داعش» الإرهابي عملية لاس فيغاس وأكد أن منفذها «أحد جنود الخلافة» وأنه اعتنق الإسلام قبل شهور، ولكن أجهزة الأمن الأميركية استبعدت فرضية انتماء مطلق النار للتنظيم، كما لم تتعامل السلطات أو وسائل الإعلام الأميركية مع المجزرة باعتبارها «إرهابية».
وفتحت السلطات الأميركية تحقيقاً موسعاً حول دوافع العملية، ولكنها لم تعثر –حتى صدور هذا العدد– على أي رابط بين المنفذ وأي «مجموعة إرهابية دولية»، حسب تصريحات مكتب التحقيقات الفدرالي.
وذكر المكتب أن السلطات استجوبت صديقة مطلق النار التي عادت من الفيليبين لإخلاء ساحتها من التورط بالمجزرة، فيما لم يتم احتجاز أي شخص آخر بتهمة مساعد بادوك على ارتكاب جريمته التي يبدو أنه خطط لها جيداً.
ولا يزال المحققون غير متأكدين من الأسباب التي دفعت بادوك لارتكاب المجزرة، ولكن التفاصيل الأخيرة من حياته تظهر أنه قام بتحويل مبلغ مادي قدره 100 ألف دولار لصديقته الفلبينية مريلو دانلي، ومقامرته بمبلغ يتراوح بين 20 ألف و30 ألف دولار في أيامه الأخيرة بلاس فيغاس.
ومن جانبه، لم يتطرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتبني تنظيم «داعش» للهجوم ولا قضية انتشار الأسلحة النارية الفردية، في تعليقه على الهجوم.
بل ركز ترامب في كلمة ألقاها من البيت الأبيض على الدعوة إلى وحدة البلاد، معبراً عن الحزن العميق أمام هذه المأساة و«الشر الخالص»، وقال إن «وحدة صفنا لا يمكن أن يدمرها الشر، وروابطنا لا يمكن أن يحلها العنف. ورغم شعورنا بغضب عارم بسبب قتل مواطنينا، فإن الحب هو ما يعرف بنا اليوم».
وخلال حديثه للصحفيين في البيت الأبيض، قال ترامب تعليقاً على هوية الفاعل، «يبدو أنه كان رجلاً مريضاً ومجنوناً ويعاني من مشاكل عدة»، مضيفاً «نحن نتعامل مع شخص مريض للغاية».
وعبر الرئيس دونالد ترامب عن تعازيه لذوي ضحايا إطلاق النار في لاس فيغاس، مشيداً بحرفية عناصر الشرطة المحلية والمسعفين.
منفذ الهجوم
هو ستيفن كريغ بادوك (64 عاماً)، وهو أميركي أبيض، متقاعد ثري ولاعب قمار محترف، لم تحُم حوله في السابق أية شبهات جنائية، فقد كان يعيش حياة هادئة ويقضي معظم وقته في هوايته المفضلة المتمثلة في لعب القمار والإدمان على حضور حفلات موسيقى الريف بلاس فيغاس، وكان لاعب قمار محترفاً ربح في إحدى الليالي 250 ألف دولار على طاولات القمار بلاس فيغاس، حسب إفادة أخيه لوسائل الإعلام.
وأفادت شرطة لاس فيغاس بأن مطلق النار خطط بدقة لفعلته وأمضى عقودا للحصول على الأسلحة في حين عاش حياة سرية.
وقالت وسائل الإعلام الأميركية إن الرجل كان يقطن منذ صيف 2016 في حي يسكنه عادة المتقاعدون، اسمه «صن سيتي» في مدينة ميسكيت، وتبعد 80 ميلاً شمال شرقي لاس فيغاس بولاية نيفادا.
وقبل ذلك سكن بادوك في مدينة رينو بولاية نيفادا ومدينة ملبورن بفلوريدا، كما عاش في مدينة هيندرسون بولاية نيفادا، وفي كاليفورنيا.
ويبدو أن بادوك أعد للهجوم بعناية، فقد وصل في 28 أيلول (سبتمبر) 2017 إلى جناح مؤلف من غرفتين حجزه في الفندق دون أن يلاحظ طواقم الفندق في أي وقت أنه أدخل أسلحة. وقام بادوك بتحطيم زجاج نافذتين ليتمكن من إطلاق النار بسهولة على الحشود في الحفل الموسيقي الذي يقام على الجانب الآخر من الشارع مستخدماً عدة أسلحة رشاشة.
وصادفت فرقة التدخل السريع «سوات»، مناظر مخيفة عند اقتحامها غرفة بادوك، في الطابق 32 من فندق «مندلاي باي» الشهير، منها رؤية كمية الأسلحة التي بلغت 23 بندقية، وجثة بادوك الذي قام بالانتحار بعد وصول السلطات.
ومن الأمور التي أذهلت فرقة المداهمة، كانت الكاميرا التي وضعها بادوك على مدخل الغرفة، مثبتة على عربة للطعام، التي استخدمها كجهاز تحذير، يرى عبرها وصول قوات الشرطة إلى باب الغرفة.
وقالت الشرطة إن الأسلحة التي تم ضبها هي من عيارات مختلفة بينها بنادق هجومية، وبعض البنادق كان يحمل جهاز تصويب، ويعتقد أنه نقلها في أكثر من عشر حقائب، حسبما أفاد قائد شرطة المدينة جوزيف لومباردو.
كما عثرت لاحقاً في منزله على ترسانة كاملة تضم 19 قطعة سلاح إضافية وآلاف الذخائر والمتفجرات، وبالإضافة إلى ذلك كان المسلح يخبئ في سيارته مادة نترات الأمونيوم، وهو سماد يمكن استخدامه لصنع متفجرات.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن أخيه نفيه وجود أي ارتباط لبادوك بأية جماعات عنصرية أو سياسية أو دينية، مؤكداً أنه كان فقط يهوى السهر وألعاب القمار، وقال إن عائلته مصدومة و«كأن نيزكا سقط علينا من السماء».
Leave a Reply