لم ولن تشهد دولة الكيان الإسرائيلي نصيراً مثل إدارة ترامب إلا في حال تسلُّم الرئاسة بعده السيء الذكر مايك بنس، نائبه الأكثر ليكوديةً من بنيامين نتنياهو. فأميركا اليوم هي علناً في خدمة العدو وتخوض المعارك نيابةً عمن يفترض أنها ربيبتها وقاعدتها المتقدِّمة في الشرق الأوسط. فمنذ اعتلاء «رئيس تلفزيون الواقع» سدة البيت الأبيض، بل حتى قبل ذلك خلال حملته الرئاسية، وهو يصوِّب نيرانه على إيران وعلى الاتفاق النووي لاعقاً كل ما قاله بحق منافسته هيلاري كلينتون والرئيس السابق أوباما عندما اتهمهما بخلق «داعش» وكذلك عندما جزم بأن روسيا والجيش السوري وحتى إيران يقاتلون الإرهابيين، بينما هو اليوم يقوم، كما تريد تل أبيب تماماً، بحماية جبهة «النصرة» –النسخة الأصلية عن إرهابيي «القاعدة»– ويقصف من خلال «تحالفه» موقعاً للجيش السوري بالتزامن مع غارات جوية صهيونية على دمشق. والأغبى من كل هذا ما جاء على لسان أحد جنرالات جيشه الذي يزور الشرق الأوسط أن الغزو التركي (المُدان) يعرقل الانتصار على «داعش».
ربما لم يتبلّغ هذا الجنرال الأميركي ومعلمه المذكَّرة التي تفيد بأن محور المقاومة في سوريا والعراق أنهى «دولة الخرافة» ولَم تتبق إلا بؤر صغيرة تتمسكن فيها جبهة «النصرة» التي هي على طريق الإنهيار مما يفسِّر الاستنفار الإسرائيلي والأميركي ويسلِّط الضوء على سر حصول الإرهابيين على أسلحة تمكنت بواسطتها من إسقاط طائرة روسية وقتل طيارها. وبالمناسبة، سلَّمت الجبهة التكفيرية جثة الطيار السوري بسرعة البرق لتركيا ليجري نقلها إلى موسكو، مما يدل بوضوح بمن تأتمر «النصرة» وبالتالي من يستمر في تمويلها ودعمها.
ترامب استلم من نتنياهو معركة الإتفاق النووي الذي لم تجاريه فيها الدول الأوروبية الموقعة على الإتفاق لحسن الحظ، وهو بذلك «شرشح» نفسه وبلده كما فعل نتنياهو عندما كان مضحكة في الأمم المتحدة. لكن لا يهم ترامب وبنس أن تصبح أميركا دولة مارقة في عهدهما المهم أن ترضى عنهما دولة الاحتلال على حساب دور أميركا ومصالحها الحيوية من خلال قرار القدس الذي لم يتجرَّأ عُتاة الصهاينة على المطالبة به.
ومن إيران إلى التحالف مع بني سعود (الذين أبدى احتقاره لهم عدة مرات) وحربهم المجنونة على اليمن حيث مندوبة ترامب السيخية المتصهينة نيكي هيلي تدعي تزويد إيران للحوثيين بصواريخ ضربت الرياض غير عابئة بالمجازر التي تفتك بأطفال اليمن في حين ادعى سيدها بأنه ضرب سوريا بالصواريخ بسبب كذبة السلاح الكيماوي الذي قتل أطفالاً سوريين (بينما هو يمنع هؤلاء اللاجئين من دخول أميركا).
لكن الأخطر من كل هذا وقوف أميركا وراء استئساد تل أبيب مؤخراً عبر تلويحها بحرب ضد لبنان تحت ذريعة أنه أصبح «مصنع صواريخ متقدّم»، من خلال القيام بأكبر مناورة عسكرية مشتركة مع الكيان، وتضييق خناق العقوبات المصرفية على قسم من اللبنانيين عبر زيارة وزير الخزانة الأميركي، وفرض أمر واقع على لبنان من خلال الزيارة المُزمعة لتليرسون إلى بيروت في ضوء إعلان العدو سرقة ثروة لبنان النفطية.
وجاءت أول التهديدات على لسان وزير حرب العدو ليبرمان وقبله رئيس أركانه أيزنكوت ثم بدأ الترويج لها عبر الإعلام حيث تنبأ ما يسمى بأحد الخبراء الاستراتيجيين بضربة عسكرية محدودة لمواقع للمقاومة في لبنان لا تستدرج الطرفين إلى حربٍ شاملة.
أولاً: لم يعد سراً لدى إسرائيل ومنذ زمن بعيد أن لبنان وحتى سوريا وما بعد بعد سوريا أصبح موقعاً متقدماً وقلعة ومصنعاً متطوراً لصواريخ المقاومة والمفاجآت العسكرية الأخرى وهذا تعرفه تل أبيب وبالتالي فهذا خبر قديم وبالتالي ليس سبباً كافياً للحرب مع لبنان.
ثانياً: بعد انتشار خبر إحتمال الحرب اضطر ليبرمان حتى لتهدئة جمهوره المتوتر بنفي نية الحرب في حين تحدثت مواقع عبرية عن قدرات المقاومة إذا وقعت الحرب والتي ستشل إسرائيل تماماً من ناحية قطع الماء والكهرباء والموانىء والمطارات عدا عن المصانع البتروكيميائية وحتى السفن ومنصات الغاز والبترول.
ثالثاً: نية العدو بالحرب دائماً موجودة لكن النية شيء والقدرة شيء آخر واللهجة التصعيدية تبدلَّت على ما يبدو بعد زيارة نتنياهو لبوتين الذي لم يضمن له الخروج سالماً من الدخول في حرب قد تهدد مصير الكيان.
رابعاً: الذي يريد شن الحرب لا يقوم ببناء جدار إسمنتي على طول الحدود مع لبنان وأي حرب إسرائيلية ولو محدودة لن تترك المقاومة فرصة الرد عليها مرتين «وحبة مسك»!
وكالعادة، بعد فشل التهويل والوعيد فشَّتْ تل أبيب «دبلتها» بسوريا والمؤسف أن العدو استخدم الأراضي اللبنانية، التي بات يخرقها كل يوم، لضرب سوريا بينما المطبِّعين مع العدو وسبيلبيرغ في مسخ الوطن هم في سبات عميق.
ولذا يبقى خطر إسرائيل داهماً بوجود بلد مضعضع مثل لبنان. ومن الجيد أن الأزمة السياسية اللبنانية قد حُلَّت ولكن تبقى مسألة جوهرية ألا وهي أن البلد الجهيض يقبل عن طيب خاطر الاعتداءات السافرة والعقوبات الأميركية على اللبنانيين ولا يبالي بطردهم من دول الخليج ولا يكترث لمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية وهؤلاء اللبنانيون هم من الجنوب والبقاع وحتى من الشمال من عكار وباقي المناطق المسيحية المحرومة.
لقد أعجبني مقال لكاتب من آل أمهز يقول فيه أن باقي شبه الوطن مازال ينظر لشعب المقاومة على أنهم عمال تنظيفات وإلا كيف يقبل بفرض الذل الأميركي والخليجي على شريحة مهمة من شعبه ولا يثور ثورة رجل واحد ليمنع هذا الاستفراد بناسه، خصوصاً وأن هذه الشريحة هي في أقوى مرحلة من تاريخها وهي التي حررت واستردت الأرض والكرامة؟ إن السبب هو الحقد العنصري الطبقي البغيض في بلد التكاذب المشترك الذي لا يريد الاعتراف بمكوناته وما بُني على خطأ لا يمكن إصلاحه حتى ولو حكمه أفضل القادة والرؤساء.
إذاً ليس ترامب وحده داعم كبير لدولة الإحتلال فلبنان عبر سيرته الأولى وحتى اليوم ساهم في إحياء إسرائيل عبر اتصالاته السرية قبل النكبة وبعدها وصولاً إلى السيء الذكر شارل مالك صديق موشى دايان المقرَّب. لكن لبنان لم يكن لوحده في الصف الخاطئ حيث يذكر التاريخ دور بني سعود وملوك الأردن ومؤخراً كشف التلفزيون الفرنسي مفاجأة من العيار الثقيل عن علاقة ملك المغرب الحسن الثاني المتينة مع «الموساد» منذ بداية الكيان حيث سرَّب له اجتماعات القمة العربية السرية التي أنعقدت في الرباط عام 1965، والتي ساهمت بهزيمة العرب في حرب الأيام الستة! تصوّروا هذا الطاغية، الذي كانوا يسمونه في المغرب أمير المؤمنين، كان رئيس لجنة القدس وخدم إسرائيل أكثر من أنور السادات.
لقد تم منذ مدة، نشر تقرير على السوشال ميديا يظهر الحرب المزيفة عام 1948 بعد استيلاء الصهاينة على فلسطين ومسرحية دخول الجيوش العربية ومعظمها بإمرة قوى الاستعمار حيث ان قائد الجيش الأردني آنذاك كان الإنكليزي غلوب باشا. هذه الخيانات والمسرحيات تجعلنا نشكر الله على زمن المقاومة الرادعة للعدو الذي كان يملك مفاتيح الحرب والسلم متى يشاء ولو لم تكن هذه المقاومة موجودة لوجب خلقها لأننا تذوقنا أخيراً طعم النصر والوعد قريب!
Leave a Reply