وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
إثر معارك عنيفة، تمكنت القوات السورية الأسبوع الماضي من السيطرة بالكامل على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب، بعد ثلاثة أشهر من انطلاق العمليات العسكرية التي توقفت نحو عام كامل بموجب اتفاق روسي–تركي–إيراني، هو نفسه بات بحاجةٍ إلى إعادة ترتيب عقب التحولات المفاجئة التي شهدها الميدان السوري خلال الأيام القليلة الماضية.
فقد تمكن الجيش السوري من استعادة خان شيخون الاستراتيجية التي خرجت عن سلطة الدولة بالكامل منذ عام ٢٠١٤، فيما وجدت تركيا نفسها عاجزة عن تغيير وقائع الميدان، في ظل إصرار دمشق على الزحف باتجاه إدلب، إحدى آخر عقد الحرب السورية المستمرة منذ العام ٢٠١١.
أما مسلحو «جبهة النصرة»، أو «هيئة تحرير الشام»، فقد انسحبوا من المدينة قبل يومين من دخول الجيش السوري بغطاء جوي روسي–سوري، قائلين إن الأمر ليس إلا «إعادة انتشار» بسبب «القصف العنيف».
وبدأت القوات السورية بالتعاون مع موسكو حملة لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب، منذ نهاية نيسان (أبريل) الماضي، بينما لا يزال مسلحو الفصائل يتمركزون في شمال غربي البلاد حيث يسيطرون على معظم أنحاء محافظة إدلب، وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية. وباشرت القوات السورية في الثامن من الشهر الحالي، التقدم البري في ريف إدلب الجنوبي، وهو ما أدى بحسب الأمم المتحدة إلى مقتل عدد كبر من المدنيين ونزوح أكثر من 400 ألف شخص.
التوغل التركي
دخول أرتال تركية إلى الأراضي السورية لإنقاذ الجماعات المسلحة المنضوية في غرفة «الفتح المبين» التي تدعمها أنقرة على اختلاف تسمياتها أسهم في زيادة اشتعال المعارك من جديد في ريف إدلب الجنوبي، فقد أقدمت طائرات حربية سورية على استهداف تلك الأرتال ومنعها من التوغل في العمق السوري. الغارات امتدت أيضاً إلى محيط معرة النعمان وكفر سجنة، وصولاً إلى خان شيخون معقل جبهة النصرة.
الخارجية السورية دانت في بيان لها، التدخل التركي المباشر الذي يستهدف سيادة الأراضي السورية ووحدتها، مع تأكيد استمرار عملية استهداف الجماعات المسلحة حتى النهاية، مشيرة إلى أنها لن تسمح بهذا التدخل مجدداً.
رد الفعل السوري هذا كان غير متوقع من الأتراك، ودفعهم إلى الاستنجاد بالروس، وعاود وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار وأهمية شمول إدلب في أي حل سياسي. لكن الحديث التركي كان قد سبقه آخر روسي، ورَدَ على لسان النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف، الذي أكد أن عمليات الجيش السوري ضد الإرهابيين في محافظة إدلب شرعية بالمطلق.
سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي بدوره، كان قد توعّد الإرهابيين برد حاسم وقاسٍ في حال اعتدائهم على العسكريين الروس الموجودين على الأرض في إدلب، لكنه أكد في الوقت عينه، أنهم يتواصلون مع نظرائهم الأتراك، وشدد على أن نقاط المراقبة التركية عليها أن تمنع المسلحين من الاعتداء على العسكريين الروس كضمانة لاستمرار التعاون معها.
المعارك العنيفة والغارات المكثفة التي شنتها الطائرات السورية والروسية، فضلاً عن قطع خطوط إمداد الجماعات المسلحة في الريف الشمالي، عوامل أفضت إلى دخول الجيش السوري بالفعل إلى مدينة خان شيخون وتراجع الجماعات المسلحة إلى المناطق الواقعة جنوب المدينة، وهي بلدات وقرى ريف حماة الشمالي، أبرزها كفرزيتا واللطامنة ومورك وقريتا لحايا ولطمين، إضافة إلى هروب آخرين شمالاً باتجاه الأراضي التركية.
أبرز بنود اتفاق سوتشي
بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن الجيش السوري كان قد اشترط لتطبيق اتفاق سوتشي وقفاً لإطلاق النار وتراجع المسلحين مسافة 20 كيلومتراً في عمق منطقة خفض التصعيد، إضافة إلى سحب السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المسلحين.
لم يلتزم المسلحون بتلك الشروط على مدى عام كامل، واستمرت الخروق بوتيرة مضطردة ومن خلفهم الضامنون لهم، وتحديداً الأتراك، الذين حملت تصريحاتهم بشأن أولوية اعتماد الحل السياسي لإدلب تناقضاً مع مجريات الوضع الميداني، حيث كانت «جبهة النصرة» وحلفاؤها يسيطرون على معظم المناطق الحيوية، وطبعاً بدعم تركي واضح منحهم القدرة على الصمود وامتصاص الضربات التي كانوا يتلقونها من الجيش السوري ومن الروس.
في أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨ تم التوصل إلى اتفاقية سوتشي، ومن أهم بنودها:
1– إنشاء منطقة خفض التصعيد بعمق يراوح بين 15 كلم و20 كلم في إدلب.
2– إخراج الجماعات الإرهابية منها قبل 15 من تشرين الأول (أكتوبر) 2018.
3– نزع الأسلحة الثقيلة من أيدي الجماعات المسلحة في منطقة خفض التصعيد.
4– تولي وحدات من الشرطة العسكرية الروسية والتركية مراقبة منطقة خفض التصعيد.
5– العمل على فتح طريق حلب– اللاذقية وحلب– حماة قبل نهاية عام 2018.
وكانت تركيا قد تعهدت بموجب الاتفاقية الآنفة الذكر بضمان انسحاب المجموعات المسلحة بما فيها «هيئة تحرير الشام».
ويذهب محللون إلى القول إن تركيا تناست التهديدات الإرهابية، المتفق عليها دولياً، والتي صُنّفت على أساسها جبهة النصرة مجموعة إرهابية. فالإرهاب بالنسبة إلى أنقرة لا يتأتّى إلا من المسلحين الأكراد.
الروس يبرّرون العملية العسكرية في إدلب باعتبار أنها من أجل تأمين قاعدة «حميميم» على الساحل السوري، ولا سيما بعد أن ثبت لديهم بأن «جبهة النصرة» تستهدفها. وهم يسعون –أي الروس– من وراء تلك العملية إلى إيجاد مناطق عازلة لتأمين مواقعهم في الساحل السوري وتحديداً في قاعدة «حميميم».
وبحسب ما نقلته وكالات الأنباء، فقد أعلنت وزارة الخارجية السورية، الخميس الماضي، عن فتح «معبر إنساني» في منطقة صوران في ريف حماة الشمالي لاستقبال المواطنين الراغبين بالخروج من مناطق سيطرة المسلحين في ريفي حماة وإدلب.
استراتيجية القضم
تحت وطأة الضغط الميداني المكثف للجيش السوري، المدعوم بغطاء سياسي وجوي روسي، ثمة فشل تركي جديد يُضاف إلى ما سبقه، «فتمادي» أنقرة في تدخلها بالشؤون السورية، وتغطيتها لتجاوزات عناصر الجماعات المسلحة وخروقاتهم المستمرة، وعدم التزامها الكامل ببنود اتفاق سوتشي، أسباب دفعت بدمشق إلى اتخاذ خطوة «الحسم النهائي» في إدلب.
ويجمع الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون على أن سقوط خان شيخون هو من دون شك الخطوة الأهم باتجاه إنهاء معركة إدلب وإخراج عناصر الجماعات المسلحة نهائياً من تلك البقعة التي تجمّعوا فيها، وهي أيضاً مقدمة للسيطرة على معرة النعمان وسراقب شمالاً والإمساك بالطرق الرئيسية نحو مدن إدلب الكبيرة، في محاكاة جديدة لاستراتيجية القضم التي اتّبعها الجيش السوري سابقاً وحقق من خلالها نجاحاً عسكرياً مهماً في حلب ودرعا وريف دمشق.
Leave a Reply