رفض المساعدات اذا ما ربطت بنزع سلاح المقاومة
بيروت –
تباينت الاراء حول زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى الولايات المتحدة الاميركية، فالبعض رأى انها لن تغيّر من موقف الإدارة الاميركية تجاه لبنان وانحيازها الى اسرائيل ورفضها لوجود المقاومة وحتى تنسيقها مع الجيش اللبناني الذي يتم فرض شروط أميركية عليه لتسليحه باسلحة خفيفة، ولا تمكنه من الدفاع عن ارضه، في حين ان البعض اعتبر الزيارة بانها تواكب الجولات التي يقوم فيها رئيس الجمهورية الى الخارج لوضع لبنان على الخارطة العربية والاقليمية والدولية، ونقل وجهة نظره الى العالم، وطلب مساعدته، وان اللقاء مع الرئيس الاميركي باراك اوباما يفيد في فتح حوار مع الإدارة الاميركية الجديدة، والطلب منها الضغط على اسرائيل لتنفيذ القرار 1701، الذي التزم به لبنان ويطبقه، في حين ان الدولة العبرية تخرقه يومياً، وقد بلغت خروقاتها للسيادة اللبنانية اكثر من سبعة الاف خرق منذ وقف الاعمال العدوانية الإسرائيلية في 14 اب 2006.
هذا التباين في الرأي حول الزيارة، بدده الرئيس سلميان عندما اعلن امام الرئيس اوباما الثوابت اللبنانية، الموجودة في الدستور وفي القسم الذي اقسمه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، وفي كل الخطابات والكلمات التي القاها خلال العام ونصف العام من وجوده في القصر الجمهوري، اضافة الى البيان الوزاري للحكومة، والى اتفاقات بين اللبنانيين هي بمثابة مواثيق وطنية، عبّر عنها اتفاقا الطائف والدوحة.
فالموقف اللبناني الرسمي عبّر عنه رئيس الجمهورية صراحة امام الرئيس اوباما، لجهة رفض اسرائيل للانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر، مما يعني بقاء ارض لبنانية تحت الاحتلال اتفق اللبنانيون على تحريرها بالوسائل المتاحة، وافسحوا المجال للدبلوماسية ولمجلس الامن تطبيق القرار 1701، لانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأرض اللبنانية، لكن لم يحصل ذلك، وهو ما دفع بالحكومة الى أن تؤكّد في بيانها الوزاري على حق لبنان جيشاً وشعباً ومقاومة في الدفاع عن أرضه.
فتذكير لبنان لأكبر دولة في العالم باستمرار الاحتلال الاسرائيلي لاجزاء من ارض لبنانية، هو رسالة الى الإدارة الاميركية بانها تكيل بمكيالين مع القرارت الدولية، فهي تطالب لبنان بتطبيق القرار 1559 الذي ينزع سلاح الميليشيات والمقصود سلاح المقاومة، ولا تتطلع الى رفض اسرائيل تطبيق أي قرار دولي فيما يتعلق بلبنان او فلسطين، حيث قال الرئيس اللبناني لنظيره الاميركي ان اسرائيل لم تطبق القرار 425 الذي صدر عام 1978 اثر اجتياح لاجزاء كبيرة من جنوب لبنان، لا بل هي غزت لبنان في العام 1982، ووصلت الى العاصمة بيروت وحاولت ان تفرض عليه اتفاقاً، ولم تخرج اسرائيل من لبنان عام 2000، الا بالمقاومة التي فرض نشوئها هو الاحتلال وهو ما دعا اكثرية اللبنانيين الى تأييدها واعتمادها كوسيلة للتحرير وردع العدوان، فعندما تتحرر كل الاراضي اللبنانية، يتفق اللبنانيون فيما بينهم على استراتيجية دفاعية للدفاع عن ارضهم، وعماد هذه الاستراتيجية هو الجيش اللبناني، الذي كرر الرئيس سليمان للرئيس اوباما، ان طلب مساعدة تسليح الجيش هو لتمكينه من ان يكون القوة الاساسية والرئيسية في الدفاع عن لبنان بمواجهة العدو الاسرائيلي. وهذا امر طبيعي وشأن سيادي ومهمة كل الجيوش في العالم، ولا يمكن للسلاح الذي نطلبه يقول رئيس الجمهورية الا للدفاع، وان الجيش بحاجة لاسلحة دفاعية وهي من اختصاص قيادة الجيش في طلب ما تحتاج.
واعاد سليمان التذكير بان تسليح الجيش لمحاربة الارهاب الذي خاض معركة ضده في مخيم نهر البارد، وفي اكثر من منطقة لبنانية، ولم تقدم له اميركا الاسلحة المناسبة، وهو في هذه الحرب انما يواكب الحرب على الارهاب التي اتفقت الدول على القضاء عليه.
والعنوان الابرز الذي حضر في المحادثات، كان رفض توطين النازحين الفلسطينيين، الذي اكد سليمان، انه من صلب الدستور الذي هو نتاج وثيقة الوفاق الوطني التي وقعت في الطائف، ولا يمكن للبنانيين ان يتنازلوا عنها، لانها تفجر حرباً جديدة فيما بينهم، كما ان الفلسطينيين لا يقبلون التوطين ويصرون على حق العودة، الذي اكدت عليه المبادرة العربية للسلام، التي اقرتها قمة بيروت العربية عام 2002، واعادت التأكيد عليها قمة الدوحة في العام 2009، ما يعني ان رفض التوطين هو مطلب لبناني فلسطيني وعربي، الذي يستند الى قرار دولي رقمه 194 الذي ينص على حق العودة، وصدر في العام 1948.
وتمسك الرئيس سليمان برفض التوطين وتاكيده عدم حصول اية صفقة دولية على حساب لبنان، دفعت الرئيس اوباما الى تطمينه، لكن من منطلق البحث في حل للصراع العربي – الاسرائيلي، لم يلمس الرئيس اللبناني تقدماً فيه، بل تعثراً، اذ لم يبلغه الرئيس الاميركي أي جديد حول التسوية السلمية لاسيما على المسار الفلسطيني- الاسرائيلي، سوى ما سبق واكده عن انه يعمل لتسوية حول وجود دولتين فلسطينية واسرائيلية(يهودية).
لم يخرج الرئيس سليمان من البيت الابيض بوعود وردية، بل رمادية، اذ صدمه كلام الرئيس اوباما عن استمرار تدفق السلاح الى “حزب الله” دون ان يذّكره رئيس الجمهورية بالمناورات الاميركية-الإسرائيلية الاخيرة، ولا بالمساعدات العسكرية السنوية لاسرائيل، ولا بالجسر الجوي الذي فتحته الولايات المتحدة امام الجيش الاسرائيلي في اثناء العدوان صيف 2006 على لبنان، وهذه نقاط يقول معارضون او متحفظون على الزيارة بانه كان على رئيس الجمهورية ان يستغل لقاءه لفضح الموقف الاميركي المنحاز لاسرائيل، وكرد على اوباما الذي اكد ان السلاح المتدفق الى المقاومة يضر بامن اسرائيل، وقد اكتفى سليمان بان اكد على ان موضوع سلاح المقاومة متروك للحوار الداخلي، حيث ذكرت المعلومات ان الرئيس الاميركي تفهم كلام ضيفه والوضع اللبناني الداخلي، ولكنه شدد على عدم استخدامه ضد اسرائيل، وعلى ان يتم تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، ومنها القرار 1559 الذي كان رئيس الجمهورية يريد ان يتم التوافق مع الرئيس الاميركي على عدم التداول به، لانه سبب المآسي والازمات والحروب التي حلت بلبنان منذ صدوره في ايلول 2004.
واستطاع الرئيس اللبناني ان يوصل ما عنده من افكار هي ثوابت لبنانية، لخصها وهي:
1- تطبيق القرار 1701 بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر.
2- رفض توطين الفلسطينيين وتأمين حق عودتهم الى ديارهم.
3- مساعدة الجيش اللبناني ليقوى للدفاع عن ارضه بمواجهة العدو الاسرائيلي ومحاربة الارهاب.
4- سلاح المقاومة شأن لبناني داخلي مطروح على طاولة الحوارضمن استراتيجية دفاعية
5- مساعدة لبنان اقتصادياً لتامين فرص عمل لابنائه، كي لا يهاجروا او يتحولوا الى العنف مما يؤدي الى زعزعة الاستقرار.
6- الوقوف الى جانب لبنان سياسياً كي لا تكون الحلول على حسابه.
هذه البنود حصل الرئيس سليمان على وعد من الرئيس اوباما، بان تكون بلاده شريكاً فعلياً في مسار تعزيز قدرة لبنان وقدرة الجيش اللبناني، دون ان يذكر بأي اتجاه سيستفيد لبنان من هذه القدرات، التي تخشى اسرائيل اذا ما تسلح الجيش اللبناني ان يقع السلاح بيد “حزب الله” وهذا الرأي له من يسانده داخل الإدارة الاميركية التي لا ترى ضرورة تزويده بالسلاح الثقيل، وهذا ما يحصل، اذ ان السلاح الذي وصل من قيمة المساعدة الاميركية وهي بحدود 425 مليون دولار اميركي، كانت سيارات نقل والبسة عسكرية واعتدة وذخائر وبعض الاليات العسكرية من نوع ناقلات جند “أم-113” و”هامر”.
اما الدعم الاقتصادي، فلبنان لم يتلق اية مساعدات أميركية تذكر منذ ان عقد مؤتمر اصدقاء لبنان في واشنطن، في حكومة الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس الياس الهراوي عام 1997، ولم يتم تنفيذ أي بند من بنوده، وقد تم ربط المساعدات بوقف المقاومة، وهي الشروط نفسها التي ما زالت تتكرر مع كل العهود الرئاسية والادارات الاميركية، التي تضع امن اسرائيل ومصلحتها ووجودها فوق كل اعتبار، وان لبنان لن يتمكن من تحصيل مساعدات تذكر من اميركا، وهذا هو الحذر الذي رافق زيارة سليمان من الذين تحفظوا عليها، ان تضغط عليه واشنطن لتلبية مطالبه السياسية والعسكرية والاقتصادية بالخضوع لشروطها.
لكن رئيس الجمهورية كان واضحاً وشفافاً، وهو لم يفرّط بالثوابت الوطنية التي تقوم على تشريع المقاومة ودعمها التي احتضنها ونسق معها عندما كان قائداً للجيش،او بالقفز فوق العلاقة المميزة والاخوية مع سوريا، وهو الذي يدرك ان من سبقه في موقعه، وانحاز الى الشروط والمطالب والمشاريع الاميركية لم يصمد وتضعضعت سلطته، ولم يتمكن من ان يحكم، وان تجربة الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه السياسي من قوى “14 اذار” في السلطة ماثلة امامه، وهي تؤكد ان الرهان على المشروع الاميركي قد سقط، واتعظ النائب وليد جنبلاط منه، وعاد الى موقعه الوطني والقومي، وهذا الواقع السياسي هو الذي يعطي لرئيس الجمهورية الغطاء بان لا يخرج عن الموقع الذي هو فيه منذ سنوات، والذي فتح الطريق له الى رئاسة الجمهورية، من خلال علاقاته الجيدة مع سوريا والمقاومة، والتي لا يمكنه التنكر لها، اذ بذلك يفقد صدقيته، وهو خبر ان من استند الى الدعم الاميركي لم يصمد في حكمه، منذ عهد الرئيس كميل شمعون، في الخمسينات من القرن الماضي، ومروراً بعهد امين الجميل وصولاً الى حكومة الرئيس السنيورة، لذلك هو لا يخطئ في التقدير والتحليل وقراءة التحولات، وهو لم يتحول في عز الازمة التي عصفت بلبنان منذ العام 2004، عن الثوابت، وحافظ على الجيش ووحدته ولم يزجه في الصراعات الداخلية، مما عزز الثقة به كقائد للجيش ومن ثم كرئيس للجمهورية.
فالزيارة الاميركية، وهي الثانية للرئيس سليمان الى واشنطن، والاولى التي يلتقي فيها الرئيس اوباما، بعد ان ودّع الرئيس السابق جورج بوش، الذي انهزم مشروعه في لبنان، وقد حققت الزيارة بعداً معنوياً، بان رئيس الجمهورية ينقل صوت لبنان الى العالم ويؤكد على الثوابت الوطنية، ويطلب المساعدة حيث يراها ضرورية.
فرئيس الجمهورية ذهب لبنانياً وعاد لبنانياً، ولا يمكن ان يعود اميركياً بالمعنى السياسي، لانه مع القول الشائع “من جرّب المجرّب كان عقله مخرب” فهل يجرّب اميركا من جديد، وهي التي خرّبت لبنان، وكادت ان توقعه في حرب اهلية في السنوات الاربع الاخيرة، وهي التي شجعت عليها في العام 1958 و1975 و1982 و2004..
Leave a Reply