لأن عملية واحدة فـي فلسطين لم تشبع نضاله ضد العدو الاسرائيلي
لن يعمل فـي السياسة او يكون من لائحة المقاومين القدامى
منذ ان وصل العميد المحرّر من سجون العدو الاسرائيلي سمير القنطار مع رفاقه الاسرى المحررين الى ارض ملعب الراية في الضاحية الجنوبية من بيروت، واعتلى المنبر لإلقاء كلمة الاسرى في مهرجان تحريرهم، اكد انه عائد الى فلسطين، لملاقاة الصهاينة من جديد في معركة استعادة الارض المغتصبة.
وكانت هذه العبارة كافية، للتعرف على اقدم اسير في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وما يفكر للمستقبل، واختصر كل الكلام الذي نسج حوله في الاعلام وخارجه، من انه سيعمل في السياسة، وسيترشح للإنتخابات النيابية، والموسم القادم هو لها، على غرار ما فعل اسير محرر آخر هو انور ياسين الذي ترشح للإنتخابات النيابية في الجنوب عام 2005، فأنهى بذلك نضال 17 عاماً في الاسر واعمال المقاومة، وانتهى الى مندوب لإحدى المحطات التلفزيونية.
لن يسلك القنطار هذا الطريق، فهو لم يدخل معترك العمل المقاوم وكان في ربيعه السادس عشر، ويذهب الى مستوطنة نهاريا في عملية فدائية ويجرح فيها ويسجن 29 عاماً، ليقدم نفسه مرشحاً لإنتخابات نيابية، او لعمل سياسي تقليدي، على الطريقة اللبنانية، أو أن ينتمي الى احد الاحزاب السياسية وكلها طائفية وتابعة لزعماء الاقطاع، بل هو يؤكد انه يتطلع الى استمرار المقاومة التي لا تنتهي في لبنان عند حدود شبعا، بل ابعد منها الى داخل فلسطين، اي وفق النموذج المقاوم للعملية التي قام مع رفاقه من «جبهة التحرير الفلسطينية» في نيسان 1979، عندما انطلق بهم زورق مطاطي الى مستعمرة نهاريا لتنفيذ عملية اسر اسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين ولبنانيين وعرب.
هذا الاسلوب المقاوم هو ما يؤمن به الاسير العتيق في سجون الكيان الغاصب، وينطلق من نظرة موضوعية الى مفهوم الصراع مع العدو الاسرائيلي على انه صراع قومي وليس كياني او قطري فقط، لان المشروع الصهيوني لا يقتصر على اغتصاب فلسطين، بل يمتد الى خارجها، لأنه مشروع ديني توراتي، على اساس حلم «اسرائيل الكبرى» من الفرات الى النيل، وقد زاد تعمقه ومعرفته في خطورة هذا المشروع من خلال متابعاته وقراءاته عنه داخل سجنه لما يتضمنه من ابتلاع للأرض وتهويدها، وطرد الشعب من كل ارض يجري احتلالها، واستقدام المستوطنين اليهود ليقيموا مكان السكان الاصليين في فلسطين.
بهذا الوعي لخطورة المخطط الصهيوني، يقوم القنطار في حملة تعبئة بعد تحريره، كما كان في اثناء اسره من خلال مضمون الرسائل التي كانت تتسرب من سجنه وتصب في هذا الاتجاه، وكشف من خلال مواقفه عن ان موقعه هو في المقاومة لا اكثر ولا اقل، ولن يكون خارجها، ويتحضر لدور فيها، بالرغم من عقود السجن الثلاثة، لانه لا يعتبر نفسه اصبح متقاعداً او من من المقاومين القدامى، فهو لا تكفيه عملية واحدة قام بها ضد العدو الاسرائيلي في نهاريا، فهو كما خرج من السجن في الاردن بعد عملية في بيسان وعاد للنضال فهو سيمارس الدور نفسه كما يقول القنطار في مجالسه، او كما يعلن انه متشوق لمقاتلة العدو الغاصب، الذي ارسل قادته وبعد اقل من 42 ساعة على خروجه من الاسر، رسائل تهديد بإغتياله، واصبح هدفاً للعدو الاسرائيلي الذي اعتبر اطلاق سراح القنطار اذلالاً للدولة العبرية، ولا بدّ من تصفيته، كي يموت هذا الرمز المقاوم، الذي بخروجه من السجن في عملية «الوعد الصادق» التي نفذها «حزب الله»، انما شكل صفعة لإسرائيل التي لم تتمكن من استرجاع جندييها الاسيرين الا بشروط المقاومة التي سجلت انتصارا عليها، وهذا ما خلق ارباكاً في صفوف قادة العدو الذين انقسموا فيما بينهم حول الجدوى من عملية تبادل الاسرى.
فالقنطار وبخروجه من السجن افقد العدو صوابه، وبدأ يفكر كيف يقضي عليه لا سيما عندما سمعه يعلن انه سيعود الى فلسطين، وهذا ما دفع بقيادة المقاومة، الى تشديد اجراءات الحراسة على سمير، وهي لم يسبق وان فعلتها مع اسرى محررين آخرين، لان ثمن اطلاق سراحه كان كبيراً، ولن تتركه لقمة سائغة وصيداً سهلاً للعدو فيجند عملاءه لقتله، كما في استهدافه لاغتيال الاخوين مجذوب في صيدا، وجهاد احمد جبريل في بيروت وناصر العوالي وديب صالح في الضاحية الجنوبية، وقد تم اكتشاف شبكات تتعامل مع العدو الاسرائيلي كانت وراء هذه العمليات ومنها شبكة محمود رافع الذي اعترف بتنفيذ تفجير سيارتي كل من جبريل والاخوين مجذوب.
فالحماية الامنية للقنطار اصبحت من حياته اليومية، لأنه مؤهل للعب دور في المقاومة، التي لا يرى انها يجب ان تتوقف، او تدخل من ضمن استراتيجية دفاعية فيأكل الصدأ سلاحها، وهذا ما يخطط له اميركياً واسرائيلياً، مع حلفاء لهما في لبنان، وهو ما ادركه القنطار منذ الايام الاولى لتحريره من الاسر، ووجه من خلال الكلمات التي القاها في مناسبات الاحتفال بعودته، رسائل واضحة، وكان اكثرها تعبيراً ما قاله في عبيه وامام النائب وليد جنبلاط، بأن سلاح المقاومة والتحرير لا يقف عند شبعا بل ابعد منها، وحذر من مد اليد على سلاح المقاومة، وقال بوجوب قطعها من قبل الحزب التقدمي الاشتراكي قبل غيره لان كمال جنبلاط اوصى بالحفاظ على المقاومة وسلاحها، وقد احرج كلامه نجل مؤسس الحزب الاشتراكي الذي يعتبره القنطار انه انحرف عن مسيرة ونهج والده، عندما كان يتحدث عن سلاح المقاومة انه سلاح غدر، و شن حملة على شبكة اتصالات المقاومة، ولم يتورع عن القول انه سيأخذ الصواريخ من المقاومة، ولا عندما كا ن مع حلفائه في قوى 14 شباط يباركون العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 على لبنان ومقاومته.
فلم يهادن القنطار او يتهاون او يساوم على مبادئه وقناعاته، فهو قرر ومنذ اللحظة الاولى لوصوله الى لبنان، ان يعلن عن انه ثابت في انتمائه الى المقاومة، ويكشف عن تفكيره السياسي الذي لا يلتقي مع اصحاب المشاريع التآمرية على المقاومة، بحيث شكلت مواقفه استنهاضاً للغة الوطنية والقومية وايقاظاً للعداء لإسرائيل وترسيخاً لثقافة المقاومة، بعد ان كان ينعت كل من يتحدث بهذا المفهوم ويفكر هذا التفكير، بأنه يتكلم بـ«لغة خشبية» لتعميم ثقافة الاستسلام والخنوع وان «العين لا تقاوم المخرز»، وان اسرائيل الاقوى وهي الابقى ولا بدّ من الاعتراف بوجودها، وانكار وجود الشعب الفلسطيني وحقه بالعودة، بل القبول بالتوطين وعدم عودة القدس، ولا كامل الاراضي المحتلة.
وهكذا فتحت عودة القنطار كما غيره من الاسرى وجثامين شهداء من جنسيات عربية مختلفة، الباب على مصراعيه، للتأكيد ان القضية المركزية للعرب هي فلسطين التي يجب ان لا تنسى وان لا تبقى فقط في الذاكرة، بل العمل والنضال والكفاح بالسلاح والكلمة وكل شيئ ممكن لإستردادها، ومن دون هذا الهدف فان اسرائيل ستحقق مشروعها التوراتي التوسعي، وتبقى المجزرة الصهيونية قائمة بحق الفلسطينيين كما اللبنانيين والسوريين.
فالقواعد التي ارساها القنطار للصراع والتي هي قومية بإمتياز، اي ان فلسطين قضية قومية، ولذلك هو انتسب الى فصيل فلسطيني، ادراكاً منه ان الصراع قومي ووجودي مع اسرائيل، وهذا ما قاله في اكثر من اطلالة سياسية واعلامية، في اشارة واضحة منه، انه دون تحرير فلسطين، لا استقرار في المنطقة.
وقد يكون القنطار في اعلانه هذه التوجهات لا يتطابق مع ما تطرحه «المقاومة الاسلامية» في لبنان، التي تحصر نضالها في تحرير الارض اللبنانية، ولكنها تتفق معه في التفكير الاستراتيجي حول الخطر الصهيوني الدائم والقائم والمستمر، وهي بهذا المعنى تقبل بعد نجاح استراتيجية التحرير الانتقال للبحث في استراتيجية دفاعية، تشكل المقاومة احد اعمدتها، وهو ما ترك الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، يدعو الى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، وليس عن المقاومة وسلاحها، لان هذا امر مسلّم به، بعد نجاح المقاومة واستراتيجيتها في تحرير الارض والاسرى، واعترف لها بهذا الدور خصومها قبل حلفائها، ومن كان يطالبها تسليم سلاحها ووضع قرار الحرب والسلم بيد الحكومة.
فـ«حزب الله» قد لا يذهب مع القنطار في ان سلاح المقاومة ابعد من شبعا ومزارعها، لكنه بالتأكيد لن يكون مكتوف الايدي اذا ما استمر ذبح الشعب الفلسطيني او انتهكت المقدسات او تم وضع مشاريع توطين للفلسطينيين ورفض حق عودتهم، فهذه مسائل يقر بها «حزب الله» كحقوق للشعب الفلسطيني يسانده للحصول عليها، لكن كيف وبأية وسيلة، فهذه امور لا يفصح عنها قادة الحزب ولا يبوحون بها، بالرغم من ان اسرائيل تتهم المقاومة في لبنان انها تساعد المقاومة في فلسطين سواء بالمال او السلاح او التدريب، ووجه قادة العدو اكثر من اتهام بهذا الخصوص لـ«حزب الله» ومنها انه ارسل باخرة سلاح قبل سنوات لدعم الانتفاضة الفلسطينية.
فالمقاومة في لبنان كما في فلسطين وحتى في العراق، هي في الاتجاه الواحد ضد الاحتلال، وهي بهذا المعنى واحدة وان تعددت اساليبها، وبالتأكيد هي على تنسيق وتعاون سياسي واعلامي، وبذلك لا يخطئ سمير القنطار ابداً في اعتبار ان المعركة مع اسرائيل لها بعد قومي بحلفاء على المستوى الاقليمي والدولي، كما يحصل مع كل حركات المقاومة والتحرير في العالم التي لها حلفاء طبيعيون.
فالدور الذي رسمه لنفسه القنطار بعد تحريره، هو الطريق نفسه الذي سلكه الى فلسطين عبر البندقية والعمليات الفدائية، ولم تسقط هذه النظرية، واثبتت صحتها في لبنان وفي داخل فلسطين، لجهة اعتماد نهج الكفاح المسلح، وليس اسلوب التفاوض الدبلوماسي الذي لم يسترجع ارض عربية محتلة، فلا القرار 242 اعاد الضفة الغربية وغزة والجولان، ولا القرار 425 حرر الجنوب، ولا القرار 194 الذي مضى على صدوره 60 عاماً، مكّن الفلسطينيين من العودة الى ارضهم، وحدها المقاومة كما يقول القنطار ومثله المؤمنون بها، هي اقصر الطرق لاسترداد كل ارض محتلة سواء في مزارع شبعا او الجولان او فلسطين.
Leave a Reply