عماد مرمل – «صدى الوطن»
من مقره المحصن، الواقع على احد التلال المرتفعة بمنطقة كسروان فـي جبل لبنان، يخوض رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع معاركه السياسية، انطلاقا من خيارات متصلبة قادته حتى الآن الى التغريد خارج سرب الحكومة وطاولة الحوار.
ويتهم جعجع فـي حوار مع «صدى الوطن» إيران بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، مشيراً الى ان طهران طرحت على جهات غربية معادلة أو مقايضة واضحة قوامها: «ساعدونا فـي تثبيت الرئيس بشار الأسد فـي سوريا حتى نسهل الاستحقاق الرئاسي فـي لبنان وانتخاب رئيس توافقي».
ويعتبر أن إيران تستخدم الملف الرئاسي اللبناني كورقة ضمن الصراع الكبير على مستوى المنطقة، آملا فـي ان يقتنع الايرانيون سريعاً بأن أحداً لن يقايض بقاء الاسد بالانتخابات الرئاسية.
ويؤكد جعجع أن السعودية ليست هي التي تمنع إنتخاب رئيس الجمهورية، مشدداً على أنها لا تضع «فـيتو» على أي مرشح، «بل لديها رأي»، وإذا كان اصدقاؤها يرفضون دعم العماد ميشال عون فلا يعني ذلك انهم يعطلون الانتخابات الرئاسية، إذ انهم يشاركون فـي الجلسات الانتخابية خلافا للفريق الآخر الذي يقاطعها.
ويعتبر جعجع أن بمقدور حلفاء الجنرال، إذا أرادوا، ان يقنعوه بالانسحاب من المعركة الرئاسية لتسهيل انتخاب رئيس توافقي، لافتا الانتباه الى ان هذا السيناريو نُفذ عام 2008 حين انسحب الجنرال وأفسح المجال أمام انتخاب الرئيس التوافقي ميشال سليمان، بعدما رأى حلفاؤه أن هناك مصلحة فـي ذلك، الأمر الذي يمكن أن يتكرر حالياً. وأضاف: «عون جدي فـي ترشيحه، لكن علينا ان نعرف الى أي مدى جدّية حلفائه».
ويتابع: «أنا أتخيل منذ الآن كيف أن «حزب الله» يمكن أن يأتي الى عون ويقول له، متى تقتضي المصلحة: «لقد وقفنا الى جانبك ودعمناك بأقصى طاقتنا طيلة الفترة الماضية، لكن لا يبدو أن هناك فرصة أمامك، ولذلك يجب أن نبحث عن مرشح توافقي..»، عندها لا أعتقد ان عون يستطيع ان يستمر وحده فـي المعركة الرئاسية، من دون ان يتقصد خدمة المنطق الايراني».
ويشدد جعجع على أنه ما يزال مرشحاً الى رئاسة الجمهورية، مبدياً استعداده فـي الوقت ذاته للبحث فـي أي طرح توافقي، لافتاً الانتباه الى ان توقيع إعلان النيات مع «التيار الوطني الحر» لا يلزمه بانتخاب عون رئيساً، «لأن التموضع السياسي لكل منا يختلف جذرياً عن الآخر».
ويشير رئيس «القوات» الى أنه لا يخوض معركة الحقوق المسيحية الآن، كما يفعل عون، لأن الأولوية لديه هي لإنقاذ الوضع الوطني العام، متسائلاً: «ما النفع إذا انتزعنا مساحة أكبر فـي القارب، ثم غرق»؟
ويشير الى أن الحكومة تتصرف وكأنها ليست حاكمة، مشدداً على أن المطلوب المباشرة فـي تنفـيذ خطة الوزير أكرم شهيب بعدما أشبعت درساً وتشاوراً، وليس مهما من يعارض هذا المطمر أو ذاك، لانه لا يمكن ربط تنفـيذ كل قرار بموافقة جميع الناس، لكنه شدد فـي الوقت ذاته على أن الحكومة يجب ان تبقى بعدما أصبحت ضرورة دستورية، حتى ولو لم تفعل شيئاً.
ويتمسك جعجع بإدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي يجري التحضير لها تحت شعار تشريع الضرورة، داعياً الى التصويت على كل المشاريع الانتخابية المطروحة، والمشروع الذي ينال الاكثرية يمر.
ويرى أن إيران انزلقت الى ورطة كبرى فـي الساحة السورية، حيث تقاتل باللحم الحي، معرباً عن اعتقاده بانه سيكون لدى الروس استعداد للمقايضة على بشار الأسد عندما يشعرون انهم سيحصلون على مكاسب كبرى، مشيراً الى أن موسكو باتت مستعجلة على الحل فـي سوريا لأن إصبعها أصبح فـي النار.
ويبدي جعجع ثقته فـي أن الاسد سيرحل عن الحكم فـي نهاية المطاف، وأنا جاهز للرهان على ذلك، مضيفاً: «من دون حسابات، أجزم بانه من رابع المستحيلات أن يبقى الأسد فـي السلطة»..
وبرغم انتقاداته للسياسات الايرانية، إلا ان جعجع يلفت الانتباه الى ان شخصية ايرانية موالية للنظام شاركت مؤخراً فـي ندوة سياسية نظمتها القوات اللبنانية فـي مقرها، معرباً عن اعتقاده بان موافقة هذه الشخصية على المشاركة فـي الندوة تحمل إشارة انفتاح إيرانية على «القوات».
ويلفت جعجع الانتباه الى انه ليست هناك من مصلحة للشيعة أو للبنان فـي إعادة فتح ملفات التاريخ المؤلمة، فـي حين يجب ترويض هذا التاريخ، متسائلاً: «أين تتحقق المصلحة الوطنية العليا فـي مهاجمة المملكة العربية السعودية التي قدمت الكثير من المساعدات الى لبنان، أما ماذا تفعل المملكة فـي سوريا والعراق واليمن فإن الدولة اللبنانية هي وحدها المعنية باتخاذ الموقف المناسب».
وفـي حين يلاحظ جعجع أن «حزب الله» يكاد يكون الطرف الداخلي الوحيد الذي لا توجد عداوة أو رواسب بيننا وبينه،
يلفت الانتباه الى ان مشروعنا السياسي يتناقض تماما مع مشروعه، معتبراً أن «حزب الله» بات عالقاً فـي مأزق استراتيجي، بعد تدخله العسكري فـي سوريا، حيث لا يستطيع أن يتقدم ولا أن يتراجع.
ويدعو جعجع «حزب الله» الى مراجعة سياساته حيال تيار المستقبل وتخفـيف حدة الصراع الداخلي معه، وصولا الى تعزيز الاعتدال السني فـي لبنان والمنطقة، لافتا الانتباه الى ان المعتدل السني هو وحده القادر على التصدي لـ«داعش» وإحراجه، وليس اي مكوّن طائفـي أو مذهبي آخر.
ويعتبر جعجع أن «داعش» يشكل خطراً على المعتدلين فـي الطائفة السنية قبل الشيعة والمسيحيين، وبالتالي فمن الخطأ إعطاء طابع مذهبي للمواجهة معه، لأن مثل هذا المنحى يؤدي الى تقوية التطرف، وليس إضعافه.
ويلفت الانتباه الى اهمية التغطية السنية التي أمّنها «تيار المستقبل» للمعركة ضد الارهاب فـي الداخل اللبناني، مؤكداً أنه لولا هذه التغطية لكان من الصعب تحقيق انجازات على مستوى مكافحة محاصرة ظواهر التطرف فـي البيئة السنية.
ويشدد جعجع على أن «حزب الله» مطالب بإعادة دراسة خياراته الداخلية، وفق ترتيب جديد للاولويات، لافتاً الانتباه الى انه إذا كان الخطر الذي يهدد الجميع هو خطر وجودي واستراتيجي، فإن المطلوب أن يرتقي سلوك الحزب الى هذا المستوى، مع ما يتطلبه ذلك من تصويب للخطاب السياسي.
ويعتبر أن الخطاب المستخدم من «حزب الله»، يستفز أكثرية السنّة اللبنانيين والعرب، ويدفع حتى المعتدلين فـي صفوفهم نحو سلوك طريق التطرف والتعصب، متسائلا عن المصلحة فـي ذلك، بينما المطلوب تقوية هؤلاء المعتدلين.
ويشير جعجع الى ان بعض الادبيات والشعارات التي استخدمها الحزب فـي عاشوراء على سبيل المثال، لم تكن فـي محلها، لانها استفزت مشاعر شريحة واسعة من أبناء الطائفة السنية، لافتا الانتباه الى انه إذا كان الحزب يحتاج الى تعبئة قواعده، فليس ضرورياً أن تتم التعبئة بشكل يقود الى إخراج مارد التعصب المذهبي من قمقمه.
Leave a Reply