لانسنغ، فلنت - تتزايد مظاهر الغضب فـي مدينة فلنت الاميركية الواقعة فـي منطقة البحيرات العظمى التي يستهلك سكانها منذ أشهر طويلة مياهاً ملوثة بمادة الرصاص، وقد تتسبب هذه الفضيحة بعواقب كارثية على صحة آلاف الاطفال، فـيما تواصل حكومة الولاية بالتعاون مع الحكومة الفدرالية محاولة إغاثة سكان المدينة المنكوبة.
عناصر من الحرس الوطني يوزعون مصافي المياه على سكان فلنت. (نيويورك تايمز |
واتخذت القضية منحى وطنياً فـي الأسابيع الماضية، حيث قال الرئيس باراك اوباما انه كان «ليشعر بغضب شديد» لو كان بين الأهالي الذين طمأنتهم البيانات الرسمية، والذين شربوا وأعطوا عائلاتهم كميات من السم بجرعات صغيرة عبر المياه.
ومنذ إقفال مصانع «جنرال موتورز»، حلت نكبة بفلنت التي كانت مركزاً صناعياً فـي السابق شمال ديترويت. فقد خسرت نصف سكانها، ويواجه ثلث سكانها المقيمين الذين يبلغ عددهم قرابة 100 ألف فقراً شديداً.
وبات الحاكم الجمهوري لولاية ميشيغن فـي قفص الاتهام. فقد أرغم ريك سنايدر تحت الضغوط على ان يكشف 273 صفحة من البريد الالكتروني التي تكشف عن تقاعس حكومته فـي معالجة الأزمة، إلا أن الدعوات لاستقالته خفتت فـي الأسبوع الماضي.
سنايدر يتحرك
وأعلن سنايد يوم الأربعاء الماضي عن تشكيل لجنة طوارىء مؤلفة من خبراء وأعضاء فـي حكومته لوضخ خطة طويلة الأمد لحل مشكلة المياه الملوثة فـي فلنت. وستكون مهمة اللجنة التي تضم ١٧ عضواً تقديم توصيات لمساعدة المتضررين من سكان المدينة كما اقترح سنايدر توسيع برنامج «ميديكيد» المخصص للرعاية الطبية للفقراء ليشمل جميع أطفال فلنت.
وكان سنايدر قدم اعتذارا ووعد سكان فلنت الذين لم تتأمن لهم بعد مياه الشرب، بـ«إصلاح المشكلة».
لكن كثيرين منهم طالبوا باستقالته، وأبرزهم أشهر أبناء فلنت، المخرج السينمائي مايكل مور الذي طالب باعتقال الحاكم، كما طالب أوباما بزيارة المدينة لكن الأخير لم يستجب لطلبه.
وفـي إطار جهوده الحثيثة لاحتواء الأزمة، وقع سنايدر الخميس الماضي قانوناً يسمح بتوفـير 28 مليون دولار من خزينة الولاية لإغاثة مدينة فلنت مباشرة، وذلك بعد إقراره فـي مجلسي النواب والشيوخ فـي لانسنغ.
وقال سنايدر فـي بيان بالمناسبة «أريد لسكان فلنت أن يعرفوا أن هذا الدعم ليس سوى جزء من الحل لتعافـي المدينة»، وأضاف «الاحتياجات الملحة سوف تلبى، وكذلك الاحتياجات طويلة الأمد المتعلقة بالصحة العامة وتجديد البنية التحتية ودعم المجتمع المحلي». وسوف يستخدم مبلغ 28 مليون دولار لتوفـير عبوات المياه الصالحة للشرب، ومعدات فحص جودة المياه لسكان فلنت، وكذلك سيتم توظيف تسعة ممرضين فـي مدارس المدينة لمراقبة صحة وسلامة الأطفال.
كما سينفق المزيد من المال على برنامج «الويك» لتحسين غذاء الأطفال وجودة الوجبات المدرسية، الى جانب إجراء إصلاحات فـي المدارس والحضانات ودور الرعاية بأنحاء المدينة.
وتتضمن الحزمة أيضاً مساعدة سكان فلنت على دفع فواتير المياه المتأخرة، ومعالجة جميع الأطفال الذين يعانون من تسمم الرصاص مجاناً.
شعبيته تتراجع
وما يزيد الأمور تعقيداً فـي هذه المأساة أنها لم تنجم عن حادث، بل عن تدبير اقتصادي. وزاد من حدة الفضيحة موقف المسؤولين الذين انكروا فترة طويلة وجود مشكلة.
وأدت الأزمة الي تراجع شعبية الحاكم حيث أبدى ٥٨ بالمئة من المشاركين فـي استطلاع أجراه مركز «أبيك أم أر أي» تقييماً سلبياً للأداء العام للحاكم الجمهوري مقابل ٣٩ بالمئة.
وبشأن أزمة فلنت قال ٦٩ بالمئة من المستطلعين إنهم ينظرون بسلبية لطريقة تعامل سنايدر مع الموضوع مقابل ٢١ بالمئة قيّموا عمله إيجابياً. إلا أن أغلبية المستطلعين (٦١ بالمئة) قالوا إنهم لا يؤيدون طلب استقالة سنايدر من منصبه، مقابل ٢٩ دعوه الى التنحي بسبب كارثة فلنت.
وستعقد لجنة فرعية فـي الكونغرس الأميركي جلسة استماع فـي الثالث من شباط (فبراير) المقبل لمسؤولين فدراليين للاطلاع على حيثيات الكارثة التي لا تزال آثارها الصحية غير محصورة.
ويعمل مشرعون ديمقراطيون عن ميشيغن على طرح مشروع قانون أمام الكونغرس الأميركي يلزم الحكومة الفدرالية بالتدخل فـي حال بلوغ مستويات تلوث المياه حدوداً خطيرة، حتى لو لم تتحرك الحكومات المحلية لمعالجة الموضوع.
خلفـية الأزمة
الأزمة تعود الى نيسان (أبريل) 2014، حين لم تعد فلنت تتلقى مياهها من ديترويت، وباتت تحصل عليها من النهر المحلي المشكوك بجودة مياهه، وذلك بقرار من مدير الطوارىء وموافقة مسؤولي البلدية بهدف توفـير المال على خزينة المدينة.
وسرعان ما اشتكى سكان فلنت من مذاق المياه ورائحتها واللون البني للمياه التي تخرج من صنابير منازلهم.
وأعلن البعض منهم أنهم يعانون من مشاكل جلدية وتساقط للشعر وسواها. لكنهم تلقوا فقط نصيحة رسمية تقضي بأن يعمدوا الى غلي الماء، ولم تنل قضية مياه فلنت الاهتمام اللازم إلا بعد كشف الطبيبة العربية الأميركية منى حنا عتيشا عن وجود حالات متزايدة لأطفال مصابين بتلوث الرصاص.
ولم تحرك سلطات الولاية أو السلطات الفدرالية ساكناً طوال هذه الفترة. وفـي تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، أعلن أحد آخر مصانع «جنرال موتورز» التوقف عن استخدام مياه فلنت، لأنها تتسبب فـي تآكل القطع. وتؤدي المياه المشبعة بالعناصر المسببة للتآكل، الى نخر المجاري المصنوعة من الرصاص لشبكة التوزيع، مما يعرض الزبائن لخطر التسمم.
وأثبتت البحوث العلمية ان وجود الرصاص فـي دماء الاطفال، ولو بجرعات طفـيفة، يمكن أن يعرقل نموهم بشكل خطير وغير قابل للعلاج، وخصوصاً على صعيد الدماغ.
لكن تقدير حجم الضرر الناجم عن تلوث المياه فـي فلنت ما زال يحتاج الى أشهر.
فضيحة وطنية
وبات ملايين الأميركيين يعربون عن شعورهم بالصدمة لتسمم سكان فلنت، وأسهبت وسائل الاعلام فـي الحديث عن الفضيحة، بما فـيها وسائل الاعلام الدولية. وبدأت اولى الرؤوس تتساقط. واعلنت الوكالة الفدرالية لحماية البيئة استقالة سوزان هدمان، مديرتها للمنطقة التي تضم ميشيغن.
وقالت رئيسة بلدية فلنت كارين ويفر التي عينها الحاكم ضمن لجنة الطوارىء «إنها لمفارقة أن نسكن ولاية البحيرات العظمى (اسم ميشيغن) ولا تتوافر لدينا مياه صالحة للشرب». وأضافت «يسعدني أننا بتنا أخيراً مثار اهتمام نستحقه. لقد تضرر اطفالنا». وحتى الفكاهي تريفور نوا مقدم برنامج «دايلي شو» الشهير، القى نكات ساخرة حول فلنت، واقترح البدء بحملة تبرعات فـي افريقيا، «حتى تتمكن قرية اميركية من شرب المياه التي يحتاجون اليها كثيراً».
Leave a Reply