دمشق في قبضة المعارضة .. والأسد يفرّ إلى روسيا
تقرير أسبوعي
بعد 61 عاماً من حكم البعث و54 من حكم عائلة الأسد و24 عاماً من حكم بشار الأسد، و11 يوماً فقط من تحرّك الجماعات المسلحة من إدلب باتجاه دمشق –بدعم تركي وتوقيت إسرائيلي وتخلٍّ روسي وعجز إيراني– سقط النظام السوري من دون مقاومة تذكر، محدثاً زلزالاً «جيو استراتيجياً» في منطقة الشرق الأوسط، رأت فيه إسرائيل فرصة سانحة لاستباحة سوريا أرضاً وجواً وتدمير مقدراتها العسكرية بينما كانت المعارضة السورية بقيادة «أبو محمد الجولاني»، في طور استلام السلطة وترتيب أوراقها الداخلية والخارجية، وسط ترحيب واحتفالات شعبية عمت معظم أنحاء البلاد.
وما من شك في أن سقوط الأسد وهروبه إلى روسيا، قد أصاب «محور المقومة» بضربة قاصمة نظراً للمكانة السياسية والجغرافية التي تتمتع بها سوريا التي شكلت على مدار العقود الماضية حليفاً وثيقاً للقوى المناهضة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وأطماعه التي ظهرت في غضون ساعات قليلة، بتوغل جيش الاحتلال داخل الأراضي السورية حتى بات على بعد 25 كيلومتراً من العاصمة دمشق.
عدوان إسرائيلي
على مدار الأسبوع الماضي، كثفت إسرائيل هجماتها الجوية مستهدفة مواقع عسكرية في أنحاء متفرقة من سوريا، في انتهاك صارخ لسيادتها، وترجمة واضحة لأطماع إسرائيل التاريخية في الأراضي العربية.
وسيطرت إسرائيل على المنطقة العازلة السورية، في خطوة أدانتها الأمم المتحدة ودول عربية باعتبارها خرقاً لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين البلدين عام 1974. لكن ذلك لم يمنع قوات الاحتلال من مواصلة تقدمها بعمق يصل إلى 18 كيلومتراً داخل الأراضي السورية مستحوذة على مواقع استراتيجية وبلدات وقرى في جبل الشيخ المشرف على لبنان والعاصمة دمشق.
كما دمرت إسرائيل نحو 80 بالمئة من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك، الطائرات والمروحيات والدبابات ومخازن الأسلحة والسفن الحربية، في أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي والتي أطلقت عليها اسماً توراتياً «سهم باشان» في إشارة إلى التاريخ اليهودي لمنطقة جنوب سوريا.
ورغم دعوة الولايات المتحدة لأن يكون التوغل «موقتاً»، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن «الجولان سيكون جزءاً من دولة إسرائيل الى الأبد»، محاولاً بذلك تظهير إنجازات حكومته بالتزامن مع انطلاق محاكمته في تل أبيب بقضايا فساد ورشوة.
ودفع جيش الاحتلال بتعزيزات وأقام مراكز عسكرية في عدد من المناطق، فضلاً عن إطلاق عمليات تهجير ممنهجة بعد إبلاغ سكان عدد من القرى بمغادرة قراهم، وسط حالة استنكار عربية ودولية خجولة، وغياب الاهتمام المطلوب لدى «حكومة تصريف الأعمال» السورية الجديدة، في وقت كانت فيه وسائل الإعلام العربية منشغلة بالتركيز على عمليات البحث عن سجون وأقبية النظام.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الجيش «سيدمر الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة في أرجاء سوريا، بما يشمل صواريخ أرض–جو وأنظمة الدفاع الجوي وصواريخ أرض–أرض وصواريخ كروز والصواريخ بعيدة المدى»، وإن «الهدف من الهجمات المتتالية على مواقع سورية عديدة منذ سقوط الأسد، هو منع قيام تنظيمات الإرهاب بخلق واقع يشبه ما كان في لبنان وغزة قبل السابع من أكتوبر 2023».
وأيدت واشنطن العدوان، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إنها «خطوة موقتة اتخذوها رداً على ما قام به الجيش السوري من انسحاب في هذه المنطقة. والآن، ما نريد أن نراه في النهاية هو التزام هذا الاتفاق في شكل تام، وسنراقب لنرى إسرائيل تقوم بذلك».
وفي «عزّ» غبطة السوريين بالتخلص من حكم البعث وآل الأسد، وقبل أن تتبلور معالم المرحلة الانتقالية، سرعان ما انتاب القلق شرائح واسعة من السوريين، رغم التطمينات التي أطلقها زعيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة/القاعدة سابقاً)، والحاكم الفعلي لسوريا اليوم، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني). إذ ظهرت مبكراً مؤشرات على قيام نظام إسلامي متشدد، تجلت بوادره الأولى بحكومة الإنقاذ المؤقتة التي نصبها الجولاني برئاسة محمد البشير (رئيس حكومة إدلب) لمدة ثلاثة أشهر، والتي يخشى البعض أن تفرض نفسها كأمر واقع بعد انقضاء المدة.
وبالإضافة إلى العملية السياسية التي مازالت في طورها الأول، يخشى السوريون من انفلات أمني في ظل تعدد الفصائل المسلحة ومشاربها، ومخاوف الأقليات من تردي الأوضاع الأمنية رغم الضمانات والتطمينات التي قدمها الجولاني مع تقدم الفصائل المسلحة من إدلب إلى دمشق مروراً بحلب وحماه وحمص، حيث سجلت الأمم المتحدة نزوح مليون سوري إضافي خلال الأسبوع الماضي.
سقوط الأسد
عملية «ردع العدوان» التي أطلقها الجولاني في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بعد ساعات قليلة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، لم تحتج أكثر من 11 يوماً لتطبق على دمشق وتدفع الأسد إلى الفرار خارج البلاد بحماية روسية. وكان التحول الحاسم قد بدأ يوم الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الحالي، بسيطرة الفصائل على مدينة حماه (وسط) رغم حديث وزارة الدفاع السورية عن تحشيد قواتها للدفاع عن المدينة، ليبدأ بعدها آلاف السكان بمغادرة حمص، ثالث كبرى مدن البلاد، لتواصل تقدمها بذلك نحو العاصمة حيث قالت السلطات السورية إنها فرضت «طوقاً أمنياً وعسكرياً قوياً»، بينما فقدت القوات الحكومية السيطرة على محافظات درعا والسويداء والقنيطرة في جنوب البلاد.
ومع تقدم ساعات ليل السابع من ديسمبر، أعلنت الفصائل المسلحة أن قواتها بدأت دخول دمشق، لتفيق العاصمة على خبر هروب الأسد وسقوط النظام واختفاء أركانه، بعد إصدار أوامر للجيش السوري بخلع ملابسه والتسريح من الخدمة. ووسط مظاهر الابتهاج جرى اقتحام القصور الرئاسية وتمزيق صور بشار، وإسقاط تماثيل الرئيس الراحل حافظ الأسد في ساحات دمشق وصولاً إلى المحافظات الساحلية التي دخلتها الفصائل المسلحة من دون إطلاق رصاصة واحدة، وتم اقتحام منازل عائلة الأسد وإحراق ضريح الأسد الأب في القرداحة.
أعلنت الفصائل المسلحة السورية في بيان بُث عبر شاشة التلفزيون الرسمي، أنها سيطرت على دمشق وأسقطت حكم الأسد. وورد في البيان «تم بحمد لله تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد»، مضيفةً أنه تم إطلاق جميع السجناء.
ونقلت وكالة «تاس» الروسية عن مسؤول في محافظة اللاذقية السورية قوله، إن المعارضة المسلحة سيطرت بشكل كامل على محافظتي طرطوس واللاذقية من دون طلقة رصاص. وجابت مسيرات سيّارة شوارع المدينة وهي تنقل المسلحين وسط حركة عادية للمواطنين.
وأضافت: أن القوات المسلحة للمعارضة لا تعتزم اقتحام القواعد العسكرية الروسية التي تعمل بشكل طبيعي.
واكد برلماني روسي «أن أمن القواعد الروسية في سوريا مضمون بشكل كامل».
وقالت الكرملين، إن الرئيس السوري المخلوع وأفراد عائلته وصلوا إلى العاصمة الروسية موسكو، مشيرة إلى أن روسيا قدمت لهم حق اللجوء لأسباب إنسانية.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد قالت في بيان لها إن بشار الأسد تخلى عن منصبه ووجّه بنقل السلطة سلميا، بعد مفاوضات مع عدد من أطراف النزاع السوري المسلح. وأضافت: «نتيجة للمفاوضات بين بشار الأسد وعدد من أطراف النزاع المسلح في سوريا، قرر الأسد ترك منصبه ووجه بنقل السلطة سلمياً وغادر البلاد». وأكدت الوزارة أن روسيا لم تشارك في هذه المفاوضات.
وفي وقت سابق قالت وكالة «تاس» إنه جرى إزالة العلم من فوق مبنى السفارة السورية في العاصمة موسكو، واستبداله بـ«علم الثورة».
سياسياً، وفيما أعلن رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي استعداده لتسليم المؤسسات إلى أي «قيادة» يختارها الشعب، كلّفه الجولاني بمواصلة مهامه، ولكن لم يمض يومان، إلا وعمد الشرع إلى عزل الجلالي وتعيين محمد البشير في المنصب، لكن بصفة «رئيس حكومة تصريف أعمال» حتى آذار (مارس) المقبل، في حين أعلن «حزب البعث» السوري عن تعليق عمله «حتى إشعار آخر».
وفي بيان انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن حزب «البعث» في سوريا توقف أنشطته، وإعادة الأملاك التي كان يسيطر عليها إلى الوزارات المختصة، بالإضافة إلى إعادة جميع الموظفين الذين كانوا «متفرغين» للعمل الحزبي، للعمل في المؤسسات والوزارات التي كانوا يعملون فيها. ووقّع على البيان الأمين العام المساعد إبراهيم حديد، الذي أصبح أكبر مسؤول في الحزب بعد فرار أمينه العام، بشار الأسد، إلى موسكو.
وشكل تعيين البشير مؤشراً على نية «هيئة تحرير الشام» إحكام سيطرتها على الحكم، وبسط سلطتها على الدولة السورية بالسرعة الخاطفة نفسها التي سيطرت بها على البلاد. ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطة وسلمت السلطة لحكومة مؤقتة وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب. وفي السياق أعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة للحكومة المؤقتة عبيدة أرناؤوط، الخميس الماضي، أنه سيتم تجميد الدستور والبرلمان خلال الفترة الانتقالية. وقد أصدر الشرع جملة قرارات لتنظيم أمور الدولة، بدت في ظاهرها مطمئنة، لكنها في الواقع أثارت التساؤلات والمخاوف، من الهيمنة وإقصاء باقي أطياف القوى السياسية في سوريا.
وفي أول قراراتها، أعلنت الحكومة التي يترأسها محمد البشير، استمرار نظام العطل المعمول به (الجمعة والسبت)، لافتة إلى أن الوضع المالي للبلاد ليس على ما يرام، في ظل عدم توافر قطْع أجنبي، مطَمئنةً إلى أن عمل المؤسسات مستمر، وأن مهمة هذه الحكومة، التي ستتولى إدارة البلاد لثلاثة أشهر فقط تنتهي في آذار، هي الحفاظ على المؤسسات الحكومية وضبط الأمن ومنع أي انفلات، وسط تجاوزات محدودة سجلت في أنحاء عدة من البلاد.
ويخشى المراقبون من اندلاع مواجهات بين قوات الجولاني بفصائلها المتعددة مع قوات «قسد» المدعومة أميركياً في شمال شرقي البلاد، وفي حين أسفرت المحادثات التركية الأميركية تهدئة في منبج، حذر مظلوم عبدي، قائد قوات «قسد» ذات الغالبية الكردية، من أن «داعش» قد بدأ يعود إلى النشاط بقوة في البادية السورية، مشيراً إلى أن التنظيم الإرهابي أصبح الآن أكثر نشاطاً مقارنةً بالمرحلة السابقة… «كانوا يختبئون في السابق، ولكنهم الآن يعملون علناً على الأرض… الجيش السوري الذي كان في وقت سابق يقاتل داعش، لم يعد موجوداً في تلك المنطقة».
وجاءت تحذيرات عبدي، في وقت أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ميتش ميتشيل، أن الولايات المتحدة ملتزمة بمواصلة تواجدها العسكري في سوريا حتى نهاية إدارة الرئيس بايدن، «بهدف منع تنظيم داعش من استغلال الفراغ الأمني والسياسي في المنطقة». وقال إن التطورات الأخيرة في سوريا، «برغم الترحيب بها، تثير مخاوف كبيرة من عودة ظهور التنظيمات الإرهابية».
ضربة لمحور المقاومة
ويجمع المراقبون على أن سقوط الأسد يمثل انتكاسة لمحور المقاومة أو ما يسمى بـ«المشروع الإيراني» في المنطقة، لكن طهران حرصت على نفي ذلك، مؤكدة أنها ستواصل دعم المقاومة في لبنان وفلسطين عبر طرق أخرى.
وفي وقت ينأى لبنان الرسمي بنفسه عن تطورات الأحداث في سوريا، ويلتزم «حزب الله» الذي سحب عناصره من مدينة القصير السورية الحدودية مع لبنان قبل أيام من سقوط الأسد، خرجت إيران في تصريحات عن مسؤولين لتلمح بوجود «طرق جديدة لدعم جبهة المقاومة»، مع اعترافها بأنّ سقوط الأسد سيؤثر «بشكل مباشر على المقاومة».
فقد كشف رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أن «اغتيال قادة حزب الله كان أشد علينا من سقوط الأسد لكن الحزب أصبح أقوى»، معتبراً أن «سقوط الأسد يسبب اضطراباً للمقاومة ولكنها ستتكيف مع الظروف الجديدة وتصبح أقوى».
وجاء كلام قاليباف بعد يوم على موقف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي أكدّ أنّ «المقاومة ستكون أقوى من الماضي»، وهو ما استكمله الحرس الثوري الإيراني، بتأكيد قائده اللواء حسين سلامي، أنّ «طرق دعم جبهة المقاومة لا تزال مفتوحة»، لافتاً إلى أن الأمور قد تتخذ شكلاً جديداً في المستقبل القريب. وأكد أنّه «حتى الآن المسارات مفتوحة لدعم جبهة المقاومة». وأعاد سلامي التأكيد أنّ «جبهة المقاومة مستقلة عن الجغرافيا الإيرانية وحزب الله لا يزال فاعلاً ونشطاً»، مشيراً إلى أننا «كنا نعلم بحركة المسلحين بسوريا وأخبرنا قيادتها لكن غياب إرادة المقاومة» لدى الجيش السوري أدى إلى ما حدث.
في المقابل، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن «سقوط الأسد يشكل فرصة تاريخية بالنسبة الى السوريين»، مؤكداً أن الولايات المتحدة «ستعمل مع الشركاء والأطراف المعنية في سوريا لمساعدتهم على اغتنام الفرصة لإدارة المخاطر».
ووصف بايدن، في كلمة من البيت الأبيض، الأحداث في سوريا بأنها «لحظة مشوبة بالمخاطر والضبابية»، وقال إنّ روسيا وإيران وحزب الله «لم يتمكنوا من الدفاع عن النظام». وأعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته أنّ بلاده «ستساعد جيران سوريا خلال الفترة الانتقالية وستعمل مع الجماعات السورية للتأسيس لتلك المرحلة، وإرساء مرحلة انتقالية بعيداً من نظام الأسد ونحو سوريا مستقلة وسيدة مع دستور جديد». ورأى أنّ على «كافة جماعات المعارضة لعب دور في إحياء سوريا وإظهار التزامها بحقوق جميع المدنيين والأقليات»، لافتاً إلى أنه سيتحدث مع «قادة المنطقة» خلال أيام «لتقييم أفعال قادة مجموعات المعارضة، لنحكم على الأفعال وليس الأقوال».
هدنة لبنان
في لبنان، وبرغم تواصل الاعتداءات الإسرائيلية، جواً وبراً، التي أوقعت العديد من الشهداء، خصوصاً في مدينة بنت جبيل التي سقط فيها ثلاثة شهداء، لاحت الخميس الماضي، وبعدَ أسبوعين على دخول هدنة الـ60 يوماً حيّز التنفيذ، بوادر مشجعة للمضي قدماً في الخطوات التنفيذية لاتفاق وقف إطلاق النار، مع بدء الجيش اللبناني الدخول إلى بلدة الخيام في القطاع الشرقي فور تأكيد قوات «اليونيفل» انسحاب قوات الاحتلال من عدد من النقاط فيها.
أتت هذه الخطوة، بعدما أعاق جيش الاحتلال في الأيام الماضية تنفيذ خطة الجيش التي يبدو أنها ستواجه بعض العقبات بسبب المراوغة الإسرائيلية. وتزامنت مع اجتماع في اليرزة بين قائد الجيش العماد جوزف عون وقائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا الذي زار لبنان ضمن جولة على القواعد العسكرية لبلاده في كل من سوريا والعراق، وقالت مصادر مطّلعة إن الاجتماع ركّز على مناقشة الخطوات التي بدأت في الخيام و«التي يجب أن تتعزز باستكمال الانسحاب الإسرائيلي وانتشار الجيش اللبناني بعد تدقيق اليونيفل والتأكّد من الانسحاب». واعتبرت المصادر أن وجود «كوريلا أعطى دفعاً للجنة الإشراف الخماسية للبدء بعملها بعدما أكمل الجيش استعداداته للدخول»، وأوضحت أن الجنرال الأميركي «تواصل مع كيان الاحتلال لوقف الخروقات وإعطاء مجال لتنفيذ بنود الاتفاق».
الإبادة مستمرة في غزة
استمر التصعيد العدواني الإسرائيلي في غزة وسط حديث عن اقتراب «صفقة ما» لوقف الحرب على القطاع وتبادل الأسرى قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب إلى السلطة، لوحظ أن جواً من «التفاؤل» جري تعميمه، أميركياً، أكثر منه إسرائيلياً أو فلسطينياً. فقد نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الخميس الماضي، أنَّ «حماس قبلت لأول مرة ببقاء قوات إسرائيلية مؤقتاً في غزة بعد وقف إطلاق النار بغية التوصل لاتفاق»، موضخة أن «الاتفاق المقترح بين حماس وإسرائيل يشمل وقف إطلاق النار لـ60 يوما يتم فيها الإفراج عن 30 محتجزا بينهم أميركيون». وذكرت أن الحركة «سلمت قائمة بأسماء المحتجزين وبينهم أميركيون ستطلق سراحهم بموجب الاتفاق».
وأبدى مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان تفاؤله بأن نتنياهو «أصبح مستعداً لاتفاق بشأن غزة»، وقال بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، الخميس الماضي، إنه يعتقد أن التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى «ربما يكون قريبا لأن إسرائيل أشارت إلى أنها مستعدة، كما نرى تحركاً من جانب حماس».
في غضون ذلك، تواصل العدوان على شمال قطاع غزة، حيث ركز جيش الاحتلال كل وسائطه النارية على استهداف بقعة جغرافية محدّدة، لتشهد المناطق المحاصرة، وتحديداً مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا وتل الزعتر، عمليات تفجير بـ«الجملة» لمنازل الغزيين، ونسفها.
ولم يكتفِ العدوان بتسوية آلاف المنازل بالأرض، بل تقدمت آلياته من عدّة محاور تحت غطاء ناري كثيف جداً، وزرعت العشرات من البراميل المتفجّرة والروبوتات المفخّخة في وسط مخيم جباليا، وارتكبت الطائرات الحربية مجازر جديدة، مع استمرار خطة التجويع، التي تقوم على فرض قيود على دخول البضائع والمساعدات، إلى حد حرمان الغزيين من رغيف خبز أو بعض الطحين.
في المقابل، شهد الأسبوع الماضي أكثر من 15 عملية عسكرية نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية، تركزت بمعظمها في شمال القطاع ومنطقة رفح جنوباً.
اليمن يواصل إسناد غزة
أكد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبدالملك الحوثي «وقوف اليمن مع سوريا ومع شعبها ضد العدوان الإسرائيلي»، بمعزل عن الطرف الذي يحكمها، معتبراً أن الجماعات التي سيطرت على سوريا «أمام اختبار حقيقي» لموقفها من القضية الفلسطينية.
ولفت الحوثي إلى أن «المجرم نتنياهو تحدث عن أن سقوط نظام الأسد يخلق فرصاً جديدة ومهمة لإسرائيل، وتمت ترجمة هذه الفرص بالفعل»، محذراً من أنّ «معنى الشرق الأوسط الجديد هو أن تكون كل بلداننا مستباحة للإسرائيلي والأميركي… عندما تشمل مساحة العدو الإسرائيلي الشام كلها وأجزاء من مصر والعراق والمملكة العربية السعودية، تكون البلدان جُزِّئت إلى دويلات وكانتونات صغيرة». وقال إن صنعاء حاضرة لـ«قتال أميركا وإسرائيل»، كما أنّها حاضرة أيضاً لقتال أي «طرف يستهدف اليمن خدمةً لهما… دربنا مئات الآلاف من أبناء شعبنا اليمني المسلم ليكتسبوا المهارة القتالية والقدرة على القتال، وليصبحوا حاضرين، نفسياً وثقافيا ووجدانياً للقتال».
وبشأن الإسناد اليمني لغزة، أعلن الحوثي أن «عمليات الإسناد استهدفت الأسبوع الماضي، بالاشتراك مع المقاومة العراقية، يافا المحتلة وأسدود وعسقلان، بالإضافة إلى خمس سفن أميركية في خليج عدن منها بارجتان حربيتان».
محاكمة نتنياهو
عشية انطلاق محاكمته في تل أبيب، قال نتنياهو: «كما وعدت نحن نغيّر الشرق الأوسط»، مضيفاً «لو استجبنا للضغوط لوقف الحرب لما حققنا إنجازاتنا بقتل السنوار ونصر الله وغيره». وتابع: «اغتيال نصر الله كان نقطة تحول فاصلة.. قطعنا ذراع إيران وندمّر بقايا القدرات العسكرية لحماس في غزة ونعمل على إعادة المختطفين».
وأكد أن «عزلة حماس في أعقاب سقوط الأسد تفتح الباب أمام اتفاق لإطلاق سراح الرهائن». لكنه عاد ليضيف أنه «من السابق لأوانه قول ما إذا كانت مساعي التوصل لاتفاق لتحرير الرهائن ستكلل بالنجاح».
وأدلى نتنياهو بشهادته، الثلاثاء الماضي، لأول مرة في محاكمته المتعلقة بتهم فساد، في خطوة محورية بالإجراءات القضائية المطولة التي تأتي في الوقت الذي يشن فيه حرباً في غزة، ويواجه مذاكرات اعتقال لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.
ويمثل نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل لاتهامه بالتزوير وانتهاك الثقة وقبول رشاوى في ثلاث قضايا منفصلة.
ونفى نتنياهو ارتكابه أي خطأ، ولكن ظهوره كشاهد سيمثل أمراً سلبياً لمسيرته السياسية المستمرة منذ عقود.
وهذه تعد أول مرة يمثل فيها رئيس وزراء إسرائيلي كمتهم جنائي في المحكمة، وقد سعى نتنياهو أكثر من مرة لإرجاء هذه الإجراءات، معللاً طلبه بالحرب الدائرة في غزة ومخاوف أمنية.
ومن المتوقع أن يمثل نتنياهو أمام القضاء ثلاث مرات أسبوعياً. وكان نتنياهو قد وصل إلى قاعة المحكمة التي نُقلت من القدس إلى تل ابيب لأسباب أمنية، رفقةَ بعض وزراء حكومته، وفي طليعتهم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وبعض أعضاء «الكنيست»، بينما تجمّع المتظاهرون خارج قاعة المحكمة وانضمّت إليهم عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وعلى الأثر، علت الصرخات التي تتّهم نتنياهو بتأخير إطلاق سراح الأسرى لأسباب سياسية.
وخلال شهادته، قال نتنياهو: «هذه هي الفرصة لتبديد الاتهامات الموجهة إليّ. هناك عبث كبير في الاتهامات وظلم كبير»، وسيكون الاستجواب المتبادل من قِبَل الادعاء حاسماً في تحديد نتيجة القضية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
Leave a Reply