نبيل هيثم
لم تكد العاصفة القطبية الوافدة على الشرق الاوسط من الشرق الروسي تحط اوزارها، حتى استأنف الجيش السوري على الجبهة الجنوبية الممتدة من درعا الى الجولان، والتي تحوّلت منذ فترة الى ميدان للصراع الاقليمي – الدولي، الذي بلغ ذروة مخاطره التفجيرية بعد الغارة الاسرائيلية التي استهدفت المقاومين اللبنانيين، والتي استوجبت رداً سريعاً من «حزب الله» فـي مزارع شبعا.
و فـي موازاة الجبهات السورية المفتوحة فـي حلب والرقة، سواء بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة السورية من جهة، او بين المقاتلين الاكراد وتنظيم «داعش»، او حتى بين المجموعات المسلحة نفسها، وآخرها «حرب الالغاء» بين «جبهة النصرة» وحركة «حزم» المدعومة اميركياً، يواصل الجيش السوري تقدمه فـي الجبهة الجنوبية، وخصوصاً فـي ريف درعا، مستعيداً السيطرة على تلال استراتيجية، فـي ما يعتبر المرحلة الثانية من العملية التي بدأت قبل وصول العاصفة الثلجية الاخيرة.
الهجوم الذي بدأه الجيش السوري منذ أيام متعدد الأهداف بشكل يجعل منه الهجوم الأول للجيش السوري الذي يضرب عشرات العصا فـير بحجر واحد، منذ معركة القصير.
وعلى المستوى الميداني تهدف معركة الجنوب الى تأمين دمشق من خطر منصات الصواريخ التي استهدفت العاصمة السورية مرّات عدة خلال الاشهر الماضية، وتحصين جبهة دمشق من اختراق محتمل.
لكن حجم العملية العسكرية يشي بأن ابعادها الاستراتيجية على المستوى الميداني تتجاوز حدود جبهة دمشق، ويبدو انها تمثل حالياً انطلاقة لتنفـيذ خطة «فصل الجبهات»، وهو ما يمكن تلمسه من النتائج المحققة والمنتظرة من معارك الجنوب، الذي كان حتى الامس القريب مقسماً الى محورين فقط، هما محور السويداء ومحور درعا والقنيطرة، فـيما صار اليوم جبهات منفصلة هي جبهة الريف الجنوبي لدمشق، وجبهة السويداء، وجبهة درعا وريفها، وجبهة ريف القنيطرة، وهو ما يضمن قطع طرق أمدادات المجموعات المسلحة، فـي موازاة تامين طرق امداد الجيش السوري فـي الجنوب، وتحديداً طريق دمشق درعا وطريق دمشق القنيطرة.
المرحلة الثانية من معركة الجنوب، تتركز اليوم على المثلث الواقع بين دمشق والقنيطرة ودرعا، وتستهدف استعادة السيطرة على تل حارة، ذات الاهمية الاستراتيجية القصوى، والتي ستسمح للجيش السوري بكشف مواقع المسلحين على امتداد المثلث الجنوبي، استكمالاً لقطع طرق الامداد للمجموعات العسكرية وتقطيع اوصالهم.
ولعل تقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها المسلحون فـي المنطقة الجنوبية هو عنوان المعركة الثانية للجيش السوري، مع صعوبة قطع طرق إمدادهم الواصلة حتى الحدود الأردنية فـي الجنوب.
ويبدو ان الجيش السوري قد بدأ اعتماد خطة جديدة لعملياته فـي الجنوب، وتتمثل على المستوى التكتيكي فـي شن الهجمات على محاور عدة لتشتيت جهود المسلحين، والقتال الليلي المتميز الذي يفاجئ المسلحين، فضلاً عن غزارة النيران والقصف المدفعي والصاروخي المركز وإسترجاع منطقة مساحتها نحو 40 كيلومتر مربع.
وحتى الآن، نجح الجيش السوري فـي بسط سيطرته على عشرات النقاط الممتدة إلى أطراف سهل حوران والجولان، وقطع الاتصال مع الجيوب المسلحة فـي غوطة دمشق الغربية، بانتظار استكمال الخطة العسكرية، التي يمكن وصفها بانها استباقية، والتي ترافق اطلاقها مع اقتراب ساعة الصفر التي حددتها اجهزة الاستخبارات الغربية للمجموعات المسلحة لإطلاق هجوم واسع من الجنوب باتجاه دمشق.
واذا كان الجيش السوري قد حقق حتى الآن نجاحاً فـي ميدان القتال على الجبهة الجنوبية، فإن النجاح الاهم يبقى على مستوى الصراع الاقليمي، ذلك ان معركة الجنوب ستحدد قواعد الاشتباك الجديدة بين محور المقاومة (سوريا – «حزب الله» – ايران) وبين اسرائيل والاردن والغرب.
ولعل نجاح عمليات الجيش السوري فـي معركة الجبهة الجنوبية – والتي يبدو انها تحقق اهدافها حتى الآن – سيشكل انتكاسة قوية لاحد ضلعي خطة تدريب المسلحين ما يسمّى بـ«المعارضة المعتدلة»، والتي كان يفترض ان تشمل المجموعات المسلحة على جبهتي الشمال (حلب عبر تركيا) والجنوب (درعا عبر الاردن)، ناهيك عن سحب ورقة الدعم الاسرائيلي لميليشيات «جبهة النصرة»، التي وصفها السيد حسن نصرالله بـ«جيش لحد» سوريا.
ومعروف ان الاردن كان اول من ساهم فـي تفجير الجبهة الجنوبية، فـي محاولة لاعادة خلط الاوراق الميدانية، حيث سمح ضوء أخضر اقليمي – دولي فـي تشرين الاول الماضي، بفتح تلك الجبهة، وادارة معاركها عبر غرفة العمليات المشتركة فـي عمّان، والتي تديرها الاستخبارات الفرنسية والبريطانية والسعودية والاسرائيلية، بالإضافة الى الاستخبارات الاردنية.
وترافق النشاط الاردني فـي فتح جبهة الجنوب قبل اشهر، مع تقدم اسرائيل فـي التعاون مع اجنحة عدّة فـي المعارضة المسلحة، بما فـي ذلك «جبهة النصرة»، وذلك على امتداد جبهة الجولان، فـي مسعى لتكثيف الضغوط على الجيش السوري، وابعاده عن منطقة فصل الاشتباك بين «الجولانين» المحرر والمحتل، تمهيداً لإقامة منطقة الأمر الواقع العازلة، والتي هجرتها عناصر قوات «الاندوف» منذ تعرض مجموعة منهم للخطف على ايدي التكفـيريين.
وحتى الآن، يبدو ان ميزان المعركة الاقليمية تلك يميل الى صالح الجيش السوري، وما يلاحظ فـي هذا الإطار، أن غرفة عمليات عمان، وبرغم مرور ثلاثة اسابيع على بدء المرحلة الاولى من معركة الجنوب، لم تبادر الى تنسيق أي هجوم مضاد، ولم تجر أي محاولة للقيام بعملية الهاء أو تشتيت القوى المهاجمة، فـيما عدا محاولة محدودة على سفوح جبل الشيخ، وقد تمكمن فوج الجولان فـي الجيش السوري من اجهاضها سريعاً.
ولا توجد مؤشرات حتى الآن على تحرك أردني واسع ضد العملية التي يقوم بها الجيش السوري، حتى ان ما يعرف بـ«لواء شهداء اليرموك»، المقرب من الاستخبارات الاردنية، لم يقم بأي تحرك يذكر فـي شرق درعا، وهي منطقة يفترض ان تكون ساحة حراك سهل للمجموعات المسلحة، بالنظر الى قربها من نقاط الامداد عبر الحدود السورية-الاردنية.
وما يقال على الاردن ينطبق ايضاً على اسرائيل، التي تبدو عاجزة عن حماية انجازاتها الميدانية عبر الدعم الذي قدمته للفصائل المسلحة فـي الجولان.
ولا يمكن فصل العجز الاسرائيلي هذا عن قواعد الاشتباك التي فرضها «حزب الله» على تل ابيب بعد اغتيال المقاومين الستة والجنرال الايراني فـي غارة القنيطرة، وذلك عبر توجيه رسالة ميدانية موجعة، من خلال عملية مزارع شبعا، التي يبدو انها حققت اهدافها فـي لجم بنيامين نتنياهو الذي اقل ما يمكن ان يفكر فـيه حالياً، قبل ايام قليلة من الانتخابات العامة فـي اسرائيل، و فـي ظل الكوابيس اليومية التي تراوده مع قرب التوصل الى اتفاق نووي بين ايران والولايات المتحدة، ان يعمد الى فتح حرب جديدة، يعلم جيداً ان اسرائيل ستكون خاسرة فـيها.
وبانتظار النتائج الميدانية خلال الايام المقبلة، وما يحاك سراً فـي غرفة عمليات عمّان، يبقى مؤكداً ان معركة الجنوب ستحدّد قواعد الاشتباك خلال المرحلة المقبلة.
حرب التلال
خريطة جغرافـية للجبهة الجنوبية |
يواصل الجيش السوري تقدمه فـي ريف درعا، حيث استعاد السيطرة على تلال فاطمة من الجهتين الشرقية والغربية جنوب شرق خربة سلطانة.
وسبق ذلك إحكامه السيطرة على بلدة السبسبة جنوب شرق حمريت، فـيما يحاصر تل الصياد، وبات على مقربة من كفرناسج وكفر شمس، التي تعد المعقل الرئيسي جماعات المسلحة.
ولعل تسمية «معارك التلال»، التي باتت تطلق على معارك الجبهة الجنوبية، تعبر بشكل او بآخر عن سعي الجيش السوري للسيطرة على مواقع استراتيجية كاشفة لتحركات المسلحين ومعاقلهم، بدءاً بتل العروس الذي شكلت استعادته من قبل القوات السورية مقدمة للتقدم والسيطرة على تل قرين الذي يفتح الطريق نحو كفرناسج، أكبر تجمعات المسلحين فـي ريف درعا، ومن ثم نحو تلال فاطمة.
وتفـيد المعلومات الميدانية المستقاة من مصادر عدّة – بما فـي ذلك المواقع الالكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة المسلحة – انه مع نجاح الجيش السوري فـي السيطرة على على تلال فاطمة، تحركت وحداته بشكل قوس هجومي لحصر المسلحين بين أرياف درعا والقنيطرة، فـيما تحركت وحدات اخرى من الشمال نحو تل المال لاستعادته، ومنه إلى تل الحارة، الذي يعد أهم وأعلى التلال الاستراتيجية فـي مثلث ريف درعا ودمشق والقنيطرة.
و فـي موازاة ذلك، ثمة هجوم آخر يشنه الجيش السوري من محاور تل الدناجي وتل مرعي نحو الهبارية ودير ماكر بعد إحكام السيطرة على بلدة سبسبة فـي جنوب شرق حمريت عند مدخل ريف القنيطرة.
اما الهجوم الأوسع فهو من جهة دير العدس وتل مرعي، تزامن مع عمليات سريعة باتجاه زمرين ومسحرة من جهة تل بزاق، بهدف تشتيت تجمعات المسلحين فـي تلك المناطق واجبارها على التراجع.
وتمكن الجيش السوري من التقدم باتجاه تل المال، احدى النقاط المؤدية إلى تل الحارة الاستراتيجي.
وستسمح السيطرة على حمريت مع عدد من التلال المحيطة، مثل تل فاطمة فـي شمال دير العدس، بالتوجه إلى تل المال المطل على تل مسحرة ونبع الصخر ومنطقة أم باطنة المتصلة جغرا فـياً فـي بلدة الحارة وتل الحارة.
وتفتح سيطرة الجيش السورية على الهبارية وتل قرين الطريق نحو كفرناسج إحدى أبرز معاقل المسلحين، ما يعني قطع الطريق أمام أي اتصال بين ريف درعا الشمالي الغربي وريف القنيطرة، وتطويق مدينة الحارة للتقدم نحو التل الاستراتيجي، بما يؤدي الى عزل الجبهتين عن بعضهما البعض.
المجموعات المسلحة في جنوب سوريا
منذ سنة تقريباً، بدأ الحديث غربياً وعربياً عن فتح جبهة الجنوب، وكانت بوادر ذلك انضمام مجموعات مسلحة إلى ما يعرف بـ«جبهة ثوار سوريا»، وتزويدها باسلحة حساسة، من قبل الغربيين، على غرار صواريخ «تاو» المضادة للدبابات.
وتدار عمليات المجموعات المسلحة فـي جنوب سوريا عبر غرفة عمليات مشتركة محلية تضم الفصائل الإسلامية المتشددة ومجموعات من «الجيش السوري الحر»، واخرى فـي عمّان، تشارك فـيها اجهزة استخبارات اقليمية ودولية.
وتضم غرفة العمليات المحلية «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» و«أكناف بيت المقدس» و«حركة المثنى».
ومنذ اشهر تتجمع الفصائل المسلحة فـي كيانات جديدة، الى جانب «الجيش الحر»، ومن بينها «تحالف صقور الجنوب»، الذي يضم أربع مجموعات هي «جيش اليرموك» و«أسود السنة» و«فلوجة حوران» و«فرقة 18 آذار»، و«الفـيلق الاول»و«ألوية العمري» و«فرقة الحمزة».
وعلى غرار باقي المناطق الساخنة فـي سوريا تمددت «جبهة النصرة» تدريجياً فـي الجنوب، خصوصا قرب الجولان المحتل، بعد انسحاب مقاتليها فـي مناطق اخرى فـي البلاد امام هجمات تنظيم «داعش»، الذي لم يتمدد بعد الى الجنوب السوري.
Leave a Reply