وليد مرمر
لم يكن تمديد الاتحاد الأوروبي لعقوباته ضد سوريا حتى حزيران من عام 2021 مفاجئاً للمراقبين، رغم خبية الأمل التي أصيب بها الناشطون في مجال حقوق الإنسان وذلك بسبب التأثيرات السلبية للعقوبات والتي تعيق الدولة وتعرقل جهودها في مكافحة جائحة كورونا.
لم يكن القرار الأوروبي مجحفاً للغاية، فقد تكرم سياسيو بروكسل وشطبوا من لائحة عقوباتهم أسماء خمسة أشخاص بسبب الوفاة (شكراً بروكسل)!
وفضلاً عن عشرات المسؤولين الذين تطالهم لائحة العقوبات ثمة 700 شركة ومؤسسة وهيئة قد تم حظر التعامل معها كما تم احتجاز أصول أموالها.
وتتركز العقوبات الأوروبية على سوريا حول حظر بيع النفط، وتقييد الاستثمارات في العديد من المجالات وحظر التعامل مع المصرف المركزي السوري وتجميد أصوله، ومنع تصدير أي معدات تقنية قد تستخدم في مراقبة شبكة الانترنت واعتراض الاتصالات الهاتفية: أي كل ما يساعد الحكومة المركزية على محاربة الإرهاب. ولا عجب من هذا القرار الأوروبي، فكلنا يذكر كيف «صدّرت» هذه الدول إسلامييها خلال الحرب إلى سوريا ليعيثوا فيها قتلاً وتخريباً وفساداً.
وكانت الخارجية السورية قد علقت على القرار الأوروبي معلنة أنه «ليس مستغرباً قرار الاتحاد الأوروبي بتجديد الإجراءات القسرية المفروضة على سوريا ولا سيما أنه جاء بعد القرار الأميركي بهذا الخصوص ما يؤكد فقدان هذا الاتحاد استقلالية القرار وتبعيته المذلة للسياسة الأميركية». وأردف المصدر بأن: «هذا القرار يؤكد مجدداً الشراكة الكاملة للاتحاد الأوروبي في الحرب على سوريا ودعمه اللا محدود للمجموعات الإرهابية وبالتالي فإنه يتحمل مسؤولية أساسية في سفك دماء السوريين وكذلك في معاناتهم جراء العقوبات الجائرة التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم ولقمة عيشهم وتعيق الجهود لتوفير الوسائل والإمكانيات والبنية الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا، ما يجعل من هذه العقوبات انتهاكاً سافراً لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي، بل يمكن وصفه بأنه جريمة ضد الإنسانية بكل معنى الكلمة».
من جهتها، استنكرت روسيا تجديد العقوبات الأوروبية على سوريا واصفة إياها بـ«غير الشرعية».
في ظل العقوبات الصارمة، تعاني الحكومة السورية من خطر تفشي وباء كورونا بسبب عدم توفر المعدات والأدوية الضرورية لمكافحة الجائحة. فقد طالت العقوبات كل أشكال التجارة المتعلقة بتصنيع الدواء المحلي. ومعلوم أن سوريا تصنع محلياً 98 بالمئة من الأدوية «الجينيريك» بجودة تحاكي الأدوية المصنعة في المعامل الغربية. وهذ بالطبع لا يروق لجماعة الـ«بيغ فارما» الذين يخسرون سوقاً كبيراً جراء ذلك. فعبر العقوبات ومنع التعاملات المصرفية وتحويل الأموال وامتناع الشركات الأجنبية عن التعامل مع الشركات السورية، تم ضرب سوق تصنيع الدواء لعدم القدرة على استيراد المواد الأولية ومواد التعبئة والتغليف التي لا تصنع محليا، وكذلك الكواشف المخبرية التي تستخدم لفحص وجودة ونقاء الأدوية. هذا فضلا عن ارتفاع أسعار المواد الأولية بفعل زيادة تكاليف الشحن ورسوم التأمين واحتكار المواد، إضافة لتحديد طريق الاستلام للبضائع عن طريق بيروت فقط لانتفاء استخدام مرفأي اللاذقية وطرطوس ومطار دمشق، مما أضاف عبئاً مالياً وإدارياً على الشركات المستوردة.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد قامت طائرات «أباتشي» أميركية الأسبوع الماضي بإسقاط بالونات حرارية على حقول القمح والشعير في محافظة الحسكة وذلك في خضم تفشي أزمة كورونا، مما يهدد أيضاً الأمن الغذائي للبلاد التي لا تزال تحاول نفض غبار الحرب الكونية التي شُنّت ضدها.
الحكومة السورية اتهمت القوات الأميركية بالقيام بحرق المحاصيل الزراعية بشكل ممنهج، وهي قد تجاوزت في يوم واحد (17 أيار) أكثر من 300 هكتار في أرياف حلب والرقة والحسكة.
وكانت محافظتا درعا والسويداء الغنيتان بالمزورعات في الجنوب قد شهدتا حرائق مماثلة لعشرات الهكتارات من القمح والشعير.
قوات الأمن السورية اعتقلت العام الماضي خلية مختصة بحرق المحاصيل الزراعية وبلغ عدد المساحات التي تم حرقها عام 2019 أكثر من 440 ألف هكتار حسب الدولة السورية!
وكانت قناة «العربية» المعادية لدمشق قد اعترفت بتقرير لها في 11 يونيو 2019 أن خلايا تنظيم داعش التي تنشط شرقي الفرات تشارك بدعم وإسناد أميركي بفاعلية في افتعال هذه الحرائق.
الأمر ذاته كان قد حدث في العراق إبان الاحتلال فضلاً عن سرقة صوامع الحبوب التي تعود سلالاتها لآلاف السنين في البلدين والتي تزرع في تربة فائقة الغنى بالمعادن وتسقى بماء طبيعي، فالعولمة تقتضي استبدالها بزراعة معدلة وراثياً ومهجنة جينياً ومروية بمياه ملوثة بالرصاص والزئبق ومرشوشة بالمبيدات.
بعد القتل والتهجير وتدمير البنى التحتية ونهب الآثار وسرقة المخطوطات، يجري العمل على قدم وساق من قبل أدعياء «العالم الحر» لمحاولة تفكيك المجتمع السوري ونشر الفوضى فيه عبر الحصار والعقوبات الاقتصادية وضرب الأمن الغذائي وهذا ليس إلا دليلا على إن الحرب على سوريا لم تنته فصولها بعد.
Leave a Reply