كمال ذبيان
دخلت الحرب الكونية على سوريا عامها الخامس، ولم يسقط النظام فـيها، كما لم تضعف الدولة ومؤسساتها وبقي الجيش متماسكاً بالرغم من الحالات الشاذة التي حصلت داخله بفرار ضباط وعناصر لم يصل الى إنشقاقات واسعة فـي ألوية أو فرق وأفواج، بل اقتصر الوضع على حالات فردية لم تتمكّن من إنشاء ما سمي «جيش سوري حر» بالرغم من كل الدعم الذي حصل عليه ضباط، من مجموعة دول أجنبية وعربية تحت إسم «أصدقاء سوريا»، لأن الجماعات الإسلامية وأخرى المتشددة والتكفـيرية هي مَن سيطرت على الأرض وامتلكت القرار فبات الحضور العسكري لتنظيم «داعش» فـي مناطق و«جبهة النصرة» فـي مناطق أخرى، ودار صراع دموي بينهما حول النفوذ سقط فـيه نحو عشرة آلاف قتيل، إضافة الى اقتتال كل منهما مع مجموعات عسكرية إسلامية أخرى كان يُفرض عليها إعلان الولاء للتنظيم أو الجبهة، وخرج «الجيش السوري الحر» من الميدان وبات ضباطه قابعين فـي تركيا لإعادة تجميعهم وإنشاء منهم ما تدعو إليه أميركا وحلفاؤها «القوى العسكرية المعتدلة» ضمن برنامج تدريب لـ 15 ألف فـي كل من تركيا والسعودية وقطر وعلى مدى ثلاث سنوات، وهو قرار اتّخذ لكنه لم يُحسم تنفـيذه، مما يؤكّد أن الدولة فـي سوريا هي مَن يخوض المعارك ضد الجماعات الإرهابية التكفـيرية مع حلفاء لها من «حزب الله» و«الحرس الثوري الإيراني» مقابل آلاف المسلحين الإرهابيين الذين قدموا من كل الدول ويُقدّر عددهم بحوالي 90 ألف مقاتل، حضروا الى سوريا لإقامة «الخلافة الإسلامية».
الرئيس بشار الأسد أثناء تناوله الطعام مع جنود من الجيش السوري (رويترز) |
فمع إندلاع الأزمة السورية قبل أربع سنوات، كان الذين خططوا لتفجيرها مع ما سمي «الربيع العربي»، لإسقاط الأنظمة ووصول «الإخوان المسلمين» الى السلطة بإتفاق مع أميركا، قد ظنّوا أن ما حصل فـي أيام فـي تونس ومصر وبعد أشهر فـي ليبيا واليمن، سيتكرر فـي سوريا، فكما فرّ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى السعودية، والرئيس المصري حسني مبارك زُجّ به فـي السجن مع أبنائه وبعض وزرائه والمسؤولين فـي نظامه، وقتل الرئيس الليبي معمر القذافـي بعد اعتقاله مختبئاً فـي قسطل للصرف الصحي، وتنحي الرئيس اليمني عبدالله صالح بعد فشل محاولة اغتياله بتفجير المسجد الذي يصلي فـيه، فكان تقدير المتآمرين على سوريا، أن الرئيس بشار الأسد لن يصمد أكثر من هؤلاء، وسيكون مصيره إما القتل أو السجن أو الفرار، لكن أيًّا من هذه الإحتمالات التي وُضعت سقطت جميعها، وبقي الرئيس الأسد صامداً فـي مواجهة الحرب على سوريا، لا بل أجرى إنتخابات رئاسية فاز بها بنسبة عالية، الصيف الماضي، أكّدت لمن يعمل على إسقاطه أو تنحيه، أن الشعب السوري بغالبيته يريده رئيساً فجدّد الثقة به، مما حرم المطالبين برحيله من ورقة ضغط حاولوا أن يلعبوها، سواء باغتيال قيادات عسكرية وتفجيرات قتلت مواطنين أو القصف على دمشق، أو محاولة التقدم فـي بعض المناطق والسيطرة عليها كما حصل فـي شمال سوريا وشرقها أو بعض جنوبها ووسطها، لكن كل هذه العمليات العسكرية لم تزعزع النظام ولم تترك الرئيس الأسد يضعف أو يتنحى أو يتنازل عن صلاحياته أو يقبل بمرحلة إنتقالية لإنتقال السلطة يكون هو خارجها، فتهاوت كل الشروط، وانعقد مؤتمر جنيف – 1 وجنيف – 2، وبقي الأسد يقاتل مع جيشه والشعب الذي انخرط فـي «قوات الدفاع الوطني» لمنع سقوط الدولة لتقوم أخرى بديلة عنها هي «دولة إسلامية» أعلن عنها أميرها أبوبكر البغدادي فـي العراق والشام بعد أن نصّب نفسه خليفة، حيث تبدّلت الصورة عن ما يحصل فـي سوريا، فلم تعد المسألة تتعلق بتغيير نظام أو إجراء إصلاحات فـيه أو تنحي الأسد، بل رسم خارطة جديدة للمنطقة وقيام «إمارات إسلامية» فـيها تغير من الجغرا فـيا السياسية، وتبيّن أن هذه الجماعات التي يقاتلها الأسد هي من رحم تنظيم «القاعدة» التي شنّت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الحرب عليه تحت إسم «الإرهاب»، واحتلّت دولتين هما أفغانستان والعراق.
فما حصل فـي سوريا بعد أربع سنوات، هو أن النظام بدأ يربح الحرب على مَن شنّها عليه، وظهر المشهد على حقيقته فـي أن الدولة السورية تواجه الإرهاب الذي يُصدّر إليها، وأن الدول التي يأتي منها الإرهابيون باتت قلقة من عودتهم إليها، وممارسة العنف فـي مجتمعاتها، وقد بدأ يظهر هؤلاء عبر تنفـيذهم لأعمال إجرامية كما حصل مع الهجوم على جريدة «شارلي إيبدو» وقتل صحا فـيين ورسامي «كاريكاتور» فـيها.
فبعد أن كان النظام بسوريا فـي موقع الدفاع، من الهجمة الشرسة والإرهابية عليه، بات فـي موقع الهجوم، عسكرياً بالتوسع شمالاً وجنوباً والقضاء على المجموعات الإرهابية المفتوحة الحدود أمامها من تركيا والأردن، حيث يعمل الجيش السوري مع حلفائه على إقفال ممرات الموت، بعد أن تمكّن قبل حوالي العامين من إنهاء معركة حمص وريفها وكذلك معركة القلمون، وهي متاخمة فـي أجزاء منها للبنان الذي يخوض جيشه معركة تحرير جرود عرسال والجوار، فإن اجتثاث المجموعات الإرهابية من هذه المناطق ساهم فـي إخراج المسلحين من ضواحي دمشق وريفها فـي الغوطة الشرقية ويستكمل الجيش السوري معاركه مع المسلحين فـي أرياف درعا والقنيطرة ودمشق، وقد تقدّم مساحات كبيرة فـيها وسيطر على مناطق وتلال ومواقع استراتيجية، وفصل بينها وقطع محاولات التقدم بإتجاه دمشق، كما يعمل على منع إقامة «حزام أمني» فـي جنوب سوريا على غرار ما كان قائماً فـي جنوب لبنان زمن الإحتلال الإسرائيلي عبر سعد حداد وأنطوان لحد.
فالإنجازات العسكرية رفعت من منسوب الحل السياسي، وأسقطت مقولة إن الرئيس الأسد خارجه، وأعلن الموفد الدولي للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا والمكلّف بحل الأزمة السورية، أن لا حل من دون الأسد الذي يمسك بالسلطة وبالأرض إذ أن المدن الرئيسية وحوالي 12 محافظة معه من أصل 14 إضافة الى أن الشعب السوري فـي أكثريته يؤيّده، ولا يمكن أن يتحقق حل فـي سوريا من دونه، لأن المعارضة التي يسميها من يدعمها بالمعتدلة و كانت تواجهه لا تسيطر على الأرض، ولا تحارب الإرهابيين الذين يقاتلهم الجيش السوري الذي هو وحده مَن يبسط سلطته ويؤمن الأمن فـي أي حل مرتقب، إذ بدأ معارضون يسلمون بالحل من ضمن النظام، إلا بعض المجموعات المرتبطة بتركيا أو السعودية وقطر، فمازالت ترفض بقاء النظام، لكن دون أن تقدّم البديل الذي بدأ يتكوّن على أرض الواقع وهو الجماعات الإرهابية التكفـيرية، فكيف يمكن القبول بها ورفض الرئيس الأسد ونظامه الذي لو سقط، لكانت تقسّمت سوريا، أو سيطر عليها الإرهابيون الذين تمدّدوا الى لبنان الذي أفشل الجيش مشروعهم فـي طرابلس وعرسال وصيدا ولم يتم القضاء عليه نهائياً.
فالحل هو مع الرئيس الأسد، وهذا ما خلُصت إليه زيارة وفد برلماني فرنسي ضمّ أربعة نواب يمثلون كل الإتجاهات السياسية والحزبية فـي البرلمان الفرنسي، وأحدهم جيرار بابت من الحزب الإشتراكي الحاكم، حيث أكّد هؤلاء بعد لقاءاتهم بالمسؤولين السوريين و فـي مقدمهم الرئيس الأسد، أنه لا يمكن إيجاد حل للأزمة السورية من دونه، ومن المستحيل أن يكون خارجه بعد أن صمد أربع سنوات، وهو لديه القدرة على أن يحفظ وحدة الدولة السورية، وأن لا تقسم سوريا ولا ينفجر معها لبنان.
هذه الزيارة التي قوبلت برفض رسمي فرنسي وتمّ التعبير عنه بمواقف سلبية، إلا أن المصادر الدبلوماسية التي اطّلعت على مضمونها أشارت الى أنها ستحدث تغييراً فـي المجتمع السياسي الفرنسي كما فـي الرأي العام المعبأ ضد الجماعات الإرهابية والذي ينظر الى النظام السوري على أنه الوحيد فـي العالم العربي وحتى فـي العالم مَن يحارب الارهاب فعلياً، ولا بدّ من التعاون معه، وهو ما نقله الوفد الى البرلمان الفرنسي للضغط على الحكومة لتغيير موقفها، كما بدأت تفعل دول أخرى، إذ أن أعضاء فـي الكونغرس ومجلس النواب الأميركي زاروا دمشق وإلتقوا الرئيس الأسد، وحاورته وسائل إعلام غربية ومنها أميركية، ولا يمكن قراءة ما يجري فـي سوريا، كما لو أن الوضع مازال على ما كان عليه يوم اندلاع الأزمة، وهو الموقف نفسه الذي حصل فـي تونس ومصر، إذ أخرج الشعبان فـي البلدين الإسلاميين من الحكم ولم يكونوا متشددين، فكيف يمكن ترك الأسد وحده يواجه الإرهابيين، وقد حقّق تقدماً كبيراً فـي مواجهتهم، ويلقى حاضنة شعبية سورية فـي الوقوف معه ضدهم؟.
إن السنوات الأربع التي مرّت على سوريا، وشهدت قتالاً ودماراً وتهجيراً وسقوط آلاف القتلى والجرحى وخسائر مادية كبيرة، فإن العالم بدأ ينظر الى ما يجري فـيها على أنها الحرب الحقيقية ضد الإرهاب وعليه أن يساندها.
Leave a Reply