لم يطالب باسقاط الرئيس الاسد كما فعل جنبلاط.. بل اخراج القوات السورية

في تلك الفترة، تسرّبت معلومات عن أن الرئيس الأسد أسرّ للعماد عون ولموفدين من قبله، كالوزير السابق ألبير منصور والأستاذ فايز قزي، أن القيادة السورية لا تضع «فيتو» على اسم قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر أغضب الرئيس أمين الجميل الذي كان يطمح للتجديد له لولاية ثانية، كما أن مرشحين موارنة خافوا من وصوله، وبدأوا يفتشون عن ذرائع لإبعاده عن رئاسة الجمهورية، إلا أن الاعتراض الأساسي جاء من الإدارة الأميركية آنذاك في عهد الرئيس جورج بوش الأب، التي لم ترحب به، وأوفدت ريتشارد مورفي يفاوض الرئيس الأسد على مرشح آخر، بعدما طلب من البطريرك الماروني وضع لائحة بأسماء مرشحين، فضمت كلاً من بيار حلو، رينيه معوض، فؤاد نفاع، وغاب عنها العماد عون وكذلك الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي أيدت سوريا ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وتم تعيين جلسة لانتخابه، لكن النصاب القانوني لم يتحقق، فتأجلت الجلسة وطار اسمه من التداول، ليظهر فجأة اسم النائب مخايل الضاهر بعد اجتماع الأسد-مورفي، لكن لقاءً مارونياً استثنائياً عقد في بكركي، ورُفض ترشيحه، تحت عنوان أنه يفرض فرضاً، فكان الرد الأميركي الشهير «مخايل الضاهر أو الفوضى».
لم يمشِ رئيس «التيار الوطني الحر» في المخطط المرسوم أميركياً للفريق الحاكم، وابتعد عنه، وكانوا أبعدوه عن الحكومة بعدما ابتعدوا عن التحالف معه في الانتخابات النيابية، وذهبوا إلى التحالف مع قوى 8 آذار عبر «أمل» و«حزب الله» ليكسبوا الأغلبية في مجلس النواب، وهذا ما حصل، وانقلبوا على تحالفهم هذا ،في الوقت الذي ذهب عون إلى التفاهم مع «حزب الله» وإصدار ورقة بينهما، شكلت ركيزة لوفاق داخلي لتحصين السلم الأهلي، كان لها دور فاعل في احتضان المقاومة شعبياً، أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، وقد مر هذا التفاهم بامتحان خرج به الطرفان منتصرين، وأثبت رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير»، أنه ملتزم بتوقيعه كما أنه مؤمن بالمقاومة التي راهن أنها ستواجه العدوان الإسرائيلي وتنتصر، وهو ما ترك خصومه السابقين التحدث عنه على أنه رجل مبادئ، وأنه صادق بتحالفاته، ووفي لتعهداته، وقد نفذ ما قاله اثناء الخصومة مع سوريا والمعارك ضدها بأنه عندما تخرج جيشها من لبنان، ستكون لنا معها أفضل العلاقات وأميزها، وبالرغم من أن هذا الكلام قد لا يلاقي شعبية في «الوسط المسيحي» ولا حتى في قواعده الحزبية والشعبية، التي نشأت على «العداء» لسوريا، فكيف يمكنه أن يعيد ترتيب العلاقات معها، ووافق على زيارتها.لا ينظر العماد عون إلى المكاسب الشخصية، ولا الفئوية في رسمه لخياراته السياسية، بل يعمل بقناعاته، كما يؤكد، التي تؤمن مصلحة لبنان، وكذلك الوجود المسيحي فيه وفي المشرق العربي الذي ينتمي إليه المسيحيون كما يقول عون، الذي ذهب إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتحصين هذا الوجود، الذي يتعرض للتهجير والمجازر والإبادة، في ظل الاحتلال الأميركي ومشروعه للمنطقة.لقد قرر العماد عون أن يذهب إلى سوريا التي ينظر المسؤولون فيها على أنه «خصم شريف» فلم يطعن بها، وهي تخرج من لبنان، كما فعل من قدمت لهم كل شيء ممن كانوا يسمون «حلفاء لها»، وعلى رأسهم وليد جنبلاط الذي انقلب عليها منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وقد أبلغته الإدارة الأميركية، أنها ستحاصر سوريا وستضغط على نظامها، فرأى الفرصة سانحة للانتقام منها كما أعلن هو، وأن ساعة الثأر قد حانت، مع التحولات الدولية تجاهها، وهو ما لم يفعله الجنرال عون، بل نظر إلى المسألة من زاوية المصلحة الوطنية، لا الشخصية، وبعكس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.ففي الحروب تستخدم كل الوسائل والأساليب، أما وقد انتهت الحرب بالنسبة لعون على الوجود السوري بعد خروجه من لبنان، فلا بدّ من شارل ديغول، يصالح الجزائريين، ويقيم صلحاً مع ألمانيا التي دمرت فرنسا في الحرب العالمية الثانية، فتمثل به، وأراد أن يطل على سوريا من موقع رجل الدولة لا رجل السياسة، وأن يصالح سوريا، صلح الشجعان والأبطال، وسيقابله المسؤولون السوريون بالموقف والموقع نفسه.والزيارة هي إلى بلد احتضن المسيحيين ولم يميزهم النظام فيها عن باقي المواطنين، لأن توجّهه علماني لا طائفي، وقد أعطى لكل الطوائف حرية المعتقد وممارسته، وهو ما يحمي الوجود المسيحي الذي تعتبر سوريا مهده ومنه انطلقت المسيحية وفيها كانت أول كنيسة وعلى أرضها أقام أحد رسل السيد المسيح يوحنا المعمدان، وكانت له كنيسة في دمشق، زارها البابا يوحنا بولس الثاني في أهم زيارة له الى الشرق في العام 2001، لأنه وطأت قدماه الأرض التي منها كان التبشير المسيحي، حيث لم يقبل البطريرك الماروني نصرالله صفير أن يرافق البابا بزيارته الى سوريا أو يكون في استقبال رأس الكنيسة وهو بذلك وقف ضد السينودس الخاص بلبنان، الذي دعا المسيحيين الى التفاعل مع محيطهم المشرقي والعربي، وهو ما يمارسه عون من موقعه السياسي، ورفضه صفير من موقعه الديني، لان توجهاته انعزالية لا مشرقية، وهو في كثير من الأحيان يرفض تسميته ببطريرك انطاكية وسائر المشرق، ويكتفي بشعار «مجد لبنان أعطي له».وكما ذهب عون الى طهران بحملة سياسية وإعلامية منظمة استهدفته، لخفض رصيده الشعبي عند المسيحيين، وبأن زيارته الى سوريا ستنهيه فإنه أصر عليها، لأنه لا ينظر الى المكاسب الصغيرة، ولا تحركه العواطف الجماهيرية، أو يحرك فيها غرائزها، بل يذهب اليها كمسيحي مشرقي، هدفه الانفتاح على الجار الأقرب، وبناء علاقات قائمة على التبادل المشترك للمصالح بين الدولتين، ونسف كل علاقات سابقة قامت على مصالح الافراد والسياسيين.






Leave a Reply