دمشق، عواصم – سكتت طبول الحرب على سوريا ولم تسكت مدافعها، فالمبادرة الروسية التي غطت التراجع الأميركي عن توجيه ضربة عسكرية، بدأت تترسخ في مسار الأزمة السورية رغم المناوشات الكلامية التي ظهرت في العديد من المواقف التي أطلقها رؤساء الولايات والمتحدة وروسيا وسوريا، خلال الأسبوع الماضي، كما لم تنجح محاولات بعض الدول الاوروبية في الإلتفاف على اتفاق كيري-لافروف من باب مجلس الأمن لادخال قضية الكيماوي تحت البند السابع، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تماسك المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لهم.
صورة نشرتها مجلة «باري ماتش» الفرنسية لمسلحين يقومون بإعدامات ميدانية |
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مضى خطوة إضافية الى الأمام في دفاعه عن موقف موسكو من الازمة السورية، وخصوصاً التسوية الكيميائية الاخيرة، في اطار التجاذب المستمر بينه وبين الاميركيين. لكن المفاجأة التي ألقاها الرئيس الروسي هذه المرة كانت أكثر بلاغة، اذ ربط بين الترسانة الكيميائية السورية والسلاح النووي الإسرائيلي، مطلقاً دعوة لنزع السلاح النووي من منطقة الشرق الاوسط. وأضاف بوتين، في مداخلة أمام منتدى «فالداي» في شرق روسيا، أن «التفوق التكنولوجي لإسرائيل في ذاته ينفي حاجة هذه الدولة إلى سلاح نووي». وأكد أن «قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل تظل حاضرة وأكثر من حاضرة»، مشدداً على وجوب «العمل على نزع صفة النووي عن مناطق معينة، وخصوصاً الشرق الأوسط».
وفي إطار شد الحبال بينه وبين الإدارة الأميركية بشأن الأزمة السورية، قدّم بوتين ما يبدو انه احد «الادلة التقنية» التي قالت موسكو إنها بحوزتها والتي تنفي تورط الجيش السوري بهجوم الغوطة الكيميائي في 21 آب الماضي، عندما أعلن أن الهجوم نفذ بـ«قذيفة قديمة سوفياتية الصنع لم يعد يستخدمها الجيش السوري».
أما الرئيس الأميركي، الذي يتمسك بالدفاع عن اتفاقه مع موسكو، فقد أدلى بمواقف عدائية ضد الرئيس السوري حين قال في مقابلة تلفزيونية إنه لا يستطيع تصور نهاية للحرب الأهلية في سوريا مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، وأكد أن الهدف الاستراتيجي هو إبعاده عن السلطة (التفاصيل ص ١٢). ولكن الأسد عاد وأكد في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية التزام سوريا بجميع متطلبات انضمامها إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيميائية وموافقتها على تنفيذ مضمونها لجهة عدم تصنيع هذه الأسلحة أو تخزينها أو استعمالها أو توزيعها والتخلص منها وذلك استجابة للمبادرة الروسية و«انطلاقا من حاجات سوريا وقناعاتها والأمر لا علاقة له بالتهديد الذي لم ترضخ له سوريا يوما».
وأشار الأسد في المقابلة، التي تميزت بمشاركة المرشح ِالرئاسيِّ السابق عن الحزب الديمقراطيّ النائب السابق دينيس كوسينيتش، الى أن تدميرَ الاسلحةِ الكيميائيةِ السورية سيُكلِّفُ مِليارَ دولار وسيستغرقُ عاماً واحداً، مضيفاً أنّ الحكومةَ السوريةَ مستعدةٌ لتسليمِ الأسلحة ِالكيميائية لأي بلدٍ يُخاطِرُ بأخذِها. الاسد اكد أنّ سوريا لا تشهدُ حرباً اهلية بل نوعاً جديداً من الحروب. الرئيسُ السوريّ توجَّهَ الى الرئيس ِالاميركي بالقول: «أنصت الى شعبِك».
وعلى الطرف الاخر، قالت الأمم المتحدة السبت انها تسلمت جميع الوثائق اللازمة لانضمام سوريا الى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وان سوريا ستخضع للمعاهدة بدءا من 14 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وعن حظوظ انعقاد مؤتمر «جنيف ٢» قال المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، في مقابلة مع قناة «ار تي أس» السويسرية، «فلنكن واقعيين، بالتأكيد ليس قبل تشرين الأول وعلى الأرجح ليس في بداية تشرين الأول»، رافضا الإدلاء بمزيد من المعلومات، ومشددا على الأهمية الكبرى «للإرادة السياسية» لدى الفرقاء المعنيين، «أي من لديهم تأثير ومصالح أو الاثنان معا». وأضاف «ما يهدد سوريا ليس الانقسام، إنها الصوملة بمعنى عدم وجود دولة وتحولها الى ساحة مفتوحة لأمراء الحرب والعصابات».
وفي السياق، قال كيسنجر في مقابلة مع شبكة «سي أن أن» الأميركية إن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيال سوريا يعود إلى قلقه من تزايد دور الإسلام المتشدّد، معتبراً أن موسكو اختارت توقيتاً مثالياً من أجل تقديم مبادرتها حول وضع السلاح الكيميائي السوري تحت الرقابة الدولية. وأوضح كيسنجر، ردّاً على سؤال حول حقيقة موقف موسكو وما يريده الرئيس الروسي، أن «بوتين يعتبر أن الإسلام المتشدّد هو التهديد الأمني الأكبر لبلاده، كما أنه لا يرغب بأن تحدّد أميركا منفردة اتجاه الأمور في الشرق الأوسط، ولذلك عندما بات البيت الأبيض بموقف محرج مع إمكانية رفض الكونغرس المصادقة على ضربة عسكرية لسوريا، رأى بوتين في الأمر فرصة من أجل التدخّل عبر تخفيف العبء عن الجانب الأميركي ومعالجة مشكلة مشتركة للجانبين».
سوريا تحول أميركا إلى دولة عظمى مراهقة
أصدر مركز «ستراتفور» الإستخباري تقييماً سريعاً للصفقة الأميركية – الروسية، التي -وبحسب المركز- تظهر قلقاً متزايداً لأميركا بدلاً من آيات الثناء لواشنطن على الأسلوب الذي أدارت به الأزمة.
وقال المركز «إن المبادرة الروسية دلت على حاجة الولايات المتحدة إلى دعم من أطراف إقليمية يعينها على تفادي اضطراب هائل آخر في الشرق الأوسط، والمضي في التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية، ما يبرز كابوسا لوجستيا.. يترتب عليه قيام الولايات المتحدة مواجهة الإحساس العام بأنها أضحت دولة عظمى مراهقة بالإمكان وقف سرعة اندفاعها من قبل خصوم أضعف لكنهم أفضل دهاء». وأضاف المركز إن السعودية ستشهد ضغطاً أميركياً هادئاً لوقف دعمها لقوات المعارضة وفسح المجال للحل الديبلوماسي كي يأخذ مجراه.
وأردف بأن المأزق السعودي الأهم هو في التقارب الأميركي الإيراني الذي قد يقوض تحالف السعودية الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واضطرارها للتكيف مع خصمها الإيراني، لكنها ستعمد في المدى القصير إلى استغلال سبل دعمها لقوى المعارضة لتعطيل أي مسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار يأتي عبر التفاوض الأميركي وروسيا.
وفيما يخص الكيان الإسرائيلي، أوضح المركز أنه مرتبك جراء التحاق الولايات المتحدة بموسكو التي تقود إدارة المسألة السورية، أما تركيا المعرضة للتداعي على أكثر من صعيد تتضاءل خياراتها المتاحة نظراً لاضطرارها استيراد معظم احتياجاتها للطاقة من روسيا، كما هي بحاجة إلى حليف خارجي قوي يقف بجانبها للحد من الضغوط الروسية.
«الكيماوي» استخدم فـي سوريا
وفي سياق قضية الكيماوي، أعلنت بعثة خبراء الأمم المتحدة في تقرير لها، قدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأعضاء مجلس الأمن الدولي، أنها عثرت على «أدلّة واضحة ومقنعة على استخدام غاز السارين» في الهجوم على غوطة دمشق، الأمر الذي وصفه بان كي مون بأنه «جريمة حرب». وأضاف «نحن بحاجة إلى بذل قصارى جهدنا لحمل الأطراف في سوريا إلى طاولة المفاوضات». وأعلن «استعداده للدعوة إلى جنيف 2 فوراً».
وقد وجهت دمشق وموسكو، سهام التشكيك الى تقرير المفتشين الدوليين بشأن الهجوم الكيميائي، ما يبدو أنه استباق لإمكانية استخدام واشنطن وباريس ولندن له لممارسة ضغط اضافي على دمشق، مع مواصلة الإدارة الأميركية التهويل بإبقاء الخيار العسكري إذا لم تطبق السلطات السورية الاتفاق الروسي-الأميركي بشأن إزالة ترسانتها الكيميائية. وفي مجلس الأمن عقد مندوبو الدول الخمس الدائمة العضوية اجتماعا، لمدة ساعة، لبحث مشروع قرار يهدد سوريا «باجراءات مناسبة» اذا لم تطبق اتفاق ازالة الأسلحة الكيميائية. واعلن ديبلوماسيون انه تم الاتفاق على عقد اجتماع جديد قريبا. وقال ديبلوماسي إن مشروع القرار الجديد الذي تقترحه فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا يشبه الذي قدمته باريس قبل ايام، ورفضته موسكو.
وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع فابيوس في موسكو، إن لدى روسيا «الأسباب الأكثر جدية للاعتقاد بأنه (هجوم الغوطة) استفزاز»، موضحا أن المسلحين ارتكبوا «الكثير من الاستفزازات حتى يحدث تدخل أجنبي».
وأشار إلى أن تقرير محققي الأمم المتحدة أثبت أن أسلحة كيميائية استخدمت، لكنه «لا يجيب عن عدد من تساؤلاتنا» بما في ذلك ما إذا كانت الأسلحة أنتجت في مصنع أم أنها محلية الصنع. وأضاف «نريد تحقيقا نزيها وموضوعيا ومهنيا في أحداث 21 آب».
وانتقدت الولايات المتحدة بشدة لافروف اثر تأكيده مجددا أن الهجوم الكيميائي على الغوطة ليس من تنفيذ النظام السوري، معتبرة انه «يسبح عكس التيار». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بيساكي «لقد قرأنا بالطبع تعليقات الوزير لافروف. انه يسبح عكس تيار الرأي العام العالمي، والاهم من ذلك، عكس الوقائع»، مكررة تحميل السلطات السورية مسؤولية الهجوم.
ميدانيات
ميدانياً، وأمام مواصلة الجيش السوري عملياته العسكرية في المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق والقضاء على ماتبقى من جيوب وانفاق في الضواحي لتأمين مناطق حساسة مثل طريق المطار الدولي ومطار المزة العسكري، برزت خلافات واقتتالات بين صفوف المعارضة في أماكن نفوذهم وخاصة شمال سوريا، بالقرب من الحدود التركية.
وقد انفجر الصراع للسيطرة على بلدة أعزاز بين مجموعات المعارضة السورية، إذ ظهر تمسك «الجيش السوري الحر» بإحدى أبرز النقاط الحدودية الشمالية مع تركيا بإصراره على استعادتها من دون الدخول في مواجهة شاملة مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي سيطر عليها بشكل مباغت الثلاثاء الماضي.
وفي تطور لافت، أكد الجيش السوري، اختراق طوافة عسكرية تابعة له الأجواء التركية عن طريق الخطأ، لكنه أشار إلى أن السلطات التركية تسرّعت بإسقاطها «حيث أنها كانت في طريق العودة»، متهما الحكومة التركية بتوتير الأجواء على الحدود بين البلدين.
كما برزت الاسبوع الماضي عودة قذائف الهاون لتسقط بكثافة على العاصمة السورية، بينما كانت القوات السورية تحرز تقدما ميدانيا مهما في ريف دمشق حيث سيطرت على ضاحية شبعا الواقعة على طريق مطار دمشق.
من جهتها نقلت قناة «روسيا اليوم» عن مصادر عسكرية أن الاشتباكات بين الجيش السوري ومقاتلي «جبهة النصرة» تجددت في محيط بلدة معلولا شمال دمشق. ولفتت القناة إلى أن وحدة خاصة من الجيش السوري تمكنت من قتل العشرات من مسلحي «النصرة» غرب معلولا.
الاعلام الغربي يعترف بوحشية المسلحين
وكان لافتاً خلال الأسبوع الماضي انفتاح الإعلام الغربي على كشف وحشية ممارسات المعارضة السورية في المناطق التي تسيطر عليها، فقد نشرت مجلتا «باري ماتش» الفرنسية والـ«تايم» الأميركية صوراً تجسّد «بشاعة الجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة» في سوريا وصوراً لعمليات ذبح لموالين للنظام السوري.
فقد اختارت «باري ماتش» صورة صادمة جدّاً لغلاف عددها الأخير (11/9 ـــ تحت عنوان «إظهار ما لا يُحتمل») تمثّل عملية ذبح ميدانية نفّذها «جهاديّون» بحق «أحد الموالين لبشّار الأسد» في 31 آب (أغسطس) الماضي. وفي النص الذي يمهّد لما سيقع عليه القارئ في الصفحات الداخلية، توجّهت المجلة الفرنسية إلى الجمهور بالقول: «عندما تقلبون الصفحة ستكتشفون صوراً صادمة تجسّد إعدامات وحشية لمؤيدي النظام المعتقلين لدى الثوّار».
من جهتها نشرت مجلة الـ«تايم» مقالاً مرافقاً لصور مماثلة من النزاع الذي «يتخذ طابعاً طائفياً»، مشددةً على أنّه بات يصعب التفريق بين «الصالح والطالح في سوريا»، قبل أن تعرض نصاً كتبه الصحافي الأجنبي نفسه من دون أن تذكر إسمه «لحمايته». الصحافي الذي شهد أربع عمليات مماثلة في اليوم نفسه، تحدّث بالتفصيل عن اللحظات التي سبقت عملية الذبح وبعدها، خصوصاً «حفلة التصفيق التي انطلقت بعدما حمل أحدهم الرأس ولوّح به عالياً»، وختم قائلاً بأنّ «الحرب في سوريا تشبه ما كان يحدث في القرون الوسطى. ما عشته يومها يشبه إلى حد كبير المجازر التي قرأنا عنها في كتب التاريخ. لا بل أفظع».
وعرضت صحيفة «دايلي مايل» البريطانية مجموعة من الصور لعملية إعدام بقطع الرأس لعدد من الموالين للنظام السوري على يد أفراد من القاعدة أمام أعين الأطفال.
ونشرت صحيفة «تلغراف» البريطانية، أجزاء من دراسة أجراها المعهد البريطاني للدفاع «آي اتش اس جينز»، حول مسلحي المعارضة، وتشير الدراسة إلى أن «الجهاديين» و«الإسلاميين المتشددين»، يشكلون تقريبا نصف عديد مسلحي المعارضة السورية. وبحسب الصحيفة فإن الدراسة تستند إلى مقابلات مع مسلحين من المعارضة وإلى تقديرات استخبارية، أظهرت أن عدد المسلحين الذين يقاتلون ضد الأسد يقدر بحوالي مئة ألف مقاتل لكنهم تفككوا بعد سنتين من القتال ليتوزعوا على حوالي ألف مجموعة مسلحة مختلفة.
ووفقا لتقديرات خبراء معهد «جينز» فإن حوالي عشرة آلاف، من ضمنهم مقاتلون أجانب، من هؤلاء هم من «الجهاديين» ويقاتلون تحت ألوية جماعات مرتبطة بـ«القاعدة»، في حين أن 30 الفا إلى 35 ألفا آخرين هم من «الإسلاميين» يقاتلون في إطار مجموعات مسلحة متشددة تتبنى فكر «القاعدة» لكنها تركز على القتال في سوريا أكثر من غيرها. وأحصت الدراسة بحسب الصحيفة حوالي 30 ألفاً من المقاتلين اصحاب النزعة الاسلامية، ما يعني أن قلة قليلة من مسلحي المعارضة هم من المعتدلين أو من اصحاب النزعة الوطنية الصرفة.
وفي سياق آخر، أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، الخميس الماضي، أن فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمى «جهاد النكاح» عدن إلى تونس حوامل من أجانب يقاتلون الجيش السوري. وقال بن جدو، خلال جلسة مساءلة أمام المجلس التأسيسي (البرلمان)، «يتداول عليهن (جنسيا) عشرون وثلاثون ومئة (مقاتل)، ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح، ونحن ساكتون ومكتوفو الأيدي». وأضاف ان وزارة الداخلية منعت منذ آذار الماضي ستة آلاف تونسي من السفر الى سوريا، واعتقلت 86 شخصا كونوا «شبكات» لإرسال الشبان التونسيين الى سوريا.
وذكرت وسائل إعلام تونسية مؤخرا أن «مئات» التونسيات سافرن إلى سوريا من أجل «جهاد النكاح» وان كثيرات منهم حملن من مقاتلي «جبهة النصرة». ونسبت فتوى «جهاد النكاح» إلى الداعية السعودي محمد العريفي الذي نفى أن يكون أصدرها.
Leave a Reply