يد الغدر والإرهاب التكفيري السفَّاح كانت تعمل تحت جنح الظلام من أجل تقديم «عيدية» دموية في عيد الأضحى المبارك للبنانيين، بتفجير سيارة مفخَّخة في الضاحية الجنوبية وفي محلَّة المعمورة-الرويس بالذات غير البعيدة عن مكان الإنفجار الإجرامي الأول. لكن العناية الإلهية أحبطت أعمال التكفيريين الشيطانية وتم الكشف عن السيارة قبل حصول الكارثة في منطقة مكتظَّة بالسكان الشرفاء من أنصار المقاومة.
تُعدُّ المرحلة في لبنان اليوم الأكثر خطراً من الناحية الأمنية بعد الإتصال الرسمي الأميركي الإيراني، ولو هاتفياً، وبعد المرونة والإعتدال اللذين أظهرهما مع الغرب رئيس إيران الجديد الشيخ حسن روحاني الذي يبدو أكثر إرتياحاً في دوره كرئيس للجمهورية الإسلامية منه كرجل دين. فالمشاكل لم تتم تسويتها بعد بين أميركا وإيران وما يفرقهما هو أكبر بكثير مما يجمعهما لكن رغم ذلك جُنَّ جنون السعودية قبل إسرائيل خصوصاً إنَّه جاء بعد الإتفاق الأميركي الروسي المشترك الذي جنَّب منطقة الشرق الأوسط، وربَّما العالم، حرباً مجنونةً لا يمكن السيطرة على امتداداتها المدمِّرة! هذا الغضب السعودي أدَّى الى إهمال الملف اللبناني وحتى منع الحجَّاج السوريين من تأدية مراسم الحج هذا العام.
هذا الموقف الحانق نجم عنه حدثان رئيسيان شكَّلا عنوان المرحلة هما الإنتقاد اللاذع الذي وجَّهه السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان الذي هو «المرشد» الأعلى لقرطة حنيكر الآذارية، إلى السعودية علناً وبشكلٍ غير مسبوق مستخدماً تعابير تمَّ تداولها لأول مرة في اللغة الدبلوماسية متَّهماً إيَّاها بالوقاحة وعرقلة الحكومة في لبنان وناعتاً حكَّامها بأقذع النعوت فيما يُعتبر «هجراً» للرياض في مخدع العلاقة الزوجية بينهما، مما جعل الوقت يحين بالنسبة إلى آل سعود للتوجُّه نحو الشرق، روسيا والصين، من أجل التسلُّح في خطوةٍ ذات مغزى. ويبدو أنَّ عدم استقبال ميشال سليمان في الرياض قد أغاظ الأميركيين الذين قد يكونوا إتخذوا قرار التمديد لسليمان. ومهما يكن فإنَّ العلاقة الأميركية السعودية المتوترة ستكون لها تداعيات سلبية في لبنان.
أمَّا الحدث الثاني فهو ربَّما مرتبطٌ بالأول ويتضمَّن شعوراً بالإحباط لدى التيار «الزرقاوي» وزعيمه المهاجر بأنَّ السعودية تخلَّتْ عنهما وقت الشِدَّة سبقه تصريح لنهاد المشنوق منذ أيام بأن السعودية «تعاقب حلفاءها». إذ أنَّ الذين يسمُّون أنفسهم حلفاءً لم يفهموا المناورات التي يقوم بها سفير العائلة المالكة علي عوَّاض «الأسيري» بخطب ود العماد ميشال عون ظنَّاً منها أنَّ شعلة الذكاء السياسي المتوقِّد لدبلوماسي العائلة الحاكمة سوف تحيِّد «التيار الوطني الحر» عن المقاومة أو تفك تحالفه معها!
والواقع إنَّ الموقف السعودي لا يُحسد عليه أبداً منذ انهيار مخطَّط معركة حلب الكبرى والساحل السوري و«الفيلم الكيميائي» الفاشل في الغوطة، حيث بدأت تتكشَّف السيطرة التكفيرية «القاعدية» على الأرض بعد تصفية فلول ما يُسمَّى «الجيش الحر» لصالح تمدُّد «الدولة الإسلامية في الشام والعراق» (داعش) الارهابيَّة مما حدا بلجنة حقوق الانسان الآن، وبعد سباتٍ عميق، أنْ توجِّه الإدانة للمجموعات الإرهابيَّة على ارتكاب مجازر في ريف اللاذقية. هذا الإنتقاد الفريد من نوعه وبعد هزيمة «الجيش الحر» المدعوم غربياً وخطر وصول التكفيريين إلى حدود العثمانيين والتزام الحكومة السورية بتعهداتها بنزع السلاح الكيميائي، لم يكن ليحصل من دون نقلة نوعية في السياسة الاميركية والغربية التي كانت متحمِّسة منذ شهرٍ فقط للعدوان المدمِّر على سوريا. لقد بات الخوف التركي كبيراً اليوم إلى درجة قصف مواقع «داعش» القريبة من الحدود مع سوريا خوفاً من تمدُّد الإرهابيين، في تحالفٍ غير معلن مع الجيش السوري والجيش المصري اللذين يقاتلان عدواً واحداً مشتركاً. وكما قال الرئيس الأسد مراراً إنَّ الذين دعموا الإرهاب سوف يكتوون بناره لاحقاً!
لقد فشلت الحرب الكونية على دمشق وكشَفَتْ المستور من تآمرالدول الخليجية وجماعة «الإخوان المسلمين» الذين سرقوا رحيق «الربيع العربي»، ثم حصل الإنقلاب على «حُكم الإخوان» بعد فشلهم الذريع في إدارة السلطة خصوصاً في مصر. كذلك أدَّى الصمود السوري إلى تفكُّك الجامعة العربية ذات النشأة البريطانية الإستعمارية وغير المأسوف على مصيرها، وإلى انهيار الأحادية القطبية الاميركية لصالح الثنائية وحتى الثلاثية والمشاركة العالمية.
وآخر الغيث، حركة «حماس» التي تسعى للمصالحة مع سوريا رغم طعنها لها في الظهر وقلّة وفائها وتخلِّيها عن المقاومة للإلتحاق بـ«الإخوان» والتكفيريين الذين تبيَّن أنَّ كل همهم هو السلطة وكلامهم في الجهاد وتحرير فلسطين على مرٌِ السنين كان هُراءً بهراء. «حماس» وخالد مشعلها باعا سوريا ظنَّاً منهما أنهما يشتريان قطر، فانتقل مشعل إلى الدوحة ليسكن قصورها ويمارس الرياضة اليومية متخلياً عن الثورة الفلسطينية ومتبنياً «الثورة السورية» إلى درجة التلويح بعلم الانتداب الفرنسي! أمَّا رئيس وزراء «حماس» الذي انتهتْ مدَّة صلاحيته، إسماعيل هنية، فلم يترك يدي يوسف القرضاوي تعتبان عليه من التقبيل وقص اظافرهما وذلك في عز دين تحريضه على القتل المذهبي والطائفي ضد المسلمين.
واليوم يُحكى عن عودة مشعل إلى سوريا بعد انكفاء وانهيار الدور القطري لصالح الدور السعودي لأنَّ مشعل وتياره «الإخواني» حصدا الخيبة والذل والعار والعبودية من قطر ومن غير المفهوم كيف يلتجيء بالأصل الى دولٍ تركت الشعب الفلسطيني يموت في غزَّة عدة مرات بسبب البربرية الإسرائيلية. حتى محمد مرسي بتاع «الإخوان» المخلوع في مصر لم يبعهم إلا الكلام في الجولة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على غزة ولم تنفع المقاومة الفلسطينية إلا الصواريخ التي أعطتها لها سوريا وإيران والمقاومة.
وفي محاولة لتنظيف سمعة مشعل ذكر أحد الناطقين باسمه أنَّه لم يعرف أنُّه كان يلوح بعلم الانتداب الفرنسي. وهذه مصيبة اعظم من أنَّه لو كان يعرف، فكيف تلوِّح بخرقة لا تدري ماهي يعطيك إياها أي قاطع طريق؟! وهل هذا يعني أنَّ مشعل حول «حماس» الى cheerleader خليجية؟! ثم ماذا عن المشاركة في المعارك والتصاريح «الحمساوية» ضد سوريا؟ وماذا عن الأنفاق والخطط العسكرية التي تعلَّمتها «حماس» من محور المقاومة وطبَّقتها في سوريا مع التكفيريين؟! المقاومة اليوم مُحرجة من موقف «حماس»، فهي لا تريد التخلي عن الثورة الفلسطينية أمام «زحفطونية» محمود عبَّاس الذي يكاد يبيع بيته الشخصي لإسرائيل، ولكن كيف تأمن بعد اليوم لمن لم يحفظ الجميل وباع التحالف والعرفان لأول مشترٍ؟! الحل هو بتعزيز التحالف مع أشخاص وطنيين داخل «حماس» من الذين لم يغرَّهم المال الخليجي ولا النفاق «الإخواني» مثل الزهَّار وغيره من المخلصين للقضية الفلسطينية.
وبمناسبة الكلام عن تضارب المصالح، نحن نعرف أنَّ السياسة لا ربَّ لها ولا منطق أحيانا كثيرة، ولكن ليست السياسة الإسلامية الإيرانية، ولهذا لا نعلم السبب أو الهدف أو الغاية المنشودة من زيارة السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي لفؤاد السنيورة أفندي بل وتسليمه رسالة شكر من الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وتهنئة بالأعياد!!
ذلك أنَّه احتفاءً بزيارة الغضنفر، قام السنيورة بنفس اليوم بزيارة مقر البطريركية الكاثوليكية، ثم «فَقَعَ» تصريحاً نارياً ضد ولاية الفقيه قال فيه بالحرف إنَّ «التطرف الآتي من خارج الحدود العربية المنطلقة من نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود، والذي يطرح شيئًا يمس المنطقة العربية ويخلق حالة من الإرتجاجات في المنطقة».
فهذا إبن سنيورة يا غضنفر إنْ كنت جاهله… حرب تموز و١١ ملياراً وجبال نفايات والأسير والتكفيريون والمؤامرات تعرفه؟!
إنَّ هذه الزيارة هي أكبر إهانة للشهداء والشرفاء والوطنيين الذين يقف السنيورة وجماعة إسرائيل في لبنان ضدهم وهي لم تكن لتتم في عهد الرئيس الإيراني السابق.
Leave a Reply