كثر الحديث الإعلامي في الآونة الأخيرة عن إحتمال التوصل لمعاهدة سلام سورية إسرائيلية، يتم بموجبها إستعادة هضبة الجولان المحتلة وتنبع أهميتها في كونها منطقة إستراتيجية للجانبين، فهي تطل على العاصمة السورية ما يجعل المدينة ساقطة عسكريا في حال نشوب صراع مسلح بين الدولتين، وفي الوقت ذاته يعتبرها الكيان الإسرائيلي خطا دفاعيا أولياً عن حدوده الشمالية، وتلك مسألة دفعت تل أبيب إلى ضمّ الهضبة في وقت مبكر 1981 وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، بما في ذلك عدة آلاف مازالوا يقطنوها من السوريين، مثلها في ذلك مثل القدس التي اعتبرتها إسرائيل جزءاً من كيانها عقب إحتلالها مباشرة.
ولأن سوريا تعجز عن تحرير الجولان في معركة عسكرية صمّاء، في ظل إختلال التوازن العسكري بينها وبين إسرائيل، فإنها عمدت منذ عقود إلى تطوير وسائل دفاعية بديلة، من شأنها إطالة أمد الصراع والضغط على العدو وصولاً إلى التفاوض وتحرير أرضها المحتلة، تجلى ذلك في دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين، وإقامتها تحالفا بينها وبين إيران جلب لها المال والسلاح وجعلها قوة إقليمية يحسب لها حساب، في التورط الأميركي في العراق، وفي التأزم السياسي في لبنان، وفي المعضلة الفلسطينية، إضافة إلى دورها غير المباشر المؤثر في العلاقات الإيرانية الخليجية مع ما تشتمل عليه تلك العلاقات من مخاوف والتباسات.
ثم أن سوريا لم يرقها العلاقات المميزة التي ربطت في السنوات الأخيرة تركيا بإسرائيل، لما يعني ذلك من تهديد لأمنها الإستراتيجي، لذلك سعت إلى فتح صفحة جديدة مع هذه الدولة الهامة، ولو كان ذلك على حساب تخلّيها عن دعم حزب العمال الكردستاني بعدما تبين أنه يسعى لإقامة دولة كردية مستقلة على مثلث تركي عراقي سوري، فضربت بذلك عدة عصافير بحجر واحد، آخرها توسّط أنقرة في مفاوضات مباشرة بين تل أبيب ودمشق، أسفرت عن تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بالإنسحاب من الجولان، في حال التوصل إلى إتفاق سلام.
لكنه إتفاق غير قابل التطبيق على الأرض، فأولمرت ضعيف وتلاحقه الفضائح ولم يعد الإسرائيليون يثقون به وبسياساته، وهو سيخسر منصبه شاء أم أبى، والولايات المتحدة غير مستعدة في هذه المرحلة الإنتخابية للدخول على خط التفاوض، أو رعاية معاهدة سلام من هذا النوع، ناهيك عن فرض إسرائيل لشروط مسبقة على سوريا بضرورة فك علاقتها الإستراتيجية بإيران والتخلي عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ما يعني أن المسألة برمتها مناورة دبلوماسية تلعبها كل من إسرائيل وسوريا لتمرير الوقت كل على خاطره ووفق حسابات داخلية حزبية تهم أولمرت وأخرى خارجية تهم سوريا، فهذه الأخيرة ترغب في انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش دون إقدامه على عمل جنوني موتور ضدها، حتى لو كان في آخر أيامه، بانتظار مرحلة جديدة على مستوى الإقليم والعالم سوف يرسيها رئيس أميركي جديد، يتلهف العرب جميعا أن يكون ديمقراطيا.
ذلك لا يعني بالضرورة تجميد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط من الآن ولحين إنتخاب رئيس أميركي جديد، فرئيس الوزراء الإسرائيلي قام الأسبوع الماضي بزيارة إلى واشنطن، هدفها أخذ الضوء الأخضر لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، سيناريوهاتها جاهزة في مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، مثلما هو جاهز سيناريو عدوان واسع النطاق على غزة يلوّح به الإسرائيليون إذا ما فشلت مفاوضات الساعة الأخيرة مع حماس لإنجاز هدنة يريدها أيهود باراك أمناً مقابل أمن، مع ترك المعابر مقفلة والفلسطينيون جوعى.
نجحت المركبة السورية في المرور عبر البوابة اللبنانية بضوء أصفر، فهل تنجح بالمرور عبر البوابتين الإيرانية أو الفلسطينية بالضوء نفسه؟!
Leave a Reply