عمر معربوني
بعد انتهاء عمليات الغوطة الشرقية وتحريرها من الجماعات الإرهابية، واستكمال عمليات تحرير القلمون الشرقي والحجر الأسود كنّا على يقين بأن عمليات الجيش السوري ستنتقل إلى الجنوب السوري على وَقْعِ التهديدات الأميركية والصهيونية بمنع الجيش السوري من بدء عملياته في الجنوب السوري، والذريعة أمن إسرائيل ووجود قوات لإيران وحزب الله وهو ما ترجمته إسرائيل بسلسلة اعتداءات على مواقع مختلفة في سوريا، سبقها عدوان ثلاثي أميركي–بريطاني–فرنسي في الرابع عشر من نيسان (أبريل) 2018 بـ 103 صواريخ جوّالة مختلفة الطُرُز، أسقطت الدفاعات الجوية السورية منها 71 صاروخاً وهو الأمر المُشابه لاعتداء مُماثِل على مطار الشعيرات بـ 59 صاروخاً جوّالاً بتاريخ 7 أبريل 2017 أصاب 23 منها أهدافه، في حين لم تصل الصواريخ الـ 36 الباقية إلى أهدافها وبقي حينها أمر عدم وصول هذه الصواريخ إلى أهدافها غير واضح، فلا القيادة السورية أشارت إلى السبب ولا القيادة الأميركية برّرت عدم وصول الصواريخ إلى أهدافها.
في العاشر من أيار (مايو) سنة 2018 كنّا أمام تحوّل كبير تمثّل في إطلاق عشرات الصواريخ السورية على مواقع حسّاسة إسرائيلية مرتبطة، وهي مواقع للرصد الإلكتروني ومواقع للقيادة والسيطرة ليتحوّل الأمر إلى اشتباك استمر لساعات بين الصواريخ والطائرات الصهيونية من جهة ووسائط الدفاع الجوي السورية من جهة أخرى.
الهدف من هذه المُقدّمة هو الإشارة إلى أنّ طبيعة الميدان في هذه المرحلة ترتبط بسعي قادة الكيان الصهيوني لتثبيت قواعد اشتباك لمصلحتهم، بعد الخَلَل الكبير في ميزان القوى لمصلحة محور المقاومة عقب عملية ربط الحدود السورية–العراقية، التي يعتبرها قادة الكيان الصهيوني تحوّلاً جذرياً لمصلحة محور المقاومة، وهو أمر صحيح لجهة حجم القوى البشرية والوسائط القتالية المُضافة التي يمكن أن تشارك في أية مواجهة شاملة قادمة، وهو أمر لم يخفه قادة المحور من الرئيس بشّار الأسد إلى السيّد حسن نصرالله إلى قادة فصائل المقاومة العراقية.
قبل بدء عمليات الجيش السوري في الجنوب كنّا أمام تصريح لـ أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الصهيوني بتاريخ 15 حزيران (يونيو) أنه لا توجد قوات إيرانية أو تابعة لحزب الله اللبناني في جنوب سوريا، وهوتصريح يُظهِر عجز إسرائيل أمام التحوّلات ويبرّر عدم استعداد قادتها للدخول في مواجهة مباشرة مع الجيش السوري، وهو الأمر نفسه الذي جاء في بيان للسفارة الأميركية في الأردن يترك لما أسمته فصائل المعارضة السورية حرية التصرّف واتّخاذ القرار المناسب بمواجهة عملية الجيش السوري.
من المؤكّد أنّ الجانب الروسي لعب دوراً أساسياً في المباحثات مع أميركا وإسرائيل وهو ما تجلّى في الموقفين الصهيوني والأميركي وتراجع الإسرائيليين عن مواقفهم التهديدية، وحَصْر مُطالباتهم بتنفيذ اتفاق فكّ الاشتباك عام 1974 مع الجيش السوري والإبقاء على لهجة مُرتفعة بما يرتبط بالوجود العسكري الإيراني في سوريا، مترافقة مع اعتداءات آخرها كان على قاعدة الـT4 الجوية بذريعة وجود قوات إيرانية فيها.
بعد تحرير الغوطة الشرقية قلنا حينها إننا سننتقل في المشهد الميداني من مرحلة المعارك الكبرى والصعبة إلى مرحلة المعارك السريعة والسهلة بسبب توافر احتياطي استراتيجي كبير للجيش السوري في القوى والوسائط، وقوات زّج واقتحام كبيرة مدعومة بقوّة نارية استثنائية برّاً وجوّاً، مكّنت الجيش من تحقيق عامل الحرب الخاطِفة بهوامش مناورة عالية جدّاً أدّت إلى انهيارات سريعة في المناطق الصعبة والمفتاحية كمنطقتي اللجاة وبصر الحرير.
كان واضحاً منذ بداية العملية أن الجيش السوري يكرّر سيناريوهات استخدمها سابقاً من خلال التوازي بين الاندفاعات السريعة على المستوى العسكري وتحقيق تسويات ومُصالحات كانت نِتاج جهد مشترك للجان المُصالحة والعمل الإستخباراتي والجهد المتواصل لمركز حميميم الذي كان له دور هام ومفصلي في تسريع استسلام الجماعات المسلّحة وتسليم أسلحتها.
على المستوى العملاني نفّذت الوحدات السورية المُتقدّمة عمليات خرق سريعة من الشمال الشرقي لمحافظة درعا حتى خط الحدود جنوباً مع الأردن، لتبدأ بعدها بتنفيذ عمليات تقدّم عرضية على خط الحدود مع الأردن بطول بمسافة تجاوزت الـ90 كلم من خط الحدود وصولاً حتى زيزون شمال غرب على خط التماس مع «جيش خالد»، وهو تابع لتنظيم «داعش» الإرهابي الذي يسيطر على 250 كلم2 من منطقة حوض اليرموك.
تقدم الجيش السوري من خلال مناورة الالتفاف عبر خط الحدود حيث أغلق على مسلّحي مدينة درعا كافّة خطوط الإمداد ووضعهم داخل الطوق، ما أنتج اتفاقية ترحيل لمسلّحي جبهة النصرة، ما يعني تحرير المدينة ومحيطها المباشر في القريب العاجل ويؤمّن السيطرة على أكثر من نصف مساحة الريف الغربي لمحافظة درعا، في حين أن استكمال التسويات في مدن نوى وانخل وجاسم وبلدات كفرشمس ونمر والحارة سينهي سيطرة الجماعات الإرهابية على الريف الغربي كاملاً، لتنحصر العمليات في ريف القنيطرة الذي يفرّ إليه أغلب المتمّنعين عن الدخول في التسوية والمُصالحة.
بالنظر إلى التسارُع في سير العمليات العسكرية من المؤكّد أننا سنكون أمام نتائج على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية.
عسكرياً: باستكمال العمليات العسكرية حتى خط الاشتباك مع الجولان السوري المحتل بعد تحرير منطقة سيطرة داعش جنوب غرب وصولاً حتى جباثا الخشب شمالاً مروراً بالقنيطرة والحميدية وخربة الحميدية، يحقّق الجيش السوري العودة إلى كامل نقاط انتشاره السابقة ما قبل إطلاق الحرب على سوريا على خط الاشتباك مع الجيش الصهيوني، إضافة إلى ذلك رفع الاحتياطي في القوى والوسائط لاستخدامه في معارك الشمال السوري.
اقتصادياً: ستكون لفتح معبر نصيب نتائج هامّة في إعادة تفعيل حركة الترانزيت والتجارة عبر المعبر والمستفيد المباشر من فتح المعبر، الأردن وسوريا ولبنان.
سياسياً: من المؤكّد أن أية مفاوضات مقبلة مع الدولة السورية ستكون مختلفة عن المفاوضات السابقة، فمع كل تقدّم ميداني واستعادة للجغرافيا كنّا نشهد تحوّلات سياسية لمصلحة الدولة السورية، وهو ما سيحسّن شروط الدولة السورية لاحقاً ويساهم في تعجيل إنهاء الحرب التي استنزفت قدرات الدولة والشعب في سوريا.
Leave a Reply