جيمس زغبي
لعبت روسيا بقيادة فلاديمير بوتين لعبة اختبار شجاعة ورباطة جأش الغرب، وعلى ما يبدو فازت. وعلى خلاف كثيرين في التيار اليساري في الحزب الديمقراطي، اعتقدت في وقت مبكر أنه كان يجب على حلف شمال الأطلسي (ناتو) إرسال قوات إلى أوكرانيا ليوضح بجلاء أن الحلف لن يتهاون تجاه أي تهديد لسيادة أوكرانيا حتى لو لم يكن البلد عضواً في الحلف.
وقرأ بوتين تردد الغرب في الرد الذي لم يتجاوز الكلمات –والآن العقوبات– على أنه ضعف. فالكلمات لا تعني شيئاً، وروسيا وأثرياؤها أصحاب النفوذ السياسي صمدوا طويلاً أمام العقوبات. والتحدي العسكري المباشر هو ما لم يكن بوسعهم التصدي له. ولسوء الحظ، تمكنت روسيا من مهاجمة أوكرانيا دون أي تحد مؤثر. وناقش القادة والمعلقون السياسيون الأميركيون على مدار أسابيع، الرد الأميركي المناسب على تهديد روسيا لسيادة أوكرانيا. وبدلاً من أن نشهد نهجاً صقورياً متوقعاً من «الجمهوريين» في مقابل الحمائم «الديموقراطيين»، احتدمت المناقشات داخل كل حزب وركزت على مسائل مهمة لكنها هامشية نوعاً ما – وليس على القضايا محل الرهان.
فقد أشاد الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل غريب ببوتين باعتباره عبقرياً وداهية، بينما سأل كثيرون من «الجمهوريين» في معسكره، «لماذا يجب علينا الدفاع عن الأوكرانيين؟ هل سيقاتلون للدفاع عنا؟». وانتقد التيار العام من «الجمهوريون» ببساطة ضعف الرئيس بايدن دون تقديم بديل. وفي المقابل، أيد معظم التيار العام «الديمقراطي» تردد بايدن في الالتزام بإرسال قوات عسكرية والاكتفاء بفرض عقوبات على الأوليغارشية الروسية ومؤسساتها. وطالب بعض «الديمقراطيين الليبراليين» وبعض «الجمهوريين المحافظين» بايدن بأن يسعى للحصول على موافقة الكونجرس قبل إرسال قوات للدفاع عن أوكرانيا.
وانخرط «ديمقراطيون» أكثر ميلاً لـ«اليسار» في عملية جلد ذات غريبة، قائلين: «كيف نجرؤ على قول أو فعل أي شيء، وتاريخنا حافل بانتهاك القانون الدولي وغزو البلدان ذات السيادة؟». وفي الوقت الذي يستمر هذا الحديث بشأن اتباع سياسة جادة، لا تلقى الجوانب المثيرة للقلق للغاية من الهجوم الروسي اهتماماً كبيراً. وأهم هذه الجوانب، ماضي الشعب الأوكراني وحاضره ومستقبله. فهذه الجوانب المهمة يتجاهلها الجدل السياسي الذي يدور حول روسيا مقابل «الناتو»، أو بوتين مقابل بايدن. وبصفتي رئيس مجلس مقره واشنطن، أعمل مع أوكرانيين أميركيين. وأعرف تاريخهم، ويفخر الأوكرانيون الأميركيون ببلدهم وتراثهم وثقافتهم واستقلالهم. فقد أغفلت المناقشات السياسية الخاصة بأوكرانيا ما مرت به البلاد حتى وصلت إلى ما هي عليه، بعد ثلاثة عقود فقط من انتهاء الحرب الباردة.
وبعد أن خرجت أميركا منتصرة على الاتحاد السوفييتي فيما يبدو، وأعلن صانعو السياسة والمحللون «نظاماً عالمياً جديداً» أصبحت الولايات المتحدة فيه القوة العظمى الوحيدة في العالم. والجدير بالذكر أن صدام حسين حين غزا الكويت واحتلها، اتبع الرئيس الأميركي جورج بوش الأب القواعد وسعى إلى الحصول على دعم الأمم المتحدة لتحرير الكويت وشكل تحالفاً دولياً للتحرير. ولم تحترم الإدارات الأميركية المتعاقبة، النظام الدولي بمثل هذا القدر. وتجلى هذا على أوضح ما يكون في الغزو والاحتلال الأميركي للعراق. فقد أضعفت حرب العراق الولايات المتحدة عسكرياً وجعلت الأميركيين يخشون التدخلات الخارجية ويتخوفون منها، كما أضرت هذه الحرب بهيبة الولايات المتحدة. وتمثل التأثير الأبعد أثراً لهذه الحرب في تأثيرها على «النظام العالمي». ودخلنا بقدرتنا المنخفضة وغطرستنا إلى عالم متعدد الأقطاب تعمل فيه قوى عالمية وإقليمية انفرادياً لإبراز قوتها حين تشعر أنها بمقدورها الإفلات بفعلتها. لقد اختفى «النظام العالمي الجديد» ودور الأمم المتحدة وسيادة القانون وحل محلها قانون الغاب بعد حرب العراق.
والاعتراف بالخطأ في سلوك الولايات المتحدة الماضي الذي ساهم في تفكيك سيادة القانون لا يضعني بأي حال من الأحوال في صف «اليساريين الانعزاليين». فذنوبنا الماضية لا تعفينا من مواجهة المسؤوليات الحالية. والشعب الأوكراني يستحق أكثر من صلواتنا. وأفضل نهج للعمل هو الاعتراف بأخطائنا الماضية، والالتزام بإعادة احترام سيادة القانون، والعمل على تصحيح الضرر الحالي الذي يلحق ببلد وشعب ليسوا بيادق في «لعبة الأمم» الخشنة.
Leave a Reply