وليد مرمر – لندن
لم تكد قناة «الحرة» المملوكة والمُدارة من قبل الحكومة الأميركية تبث الحوار الذي أجرته المقدِّمة ليال الإختيار، مع وزير الخارجية «المعفي من مسؤولياته»، شربل وهبة، حتى بدا المشهد السياسي اللبناني وكأن إعصاراً قد عصف به، رغم أن هذا الإعصار لم يكن إلا زوبعة في فنجان التسويات القادمة إلى المنطقة. لكنها زوبعة أجبرت الوزير وهبة على تقديم استقالته ودفعت بممثل المملكة السعودية في لبنان، وليد البخاري، إلى فتح مقر إقامته الباذخ في اليرزة إلى مضافة لاستقبال قطعان «السياديين» اللبنانيين المهرولين لتقديم فروض الطاعة والولاء لأولياء نعمتهم!
لقد ظهر جلياً من خلال إدارة الحوار التلفزيوني أن التعليمات التي أعطيت للمذيعة تتمحور حول شيطنة «حزب الله» والسياسة الإيرانية وتحميلهما مسؤولية كل أزمات لبنان والمنطقة. غير أن كل محاولات «مذيعة الصدفة» باءت بالفشل أمام حنكة وصلابة الوزير شربل وهبة الذي أظهر وعياً سياسياً لافتاً في ردّه على المغالطات التي استخدمتها الزميلة الحسناء… فقد حاولت مذيعتنا الإيحاء بأن لـ«حزب الله» أجندات خارجية ضد مصلحة لبنان فجاءها ردّ الوزير السابق بأن «حزب الله» هو مكون لبناني وليس طارئاً على النسيج الوطني بل إن له تمثيلاً شعبياً واسعاً. وعند تصوبيها على مسألة السلاح جاء جواب وهبة حاسماً بتذكيره بأن هذا السلاح قد حرّر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
فقالت المذيعة إن الاحتلال قد انتهى الآن، فلا جدوى إذن من بقاء هذا السلاح. فجاء رد الوزير السابق مُفحماً بلفت انتباه المذيعة صاحبة الذاكرة «السَّمَكية» بأن هذا السلاح قد سطر مآثر التحرير الثاني في جبال القلمون من سيطرة «جبهة النصرة» و«داعش» اللذين خلقتهما ومولتهما «دول المحبة والصداقة والأخوة الذين أوصلوا لنا تنظيم الدولة الإسلامية وزرعوه في سهول نينوى والأنبار وتدمر». أضاف: «انظري ماذا يحصل في غزة اليوم.. هل حصل مثله في لبنان؟ إذا كان هذا السلاح رادعاً للعدو الإسرائيلي فلا ينبغي المساس به. إنه بوليصة تأمين قد تكلفنا غالياً لكنني مستعد لدفع الثمن، ولو دار الأمر بين الانهيار الإقتصادي أو انهيار السيادة وخطر الاحتلال، فسأختار الكرامة والحفاظ على السيادة، فالإقتصاد يذهب ويعود».
خلال المقابلة تم استضافة رئيس لجنة العلاقات السعودية الأميركية، سلمان الأنصاري، عبر الفيديو، فأسهب في الهجوم على «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، موزعاً تهم تصدير الإرهاب والمخدرات والإرتهان لإيران يمنة ويسرة.
هنا كانت سرعة بديهة الوزير اللبناني حاضرة عندما سأل الضيف السعودي: «أمير الكبتاغون شو عملتوا فيه»؟! فبُهت الضيف ولم يُحرِ جواباً! وعندما تجاوز الضيف، الأدب واصفاً رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ووزير الخارجية السابق السيد جبران باسيل بالـ«ثنائي المرح»، أجابه الوزير السابق بأن «الذي يقتل الخاشقجي في اسطنبول لا ينبغي له أن يتكلم هذا الكلام»، مضيفاً أنه لن يقبل أن يهان لبناني في لبنان من قبل «واحد من أهل البدو». ثم غادر الستديو ليعود لاحقاً ويكمل المقابلة.
وحالما تم بث المقابلة تداعى «سياديو» لبنان وتوافدوا فرادى وجماعات لزيارة القائم بالأعمال «التحريضية» وليد البخاري، إلى قصره الفخم في اليرزة لأخذ صور الـ«سلفي» معه في مشهد أقل ما يقال فيه أنه عملية دعائية قامت بها السفارة على عجل بغية رصّ الصف «السيادي» في مقابل «المشروع الإيراني» الذي لا ينفك يقض مضاجع الملوك والأمراء وأولي الأمر.
كذلك، تم استدعاء عدد من السفراء في بعض الدول الخليجية لتقديم اعتراض على كلام وزير الخارجية الذي اضطُرّ إلى الاستقالة والاعتذار عن بعض الكلمات (البداوة، على أغلب الظن) نتيجة للضغوط ولتفادي المزيد من التعقيدات الداخلية والإقليمية.
وبسحر ساحر غابت أخبار غزة عن شاشات التلفزة «السيادية» في لبنان لتُتخِمنا هذه الشاشات بمشاهد الوفود التي أمّت فيلّا البخاري، شاجبة ومستهجنة مواقف الوزير السابق، ومتناسية –بصفاقة لا لبس فيها– أن تسجل أي استنكار بسيط، ولو من قبيل حفظ ماء الوجه، لإهانة رئيس الجمهورية من قبل شخص سعودي خلال المقابلة المذكورة. هذا فضلا عن استضافة تلكم المحطات لنفس جوقة المطبلين والشتامين الذين ما فتئوا ينهلون من معين واحد، ويجترون خطاباً أجوفاً واحداً مجته الآذان وسئمته. ناهيك عن الذباب الإلكتروني الذي ما انفك يَطُنّ ويُرغِي ويُزبِد على منصات التواصل جميعها متوعداً ومتوهماً ومتمنياً.. والأماني بضاعة الموتى!
ولم تكن تلك هي المأثرة الوحيدة التي سطرها «سياديو» لبنان هذا الأسبوع، ففي مشاهد إرهابية واضحة، قام أفراد من حزب «القوات اللبنانية» باعتراض سيّارات وحافلات تقلّ مواطنين سوريين متجهين إلى سفارة بلادهم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة السورية، فاعترضوهم بالاعتداء والتكسير والنهب.
و«الإرهاب»، حسب التعريفات الدولية، هو «العنف السياسي أو العملي الذي يهدف إلى توصيل رسالة سياسية ما مستهدفاً المدنيين عمداً، وهادفاً إلى الترويع، أو عامداً إلى إرغام جهة ما على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به». وهذا بالضبط ما فعله بلطجيو «القوات اللبنانية» بأمر من حكيمهم، سمير جعجع، لترويع المدنيين السوريين وإرهابهم وتعريضهم للخطر لثنيهم عن الإدلاء بأصواتهم في السفارة السورية بمنطقة اليرزة أيضاً.
وإثر هذه الإعتداءات قامت جهات عديدة بإدانة هذه الأفعال الجرمية عبر بيانات وتصريحات لعل من أبرزها كان تصريح القيادي في «حزب الله» غالب أبو زينب الذي قال «إن الاعتداء جرى من قبل شرذمة حاقدة وهو يعبر عن عنصرية وحقد دفينين يمتدان إلى زمن الاحتلال الاسرائيلي الذي ما زال يتنفسه الحاقدون على العروبة وأهلها». أما التصريح الرسمي لـ«حزب الله» فقد أورد أن «مشاركة المواطنين السوريين بهذه الكثافة العالية في الانتخابات الرئاسية أزعجتهم بشدة بعدما سقط بالكامل مشروع الاستثمار السياسي في النازحين السوريين ومأساتهم التي تسببت بها قوى التكفير والإرهاب ورعاتها الدوليون والإقليميون».
من جهته، وصف رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، في تغريدة له عبر «تويتر»، من قاموا بهذه الاعتداءات، بـ«النازيين»، وقال: «عندما تضربون نازحين مسالمين ذاهبين للتصويت في سفارة بلدهم وتعتدون على أمانهم وكرامتهم نقول عنكم إنكم نازيون».
كما أكد لقاء الأحزاب والقوى الوطنية والقومية في البقاع في بيان له أن هذه الاعتداءات «تعبر عن مكنونات عنصرية همجية غرائزية لدى من قاموا بها» معتبراً أن «المشاركة الكثيفة للسوريين في لبنان بالانتخابات الرئاسية تكرس إيمانهم باستعادة الدولة الوطنية السورية لدورها المركزي وتمسكهم بوطنهم».
Leave a Reply