عطلت المعارضة السنيورية الآذارية جلسة المحاسبة المالية لمجلس النواب، يوم الإثنين الماضي، عبر مقاطعة الجلسة وإفقاد النصاب القانوني. ذلك لأن النصاب (بفتح النون وشدّ الصاد) المالي يريد براءة ذمة على ١١ مليار دولاراً المفقودة أيام حكومته البتراء غير الشرعية وغير الميثاقية. وقبل الجلسة الموعودة، كانت حرب “داحس والغبراء” المالية مستعرة، شارك فيها المتنبي جعجع الضليع في الشعر العربي الذي حذر من المساس بـ”تصرف” فؤاد السنيورة بالمبلغ الخيالي الذي إذا أنفق على الناس لن تجد فقيراً واحداً في وطن “الصفة المشبهة”! بل بلغت الجرأة بالسنيورة حد الوقاحة والتهديد: إذا لم تتغاضوا عن سرقة ١١ مليار دولاراً و”تلفلفوا” القضية، فإن الحرب الأهلية مقبلة، أي الحرب المذهبية التي وقودها الناس والحجارة.
والمثير في الموضوع أن إستئساد السنيورة هذا جاء حتى بعد العرض المغري الذي قدم له في مجلس النواب بإيجاد مخارج قانونية نيابية، ليس فقط لمسألة أخطر عملية سطو في تاريخ لبنان (أكبر من صفقة “كروتال” وبنك “أنترا” وسمسرات أمين الجميل)، بل لكل قرارات حكومته غير الشرعية، وهو العرض الذي تحمس له نجيب ميقاتي، الشاهد الذي “ما شافش حاجة”، ونصح سلفه بقبوله ما دام يحيد مشكلة من طريقه حتى لايضطر إلى حلها بنفسه، رغم أنه لم يحل ولم يربط في أي أمر حتى الآن.
لكن لماذا الإستغراب من “إستلشاق” السنيورة عندما نرى هذا الذي كاد يدخل السجن بسبب محرقة برج حمود، لولا تدخل الرئيس رفيق الحريري، يفتح عينه “هالجفي” مرغماً “شبه الكيان الجهيض” على مخالفة القوانين من أجل منحه صك براءة حتى لا يصبح نزيلاً في “سجن رومية” أو وزارة الدفاع مثل زميله سمير جعجع؟ فمما يخاف فؤاد السنيورة؟ من هذه الأكثرية التي تنام ملء جفونها على أكعابها؟ بئس هكذا أغلبية لا تعرف الهجوم بل الدفاع في حرب إستنزاف بدأتها جوقة “ربيع فيلتمان” منذ ٢٠٠٥ وحتى اليوم. أي أن فريق “أم رعيدة” ما زال في موقع المهاجم قبل أن يغتصب السلطة وحتى بعد خروجه القسري من الحكم. أما الفريق الأكثري فهو متفرج وعاجز عن إلتقاط أنفاسه ورد كيد الفريق الآخر رغم أضاليله الواضحة وفشل وعوده الواهية أمام جمهوره. لكن، كيف يربح فريق الأكثرية وفيه “وسطيون” مثل نجيب ميقاتي الذي لم يكن صديقاً وقت الضيق لإسعاف المفتي قباني، الذي حماه وغطاه وجازف بمنحه الشرعية “الإفتائية” رغم الإفتئات على المفتي، في وقتٍ كاد التيار “الزرقاوي” أن “يفصفصه” سياسياً ويقطعه إرباً إرباً بعد تعيينه رئيساً للحكومة؟
تحمل المفتي قباني ظلم ذوي القربى بسبب ميقاتي لكن الأخير لم يؤد التحية بمثلها بل تدخل نيابةً عن الحريريين من أجل تأجيل إنعقاد إنتخاب المجلس الشرعي الذي دعا إليه المفتي وجن جنون السنيورة ومعلمه بسببه خوفاً من فقدان السيطرة على اعضائه. وهكذا حقق ميقاتي للحريري، مرةً أخرى، نصراً لم يكن يحلم به حتى عندما كان في السلطة! وكيف يربح فريق الأغلبية وفيه يقف وليد جنبلاط المنافق الواقف على حد السيف يتأرجح ذات اليمين وذات الشمال وهو باسطٌ ذراعيه (بالوصيد) للجميع ولا لأحد بعينه؟
خطيئة الأكثرية لا تقف هنا، بل تنسحب على موقفها الباهت من سوريا. المعارضة تجهر بمناهضة النظام السوري، “على عينك يا تاجر”، بالكلام وبالسلاح وتسلل المقاتلين من لبنان عبر الحدود الشمالية وإيوائهم تحت ذريعة ممراتٍ إنسانية لم نعهدها يوم إغتيال الرئيس الحريري. أما الأكثرية الحاكمة، كما هو مفترض، فأنها تبدو خجولة بموقفها المؤيد للنظام السوري إلا لماماً. لقد أرسلت الحكومة السورية الكثير من المعلومات والمعطيات والتقارير السرية حول تسلل عناصر “القاعدة” والجنسيات المختلفة وأولئك الحائزين على تأشيرات للدخول إلى الجنة، والإعلاميين الذين يريدون أن يكونوا ابطالاً على حساب الشعب السوري ويحصلوا على “جائزة بوليتزر” للإعلام فيخرقوا السيادة اللبنانية والسورية، وصولاً إلى المراجع العليا في الحكم المفترض أن تعمل بموجب المعاهدات الأمنية والسياسية بين البلدين، لكن هذه المراجع إتبعت سياسة “الحياد الإيجابي” فلم يحرك جواهر لال نهرو وزميله أحمد سوكارنو ساكناً، وكأن سوريا تقع على حدود سمرقند لا لبنان. فماذا سيكون رد فعل هؤلاء النائين بأنفسهم إذا تدفق مسلحون من سوريا هرباً إلى لبنان من أجل إقامة مشروع مقاومة ضد النظام إنطلاقاً من لبنان؟ وماذا إذا أرادت سوريا أن تنأى بنفسها أيضاً وتحمي نفسها من خلال إغلاق الحدود مع لبنان؟ ماذا سيفعل عندها منظرا “الحياد الإيجابي” وسياسة النعي بالنفس؟
لقد كسر صغار ١٤ آذار الجرة مع سوريا، أما أنصار سوريا المتصدين لمؤامرة “الربيع العربي” المصادر إسرائيلياً فهم ليسوا بقادرين على تنظيم مظاهرة دعم شعبية واحدة فتركوا الساحة لأحمد الأسير ومستشاره الفني فضل شاكر، وهما ظاهرتان جديدتان لايولدهما إلا بلدٌ عجيبٌ مثلهما أو مخلوقٌ مثل “فرانكشتاين”.
إننا نشهد اليوم “بركات” ربيع “الناتو القطري” في ليبيا “يزهر” تقسيماً تحت ستار الفدرالية في برقة، مما يدل على حجم المؤامرة المبيتة لسوريا المتعددة الطوائف. فهل يظن مدعو “لبنان أولاً” ودولة “شبه الوطن” أن سياسة النعامة أو الطعن بسوريا سوف تترك بلداً مهزوزاً “خلقة” وتحركه نسمة هواء، في منأى عن الزلزال الذي سيضرب حواليه؟ سؤال للناعين بأنفسهم!
Leave a Reply