ديربورن، ديترويت
مع تصاعد حملات اعتقال وترحيل المهاجرين غير الشرعيين التي تنفذها إدارة الرئيس دونالد ترامب في جميع أنحاء الولايات المتحدة، سارعت الأوساط الحقوقية والمجتمعية في منطقة ديترويت الكبرى للرد على الإجراءات المستجدة عبر عقد مؤتمرات صحفية وإنشاء شبكات على وسائل التواصل الاجتماعي لتنبيه مجتمعات المهاجرين من المداهمات الأمنية وتثقيفهم بشأن حقوقهم في حال طالتهم مداهمات شرطة الهجرة والجمارك ICE وإدارة الجمارك وحماية الحدود CBP.
ومع أن ««آيس» لم تصدر أية بيانات أو تعليقات رسمية بشأن موجة الاعتقالات الجديدة في منطقة ديترويت، إلا أن شهادات السكان والمجتمعات المحلية تشير إلى تكثيف الدوريات والمداهمات في جنوب غربي ديترويت حيث تتركز الجالية اللاتينية، وفي مدينة ديربورن التي تحتضن جالية كبيرة من أصول شرق أوسطية.
وانعكس هذا القلق المتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنشئت شبكات تواصل فورية عبر تطبيقات مثل «واتساب» و«فيسبوك» و«وايز» لتحذير التجمعات الأهلية من دوريات وكالات إنفاذ القانون، إلى جانب منصات أخرى تنشر مواد إرشادية باللغة العربية والإسبانية حول حقوق المهاجرين أثناء الاحتجاز أو الاستجواب.
وفي الإطار، عقد مسؤولون منتخبون ونشطاء محليون، الأربعاء الفائت، مؤتمراً صحفياً في مدينة ديترويت تحت شعار «إعرف حقوقك»، وذلك بمشاركة النائب الديمقراطية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب التي وصفت سياسات الترحيل الأخيرة بمحاولات إدارة ترامب «صرف أنظارنا عما يجري في البيت الأبيض»، بحسب تعبيرها.
وشاركت طليب خلال المؤتمر بالمعلومات الأساسية حول حقوق المقيمين غير الشرعيين، وقالت: «بغض النظر عن وضع إقامتك في الولايات المتحدة، فإن لك حقوقاً دستورية»، لافتة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة تسعى إلى تقسيم المجتمعات عبر بث الخوف فيها.
ودافعت طليب عن مجتمع المهاجرين المتنوع في منطقة ديترويت، منتقدة السياسات العنصرية والإجراءات غير القانونية التي تنتهجها وكالات إنفاذ القانون، وقالت: «إن الكثيرين منهم يعيشون هنا منذ عقود طويلة، ولا يمكنكم مواصلة تلك الأعمال، ليس تحت أنظارنا».
«لقد كان العديد منهم هنا لعقود من الزمن»، قالت طليب عن مجتمع المهاجرين الغني في المنطقة وأضافت «ليس تحت مراقبتنا» عندما يتعلق الأمر بالسياسات العنصرية والإجراءات غير القانونية من قبل وكلاء الهجرة. وقالت إن القادة المحليين موجودون هنا لتثقيف المجتمع حول ما يجب أن يعرفوه عن حقوقهم.
وأوصت النائب الفلسطينية الأصل، السكان بعدم فتح الأبواب لضباط «آيس» ما لم تكن بحوزتهم مذكرة موقّعة من قاضٍ، منوهة بضرورة التزام الصمت وعدم استلام أية مستندات قبل التحدث مع محاميهم، كما شددت على أهمية عدم مشاركة أي معلومات شخصية أو تقديم مستندات مزيفة لوكالات إنفاذ القانون.
وأوضحت طليب بأن المداهمات تستهدف المجتمع بأكمله وليس فقط الأفراد غير الموثقين. وقالت: «لا أحد يريد المجرمين هنا، ولكن لا تقوموا بشيطنة مجتمع بأكمله زاعمين أنهم يغزون بلدنا. لن تستطيعوا تقسيمنا بإثارة الخوف في مجتمعاتنا واستهداف جيراننا المهاجرين».
ووصفت عضو مجلس مدينة ديترويت غابرييلا سانتياغو روميرو الولايات المتحدة بـ«أمة من المهاجرين»، وقالت: «أنا مهاجرة. لقد ولدت في المكسيك، ونشأت هنا في جنوب غربي ديترويت منذ أن كنت في الثانية من عمري»، موضحة بأن سياسات الترحيل الجديدة تؤثر على كامل المجتمع الذي يضم مهاجرين «عاشوا هنا لعقود دون أي تاريخ إجرامي».
كذلك، عقدت «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» ACRL مؤتمراً صحفياً عاجلاً في مقر الرابطة الحقوقية بمدينة ديربورن يوم الاثنين المنصرم، وذلك بعد تلقيها عديد المكالمات المتخوفة من سياسات الاعتقال والترحيل الجماعي، التي وصفها رئيس ومؤسس الرابطة، المحامي نبيه عياد، بأنها «تضع كامل المجتمع على حافة الهاوية»، في إشارة إلى مدى القلق الذي ينتاب السكان.
وخلال المؤتمر الذي شهد توزيع إرشادات من «مركز حقوق المهاجرين بميشيغن»، أوضح عياد بأن ترامب أعاد فرض سياسات عام 2019 المعروفة باسم «الإبعاد السريع»، وقال إن تلك السياسات كانت في السابق تنطبق فقط على المهاجرين الذين وصلوا في غضون 14 يوماً إلى الولايات المتحدة، وفي دائرة نصف قطرها 100 ميل من الحدود.
وأضاف المحامي اللبناني الأصل بأن الارتفاع في تطبيق قوانين الهجرة منذ تولي ترامب منصبه في 20 يناير المنصرم يسبب «قلقاً خاصاً» في ديربورن، حيث أن حوالي 29 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 109 آلاف نسمة مولودون خارج البلاد، لافتاً إلى المفارقة المتمثلة في أن سكان المدينة، وغالبيتهم من المسلمين المهاجرين، قد صوّتوا لترامب في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.
ونوّه عياد بأن غالبية السكان أعطوا أهمية أكبر لموقف ترامب الإيجابي من الصراع في الشرق الأوسط، مقارنة بوعوده المتشددة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وقال: «إذا كان عليّ الاختيار بين المزيد من عمليات الترحيل، أو إطلاق النار على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين أو خمسة أعوام، فسوف أفضل الخيار الأول، وأعتقد أن الكثير من أفراد المجتمع لديهم نفس الشعور»، في إشارة إلى ضحايا الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
وفيما أشارت المديرة التنفيذية للرابطة الحقوقية، المحامية مريم شرارة، إلى أن وكالات إنفاذ القانون تلقي القبض على المزيد من المهاجرين خلال الأيام الأخيرة، أكدت عضو مجلس إدارة الرابطة، المحامية رولا عون، بأنها سمعت تقارير عن وقوع اعتقالات في مدينة ديربورن أو ديربورن هايتس خلال الساعات التي سبقت عقد المؤتمر يوم الاثنين المنصرم. وأكد مسؤولو الرابطة الحقوقية بأن الغالبية العظمى من المهاجرين المقيمين حالياً في الولايات المتحدة لديهم بعض الحقوق للإقامة القانونية، لكن العملاء الفدراليين «الجريئين» يتصرفون على عجل مما قد يعرض هؤلاء الأشخاص لخطر الترحيل إذا لم يكونوا على دراية كاملة بحقوقهم.
وأوضح عياد بأنه لم يتفاجأ بمحاولة ترامب إنهاء حق المواطنة بالولادة للأطفال المولودين في الولايات لمهاجرين غير شرعيين في البلاد، وهي المساعي التي أوقفها قاض فدرالي مؤقتاً خلال الآونة الأخيرة بوصفها «إجراء غير دستوري بشكل صارخ». وقال عياد إن هذه المعركة ستكون شاقة للغاية بالنسبة للرئيس دونالد ترامب.
وحذر عياد من أن ترامب لن يزيد من الموارد لتسريع محاكم الهجرة البطيئة في الولايات المتحدة، وكذلك في ولاية ميشيغن التي يقدر عدد المقيمين غير المسجلين فيها بنحو 90 ألفاً، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي لعام 2019.
كذلك، تحدثت السناتور الديمقراطية في مجلس شيوخ ميشيغن ستيفاني تشانغ (من مدينة ديترويت) خلال المؤتمر الصحفي، معربة عن أسفها لإنهاء التمويل الفدرالي لمنظمات المساعدة القانونية مثل «مركز حقوق المهاجرين بميشيغن»، فضلاً عن الحماية القانونية ضد المداهمات في أماكن مثل الكنائس والمستشفيات والمدارس، وقالت: «طلابنا، والناس الذين يحاولون فقط الذهاب إلى أماكن عبادتهم … الآن يتعين عليهم اتخاذ قرارات حول أوقات ذهابهم إلى أماكن العبادة».
وفي ختام المؤتمر، حثّ المتحدثون، المقيمين غير الشرعيين بحيازة أكبر قدر ممكن من الوثائق عند تواجدهم في الأماكن العامة، وعدم الهروب عند توقيفهم من قبل ضباط وكالات إنفاذ االقانون، وكذلك بعدم الكذب خلال الاستجواب. وقالت شرارة: «نشجع الجميع على الهدوء واللباقة وعدم الكذب مطلقاً لأن الكذب يمكن أن تكون له عواقب وخيمة».
وأكد مسؤولو الرابطة بأنهم ليسوا معنيين فقط بالدفاع عن المهاجرين العرب والشرق أوسطيين، وإنما عن جميع المقيمين غير الشرعيين في الولايات المتحدة.
وخصصت الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية خطاً ساخناً على مدار الساعة، وطيلة أيام الأسبوع، لتقديم الدعم المباشر للمهاجرين الذين يمكنهم الاتصال لطلب المساعدة عبر الرقم: 800.243.0302
Leave a Reply