فاطمة الزين هاشم
قبل أيام قليلة، احتفلنا بمولد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في زمن يتم فيه مذهبة هذه الشخصية الدينية المرموقة وحصرها ضمن جماعة أو عقيدة محددة دون سواها.
فحين يتناول كاتب مسلم شيعي، سيرة الإمام علي، فذلك أمر يجري على طبيعته بحكم آصرة الانتماء الديني، أما أن يتناوله قلم طالب دكتوراه مسيحي فالأمر يأخذ مجرى التوسع بالاهتمام من قبل معتنقي الديانات الأخرى، كما حدث مع الأديب الكاتب الكبير جورج جرداق في موسوعته «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية»، وكذلك الحال مع الراهب المسيحي الدكتور ميشال كعدي الذي قال «إنني أعتبر نفسي لا مسيحياً فحسب، لأنه لاقيمة لي إذا كنت مسيحياً إن لم أكن مسلماً، فأنا مسلم لله كما كنت مسيحياً لله».
يستعرض الدكتور كعدي حيثيات كتابته عن سيرة الإمام فيفصح بالقول: «كانت لدى والدي ثلاثة كتب هي الإنجيل، القرآن الكريم ونهج البلاغة، ويوليها اهتماماً استثنائياً عن سائر الكتب» وكان ينصحني بأن «أقدم عملاً تستفيد منه البشرية»، كما كان يشير عليّ بأن أنهل من تلك الكتب الثلاثة خصوصاً التركيز على «نهج البلاغة»، مضيفاً: «إنه نهج وروح وفقه إنساني شامل».
وعندما شرع في تحضير رسالة الدكتوراه أكد عليه والده بأن يكون موضوع أطروحته حول شخصية الإمام علي (ع) كونه مولعاً باستلهام معاني «نهج البلاغة»، مبيّناً أنّ هذا الأمر «يعدّ من أصعب الأمور في حياته العلمية، كون الإمام شخصية كبيرة وبحراً عميقاً يصعب الدخول إليه» حسب وصفه.
ويضيف الكاتب المسيحي: «انني قمت بمفاتحة الفاتيكان لاستحصال موافقته لغرض إكمال الدكتوراه عن شخصية الإمام علي (ع)، الذي جاء ردّه بالموافقة بعد 48 ساعة، في الوقت الذي يكون أقرب رد للفاتيكان عن أية مخاطبة رسمية من هذا القبيل تستغرق وقتاً مقداره ستة أشهر»، كما يستطرد: «أن أية أطروحة تستغرق كتابتها ثلاثة أعوام، بينما أنجزت أطروحتي بخمسة أعوام كوني كنت أكتب عن أعظم إنسان في العالم» واصفاً إياه: «كان ولا يزال أعظم نعمة على وجه الأرض وهو المصطفى من الله».
واستهجن الكاتب، افتقار عدد كبير من الدول من بينها العربية، لمصادر رصينة عن الإمام علي وخصوصاً التفاسير الجامعة لنهج البلاغة والمخطوطات القديمة موضحاً أنه وجد ما كان يبحث عنه، في الفاتيكان الذي يحوي كذلك على نحو 11 ألف حكمة للإمام.
ذلك بعض ما أوره الكاتب المسيحي، بينما نحن المسلمون قلّما نجد في بيوتنا كتاب (نهج البلاغة)، الذي من المفترض أن نربّي أجيالنا على هدي هذا النهج العظيم، ونغذي عقولهم بالثقافة والمعرفة التي أنجزها إمامنا وتركها لنا إرثاً خالداً لاينال منه تعاقب الدهور وكرّ السنين.
وفي ذكرى ولادة الإمام، وكما يعبّر كاتبنا المسيحي الفذّ، علينا أن نكون أمام حقيقة إنسانية ودينية تمتاز بالمحبة والخدمة والبعد عن الأنانية، وأن نعمل الخير ومساعدة الناس المحتاجين، وهذا أيضاً يذكّرنا بإنسانية سيّدنا المسيح عليه السلام.
لقد لفت الدكتور كعدي إلى أن الإمام علي (ع) لم يبعد يوماً في نهجه وروحه في كتاباته إلى عامليه عن المسيحية بشيء سواء في العطاء أو الرحمة أو العمل أو الفكر، إذ كان رائعاً ومبدعاً حيث امتازت ولادته بالنعمة والرحمة، ولادة لاتبعد على الإطلاق عن ولادة المسيح (ع)، وقد كان يردد هذا الراهب الورع عبارة: «لولا الإمام علي لما كان للإسلام وجود على الأرض»، وعندما وضع الإمام كتاب (نهج البلاغة)، لم يكن مجرد كتاب عادي، بل كتاب امتاز بالحكمة والخطابة والشعر والتعليم، حيث طلب من البشر عموماً أن يكون نهجهم إنسانيا وروحياً، فما أحوجنا اليوم إلى استلهام هذه المعاني السامية التي ترقى بالنفس البشرية إلى نيل السعادة والرقيّ.
وكم كان الأديب الكبير جبران خليل جبران مصيباً إذ قال إنّ الإمام عليا بن أبي طالب قد مات شهيد عظمته، مات والصلاة بين شفتيه، مات وفي قلبه شوق لربّه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه، حتى قام أناس من جيرانهم الفرس يدركون الفارق بين الجواهر والحصى!
طوبى للراهب الشريف كعدي، الذي طبعت مؤلفاته ونشرت في بيروت والعالم العربي ولم يستلم درهماً واحداً عن نشرها، لأن من الصعوبة المتاجرة باسم الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام.
وهنا لايسعني إلا أن أقف بإجلال واحترام إزاء جهد الدكتور كعدي الذي من شدة حبه للإمام علي قد كتب عن ابنه الحسين قصيدة بعنوان «المقاوم» التي يقول فيها:
قم إلى أمّتي وقاوم عداتي فالهوى مسكني وأنت ثباتي
ارفع السيفَ ضارباً لا تساوم ولك القوم يطلق الوقفاتِ
زارت الذكريات روح حسينٍ ليغيض الوفاء حبّ حياة
يا حسينُ علمتنا كيف نجزي ترسل الزند لاهب القتلاتِ
لاح وجهُ العليِّ في طالبيّ يضرب الكفر أشجع الضربات
Leave a Reply