تل أبيب تستجدي وقف إطلاق النار بعد فشلها في التصدي لصواريخ غزة
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تل الربيع، عسقلان، بئر السبع، النقب… أسماء لم تُمحَ من الذاكرة، لكنها عادت اليوم بقوة، فقد أصبحت من بين مدن الداخل المحتل التي دكتها صواريخ المقاومة الفلسطينية، في حرب يبدو أنها دخلت ساعاتها الأخيرة بعد أحد عشر يوماً من العدوان الوحشي، الذي لم توفر فيه إسرائيل نوعاً من الأسلحة إلا واستخدمته ضد المدنيين في قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، حتى تلك المحرمة دولياً.
بحسب وزارة الصحة في غزة، فإن 230 شهيداً بينهم 65 طفلاً ونحو 1,800 جريح هم حتى الآن حصيلة العدوان إضافة إلى نزوح أكثر من 120 ألف فلسطيني من منازلهم، وتعرض أكثر من 1,500 وحدة سكنية للهدم الكلي، ونحو 13 ألف وحدة لأضرار متوسطة. قوات الاحتلال منعت أيضاً فريق «أطباء بلا حدود» من العبور إلى قطاع غزة حيث أكدت المنظمة أن الاحتياجات الإنسانية تزداد أكثر فأكثر بعد 10 أيام من القصف المتواصل على غزة.
الحرب الرابعة والهزيمة الرابعة
إنها الحرب الرابعة التي يشنها الاحتلال على غزة وأهلها، لكنها في الوقت نفسه، الهزيمة الرابعة له، فككل مرة، وبعد «الرصاص المصبوب» و«عمود الدخان» و«الجرف الصلب»، باءت عملية «حارس الأسوار» بالفشل لعدم قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها القديم–الجديد نفسه، وهو القضاء على البنية التحتية للمقاومة، من صواريخ وقادة.وكما كل مرة حصد جيش الاحتلال الفشل، فلا قصف الصواريخ من غزة باتجاه الأراضي المحتلة توقف، ولا كان اغتيال القادة العسكريين كافياً لشل منظومة القيادة والتحكم لدى فصائل المقاومة.
إذن، وبعد 11 يوماً من القصف المتواصل، صادق الكابنيت الإسرائيلي، الخميس الماضي، على وقف لإطلاق النار يدخل حيز التنفيذ صباح الجمعة (مع صدور هذا التقرير)، وقد عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر برئاسة بنيامين نتنياهو جلسة عند السابعة مساء للموافقة على مقترح مصري بوقف إطلاق النار مع «حماس» بشكل «متبادل وغير مشروط»..
ورحب الرئيس الأميركي، جو بايدن، مساء الخميس، باتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة برعاية القاهرة، معتبراً أنّه يمثّل «فرصة حقيقية لإحراز تقدّم» بعد 11 يوماً من القصف المتبادل بين الجانبين.
وكان نائب رئيس حركة «حماس» في الخارج، موسى أبو مرزوق، قد توقع التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال يوم أو يومين في حديث تلفزيوني في الليلة السابقة، مؤكداً أن المقاومة ستجبر نتنياهو على عدم انتهاك حقوق الفلسطينيين في القدس والأقصى. وأشار إلى ضغط جدي على تل أبيب من قبل واشنطن لوقف العدوان، وأن موقف الأخيرة قد تغير بعد قصف تل أبيب بصواريخ القسام التي بدورها أجبرت بايدن على الاتصال بمحمود عباس. وأكد مرزوق أن المقاومة نجحت في فرض خط أحمر لحماية القدس مشيراً إلى أن المعركة التي انطلقت نصرة للأقصى وحي الشيخ جراح نجحت بدليل استجداء الإسرائيليين لوقف إطلاق النار، مشيداً بالتعاطف غير المسبوق مع الشعب الفلسطيني من قبل الأمة العربية وسائر شعوب العالم.
وحتى إعداد هذا التقرير كانت فصائل المقاومة الفلسطينية لا تزال تمطر مستوطنات غلاف غزة وبعض مدن الداخل المحتل بالصواريخ وهو ما أدى إلى رفع حصيلة القتلى الإسرائيليين إلى 11 شخصاً على الأقل منذ بدء الهجوم الإسرائيلي.
وكان لافتاً نجاح المقاومة في مواصلة قصف إسرائيل بالوتيرة نفسها رغم الغارات العنيفة التي شنتها طائرات العدو على القطاع المحاصر.
ويعتبر هذا الإنجاز أول وأهم مؤشر على فشل العملية العسكرية الإسرائيلية، التي كان على رأس أولوياتها ضرب البنية التحتية العسكرية للمقاومة، وبالتالي حماية المستوطنات والمدن المحتلة من صواريخ المقاومة التي باتت تشكل تهديداً استراتيجياً لدولة الاحتلال.
الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية مجتمعة وفي مقدمتها «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، ومنذ اليوم الأول للعدوان وجّهت ضربات صاروخية مكثفة باتجاه المستوطنات والمدن المحتلة رداً على استهداف المدنيين والمناطق السكنية في غزة. وعلى مدار أيام المواجهة تواصل دوي صفارات الإنذار في المدن والمستوطنات اليهودية حتى بلغ عدد الصواريخ 4,070 صاروخاً خلال 11 يوماً. فيما تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن الخسائر الناتجة عن التصعيد مع قطاع غزة قد تصل إلى سبعة مليارات شيكل، وهي تشكل ضعفي الخسائر التي لحقت بإسرائيل في عملية «الجرف الصلب» قبل نحو سبع سنوات.
وقد أثبتت الوقائع الميدانية هذه المرة، أن ثمة بنك أهداف كبير لدى فصائل المقاومة وأن ضرباتها كانت مركزة ومدروسة. فعلى سبيل المثال، قصفت «كتائب القسام» ظهر يوم الخميس قاعدة الغذاء والوقود قرب بئر السبع والقاعدة اللوجستية مشمار هنيغف والنصب التذكاري لجنود الاحتلال وقاعدة «تسيلم» البرية وموقع «مارس» الذي قصفته وهو موقع قيادة جيش الاحتلال في المنطقة الجنوبية إضافة إلى قاعدتي تل نوف وحتسريم الجويتين وغيرها، مما فرض على الجيش الإسرائيلي الطلب إلى سكان جميع مستوطنات غلاف غزة البقاء في الملاجئ حتى إشعار آخر.
وكان أحدث ما أعلنته «كتائب القسام»، استخدام طائرتها المُسيّرة المحلية الصنع من طراز «شهاب» لقصف منصة غاز في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة، فضلاً عن استهداف تجمعات عسكرية إسرائيلية على حدود القطاع . كذلك كشفت المقاومة في هذه المعركة عن صاروخ «عياش 250» بعيد المدى، الذي أطلقته «القسام» على مطار «رامون» وعلى مناطق أخرى في جنوب فلسطين تبعد نحو 220 كيلومتراً من غزة.
الداخل المحتل ينتفض
مدن الداخل المحتل لم تغب عن هذه المعركة، بل انخرطت فيها بنحو مباشر، وخرج أهلها إلى الشوارع والأحياء وخاضوا مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ما أدى إلى سقوط شهداء وعدد كبير من الجرحى.
وأسهمت هبة فلسطينيي الداخل بحماية مناطقهم من اعتداءات المستوطنين ووضعت ملف الإخلاء القسري لمنازل في حي الشيخ جراح وغيره في الأدراج حتى إشعار آخر، كما حمى الشباب الفلسطيني المسجد الأقصى من هجمات المستوطنين ومحاولات تدنيسه، في اندفاعة تذكّر بالانتفاضات التاريخية السابقة التي خاضها فلسطينيو الداخل، لكن هذه المرة بدعم من صواريخ غزة التي انطلقت حماية للقدس والأقصى.
ويوم الأربعاء الفائت نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مصادر مطلعة أن البيت الأبيض أبلغ نتنياهو بأن الواقع تغير حتى لدى مشرعين مؤيدين لإسرائيل.
إذ حث 138 عضواً في الكونغرس الأميركي بايدن على تأجيل صفقة أسلحة ذكية لإسرائيل مطالبين البيت الأبيض بتوفير الظروف الملائمة «لوقف فوري للعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
أما في جنيف، فستعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان في 27 أيار (مايو) الجاري لمناقشة «الوضع الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية».
كما ستعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة بالقضية الفلسطينية بناء على دعوة من المجموعة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز.
فشل إسرائيلي
وسائل الإعلام الإسرائيلية تسابقت في توجيه اللوم إلى نتنياهو وحكومته، ولفتت إلى أن إطلاق «حماس» صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع على حافلات الجيش يؤكد مدى استعداد المقاومة لهذه المواجهة على عكس جيش الاحتلال الذي وقف عاجزاً أمام الصواريخ القادمة من غزة.
أما غريم نتنياهو اللدود، يائير لابيد، المكلف بتأليف حكومة جديدة، فقد قالها بالفم الملآن: «الحكومة فشلت والجميع يسأل: ما الذي حققته بعد 11 يوماً من العمليات؟ المنظمات في غزة انتصرت على حكومة إسرائيل في معركة الإعلام الغربي، ولا يمكن تجاهل طلب الرئيس بايدن بإنهاء العملية في غزة».
قادة المقاومة بدورهم أدلوا بدلوهم، حيث تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة، إسماعيل هنية، عن أن «نفَس المقاومة طويل»، مؤكداً أن قدرتها على الاستمرار تفوق تقديرات الاحتلال. أما الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين، زياد النخالة، وفي ظهور علني له في ضاحية بيروت الجنوبية خلال تجمع تضامني حاشد مع غزة وأهلها، فقال: «ذهبنا إلى المعركة ونحن ندرك أنها مكلفة ولكنها الطريق الوحيد للحرية وحماية القدس والناس، ومعركة سيف القدس هي السيف الذي يجب أن لا يُغمد».
وقد أكد المتحدث باسم حركة «حماس»، عبد اللطيف القانوع، أن المقاومة ستجبر الاحتلال على الخضوع لشروطها وأن ضرباتها ستستمر حتى الدقيقة الأخيرة قبل التهدئة.
وفي دلالة تكتسب الكثير من الأهمية في هذا التوقيت الحرج والحساس، توجّه قائد «قوة القدس» الإيرانية الجنرال إسماعيل قاآني برسالة إلى القائدين العسكريين لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، محمد الضيف وأكرم العجوري، مشيداً بصمود المقاومة ومجدداً العهد على متابعة مسيرة سلفه سليماني في دعم وإسناد المقاومين بكل ما تملكه بلاده من إمكانيات، ومؤكداً أن إيران لن يهنأ لها عيش إلا بتحرير كامل التراب الفلسطيني وزوال إسرائيل.
وبينما كانت إسرائيل تهاجم غزة كانت عينها على جنوب لبنان، حيث تم إطلاق عدة رشقات من الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما اعتبرته إسرائيل أنه لا يمكن أن يحدث من دون موافقة «حزب الله».
غير أن الأمر شكل معضلة محرجة لإسرائيل، لأن عدم الرد على الصواريخ سيكسر هيبة الردع لديها، وسيسمح باستمرار إطلاقها في المستقبل، أما التصعيد والرد فقد يدفع بـ«حزب الله» إلى إشعال مواجهة مفتوحة، لا مصلحة لإسرائيل فيها لأن معظم قواتها النظامية وقوات الدفاع الجوي منشغلة في الجنوب. إضافة إلى النقص في الذخائر، وفقاً لتحليل الإعلام الإسرائيلي نفسه.
حلم التحرير أقرب
هو إخفاق موصوف وفشل ذريع لدى الجانب الإسرائيلي يقابله نجاح كبير للمقاومة في كسر أكذوبة التفوق العسكري لجيش الاحتلال، ومراكمة المزيد من الخبرات استعداداً لجولة مقبلة، لاسميا بعد تهشيم صورة القبة الحديدية على أثر التكتيك الذي اعتمدته المقاومة بإطلاق عشرات الصواريخ دفعة واحدة والذي حال دون تمكن المنظومة الدفاعية من إسقاط عدد كبير منها.
أسباب الإخفاق الإسرائيلي عديدة، لعل أهمها التقليل من الأهمية العسكرية لغزة واعتبارها جبهة ضعيفة ومعزولة، إضافة إلى الفشل الاستخباري في استهداف قادة المقاومة، وصولاً إلى عدم تجرّئها على الدخول البري لما تتوقعه من أثمان باهظة لا طاقة لها بها، خاصة بعد أن فضحت عملية «حارس الأسوار» مدى الوحشية الإسرائيلية أمام أنظار العالم.
«الجيش الذي لا يقهر» انكسر من جديد على أعتاب غزة وحي الشيخ جراح… لكن الأهم من كل ذلك، في هذه المعركة، كانت وحدة أبناء فلسطين من البحر إلى النهر، تحت راية المقاومة، وهو ما يجعلهم اليوم، أقرب بكثير من أي وقت مضى، إلى تحقيق حلم التحرير والعودة.
Leave a Reply