الخرطوم – القرار الدولي المتوقع بتوقيف الرئيس السوداني يطرح تحديات عديدة أسوأها تحويل السودان إلى «أفغانستان افريقية».إذ
تفتح امكانية متابعة الرئيس السوداني عمر البشير من قبل القضاء الدولي
بتهم إبادة جماعية في إقليم دارفور الباب أمام تحديات صعبة لبلد غني
بثرواته النفطية والطبيعية لكنه فشل في الخروج من دوامة العنف والفقر.ولا
يمكن تخيل حجم «المأساة»، التي قد تحل بالسودان في حال صدور أمر دولي
بتوقيف رئيس يمارس صلاحياته، إلا من خلال سيناريوهات تتوقف على مدى تجاوب
الحكومة السودانية مع مطالب المحكمة الجنائية الدولية ورد فعل القوى
الغربية وحركات التمرد التي تنتظر فرصة كهذه منذ أمد بعيد.أولى هذه
السيناريوهات ان يتجاهل البشير الامتثال لقرار المحكمة الدولية ويستمر في
الحكم مدعوما بـ«مسيرات شعبية» وتعاطف دول افريقية وعربية وأخرى لها مصالح
اقتصادية في السودان مثل الصين.خطوة كهذه لن تثير فقط حفيظة المتمردين
الذين قد يصعدون هجماتهم المسلحة على الخرطوم فحسب، لكن قد تجبر المجتمع
الدولي بقيادة الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات عقابية معروفة وطبقت في
دول أخرى كالعراق بغرض إضعاف اقتصاد البلاد وخلق حالة من الإحباط لدى
الشعب وتعويم حركات التمرد التي تقتصر لحد الآن في الجنوب. وستضطر الصين
ودول أخرى إلى وقف استثماراتها الضخمة في السودان تحت طائلة العقوبات
الدولية. وفي ظل وجود معارضة وحركات تمرد قوية في السودان فانها ستستغل
الوضع المزري لصالحها وتحرض على التمرد ضد رئيس «آثر البقاء في الحكم على
حساب استقرار البلاد».ويرى حزب المؤتمر الشعبي المعارض، الذي يتزعمه
حسن الترابي ان الأجدر بالبشير ان يواجه تهم القضاء الدولي بدلا من
الاهانة. وان كانت سياسة التدخلات العسكرية في عهد الإدارة الأميركية
الجدية منبوذة الى حد ما، فان حصار السودان اقتصاديا يكفي لإدخاله في
دوامة عنف اشد مما هي عليه الآن او قبل سنوات مما يؤدي الى إضعاف حكومة
الرئيس السوداني.أما السيناريو الثاني هو ان لا تصدر المحكمة الجنائية
الدولية أصلا أي قرار بشأن بتوقيف البشير، مقابل تنازلات يقدمها ومن بينها
تسليم قادة سودانيين متهمين مباشرة بالضلوع في ارتكاب أعمال إبادة في
دارفور.لكن الرئيس السوداني كان قد تعهد في وقت سابق بانه لن يسلم أي
سوداني الى محكمة لاهاي مفضلا ان تتم المحاكمات على مستوى القضاء السوداني
الذي يشكك المتمردون الغرب في نزاهته.وتطلق الحكومة السودانية مؤخرا
تهديدات للغرب بأن هنالك عناصر متشددة داخل السودان ولكن ليست القاعدة
ويمكن أن يحدث انفلات أمني في حالة صدور قرار من الجنائية ضد البشير.سيناريو
أخر هو ان تتوسط دول عربية مثل مصر والسعودية لدى حليفتهما الولايات
المتحدة لإيجاد مخرج للازمة، وقد بدأت بالفعل تحركات في هذا الشأن وهي
خطوة تلقى ترحيبا من اغلب الدول الإفريقية التي لا تريد ان ترى السودان
ممزقا بسبب مذكرة توقيف رئيس يمارس صلاحياته.ويبقى هذا السيناريو
الأفضل على الإطلاق لعدة إطراف عربية وافريقية ومن بينها السودان نفسه،
لكنه يتوقف على مدى اقتناع القوى الغربية وحركات التمرد التي كانت قد
أعلنت الأسبوع الماضي من الدوحة ان قبولها التفاوض مع الحكومة السودانية
لا يعني تخليها عن مطالب محاكمة البشير.
سياق آخر، رحب رئيس مجلس الأمن الدولي باتفاق حسن النوايا الذي وقعته
الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة الأسبوع الماضي بعد محادثات شاقة
في الدوحة تمهيدا لمحادثات سلام بشأن إقليم دارفور، في حين قللت واشنطن من
شأنه ووصفته «بالخطوة البسيطة»، وسط تباين في مواقف حركات المعارضة
بالإقليم.وقال رئيس مجلس الأمن السفير الياباني يوكيو تاكاسو إن اتفاق
الدوحة «خطوة في الاتجاه الصحيح» لإنهاء الصراع بدارفور، معربا عن أمله في
توسيع عملية السلام والبدء في إجراءات لبناء الثقة ووقف العمليات الحربية.
Leave a Reply