من حسن طالع سعد الحريري وبقايا قرطة حنيكر بمن فيهم فارس سعيد الدروندي والمرعبي والجراح وأشباه إعلامييها كمارسيل غانم ووليد عبود، أنَّ خصومه وعلى رأسهم سيِّد المقاومة هم قادة شرفاء وبالتالي فإنَّ «14 بركيل» لم يعتادوا على التعامل مع هذا الصنف الخلوق من الرجال أصحاب المباديء الرفيعة، مقارنةًً مع بني سعود الذين يتعاملون مع غلمانهم بفوقية وسلطوية وتعنيف وطأطأة رقاب وإذلال.
خذوا مثلاً ما حصل للحريري في الرياض والسلوك الفظ والدوني والهمجي الذي تعرض له كرئيس حكومة بشكلٍ لا مثيل له في تاريخ البشرية، حتى في أيام السلاطين العثمانيين الجزَّارين القتلة المجرمين أو الإستعمار الفرنسي الدموي عبر مسرحية سجن حكومة «الاستقلال» في قلعة راشيا!
وفي حين سارع الشارع الوطني المقاوِم وفي مقدمته السيِّد حسن نصرالله إلى امتصاص خطاب سعدو الناري في بيان الإقالة واعتباره أنَّه أُجبر عليه تحت ضغط مسدسٍ ربَّما مُصوَّب إلى رأسه وأعلنوا الشفقة عليه وعلى سيادة لبنان الوطنية مطالبين بالإفراج عنه منذ اليوم الأول لاعتقاله، في المقابل سال لُعاب حاشية الزعطوط السبهان مثل أشرف ريفي وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي لاستغلال حجز الحريري وتشكيل حكومة جديدة تحت ذريعة حقوق السُنَّة، بينما بقيت كتلة «المستقبل» ستة أيام تتخبط خبط عشواء إلى أن استوعبت ضرورة المطالبة بعودة زعيمها وتلميح نهاد المشنوق انهم ليسوا قطعاناً ردَّاً على محاولة بن سلمان تنصيب بهاء الحريري محل أخيه الرهينة. وبعد مكابرة وعناد وقلة أخلاق خصوصاً من المدعو معين المرعبي بحق الإعلامية لينا مشلب والذي اعتراه الغضب الشديد لسؤالها عن حجز الحريري في فندق «ريتز كارلتون»، متفوِّهاً بعبارات سوقية هي صفاته، أقرت أخيراً كتلة الحريري تلميحاً أنَّ رئيسها موضوع في الحجز ولا يجرؤ على العودة إلى لبنان بالطائرة خوفاً من إسقاطها وهي في الجو فيلاقي مصير منصور بن مقرن الذي حاول الهرب. وبمقتل منصور بن مقرن ضَمِن بن سلمان نهاية خط عبد العزيز بن سعود الوراثي لأن آخر أولاده وهو مقرن، كان من المفروض أن يكون ملكاً وأقصاه سلمان عن ولاية العهد بعد أربعة أشهرمن تسلمه العرش، وكانت ستبدأ سلالة جديدة لبني سعود عبره وعبر أبنائه من بعده، لا أبناء سلمان!
لقد استغرب الكثير من المحللين والسياسيين استهتار السعودية بلبنان رغم ادعائها بأنها على مسافة واحدة من الجميع، وتوجيه إهانة لرئيس الجمهورية والحكومة والمجلس وترويع الحريري كرئيس حكومة والتصرف معه وكأنه عبدٌ من عبيدهم كعادل الجبير مثلاً، وحمله على رؤية الأمراء الذين كان يحني لهم رأسه لأنهم كانوا من ذوي المهابة والسطوة باتوا اليوم يركعون وينخون لإبن سلمان الذي هو في عمر أحفادهم، لكن لا مبرِّر للإستغراب فالسلوك السعودي هو هو لم يتغير بل كانت تتم تغطيته بمساحيق غليظة عبر إعلاميين وسياسيين مرتزقة مثل غانم وعبود وكعكي وقطيش وجبور وضو.
لكن اليوم انكشف قناع السعوديين والزلزال الذي أحدثه إبن سلمان بانقلابه على أبناء عمومته ومن بينهم أسماء أباطرة في عالم المال والفحش والسرقات (وهو أول الفاسدين والُمفسِدِين على كل حال)، سيدق إسفيناً في نظام بني سعود ولو لم تسل الدماء اليوم، ذلك لأن إصلاح كيان مهتريء فاسد رجعي وظلامي وتكفيري حاقد لا يمكن أن يتم فالنظام السعودي والإصلاح خطان متباعدان لا يلتقيان والحقد والانتقام سيصبح سيِّد الموقف لدى 15 ألف أمير يحكمون البلاد والعباد.
ولكي يصرف بن سلمان الأنظار عن انقلابه الذي مصيره الفشل المحتوم، يقوم بتسعير نار الحرب على لبنان مُطلِقاً سيل الشائعات عن قرب القيام بضربة عسكرية من قبل قيادة التحالف العربي لمواقع المقاومة في لبنان وسوريا، وذلك واضح من خلال التصريحات السبهانية ودعوات دول الخليج لرعاياها لمغادرة لبنان (جونيه والمعاملتين حصراً) أو حظر السفر إليه. وقد تعلم نظام بني سعود من إسرائيل لإيجاد ذريعة للعدوان فذكر الصاروخ اليمني الباليستي الذي ضرب في عُقر دار الرياض مُحمِّلاً إيران والمقاومة المسؤولية عن تزويد الحوثيين بمنظومة الصواريخ المتطورة.
إلا أنَّ الشعب اللبناني وخبراء الحرب يسخرون من هذا السيناريو المسوَّق سعودياً، لأن الذين هم أكبر من بن سلمان وأكثر تقدماً منه بسنين ضوئية لم يتمكَّنوا من النيل من إرادة الشعب والمقاومة والجيش في لبنان، فكيف إذا كان على رأس السلطة اللبنانية اليوم جبل صلب مُقاوم كالعماد عون؟ معه حق اللواء جميل السيِّد تصوروا لو كان في قصر بعبدا اليوم ميشال سليمان بدل عون؟ الله يحب لبنان فعلاً!
لقد وقعت السعودية في الحفرة التي حفرتها للمقاومة ولبنان المستقل عنها وقد تكون الخطوة الناقصة هذه بمثابة ضربة قاصمة لنفوذها، وكذلك أنهت السعودية بجرة قلم مسيرة سعد الحريري السياسية حتى لو عاد إلى لبنان من الإقامة الجبرية لأن عودته ستكون ذليلة ومُهينة. وهذا يرتب على لبنان مسؤولية إنهاء مهزلة تسليم مناصب رفيعة في الدولة لأصحاب الجنسيات المتعدِّدة خصوصاً لأنَّه في لبنان لا توجد مواطنية حقة ومصلحة وطنية تعمل لصالح البلد فقط والمؤسف أنَّ معظم وحوش المال مجنَّسون بجنسيات أوروبية وأميركية. كما على أنصار «المستقبل» أنَّ يستيقظوا ويتحرروا فعلاً من ربقة بني سعود وحلفائهم مثل سمير جعجع الذي كان على علم بنوايا بن سلمان ولم يُسرِع لإسعاف حليفه الذي أخرجه من السجن! على أنصار الحريري أنَّ يثوبوا إلى رُشدهم فلا تغرهم شعارات الحرية والسيادة والاستقلال بعد اليوم وهي الشعارات التي داسها بنو سعود بأقدامهم عندما أخذوا رئيس الحكومة رهينة، فليتصوروا ماذا كان حصل لو أنَّ إيران مثلاً طلبت، مجرَّد طلب، من وزير محسوب عليها أنَّ يستقيل ناهيك عن إقالته خارج بلده؟ على أنصار سعد أن يقتدوا بالحريري الأب الذي كان حليفاً للمقاومة ويتعظوا بأن المال والنفوذ مهما كبر ليس كل شيء ولا يعني شيئاً وقد يندثر بين ليلة وضحاها ولا يبقى إلا الوطن وشركاؤه الحقيقيون!
Leave a Reply