إسرائيل تفتعل أزمة صواريخ شبيهة بأزمات أخرى في العالم
لم يكن تسريب خبر عبر صحيفة “الرأي” الكويتية عن تزويد سوريا لـ”حزب الله” بصواريخ من نوع “سكود” الروسية الصنع، إلاّ افتعال أزمة من قبل أميركا وإسرائيل تذكّر بأزمات الصواريخ في العالم، من كوبا الى كوريا، وصولاً الى أزمة صواريخ سام 6و7، التي ادعت إسرائيل أن سوريا أدخلتها الى سهل البقاع في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ونشرتها فيه، إضافة الى صعود قواتها مع حلفاء لها، الى الغرفة الفرنسية في أعالي قمم جبل صنين وهو موقع استراتيجي هام يطل على قبرص ويكشف إسرائيل، بعد طرد “القوات اللبنانية” منه التي كانت تتعامل مع إسرائيل، تحضيراً لعدوان عليه، واجتياح أرضه.
فما ذكرته الصحف الإسرائيلية وأخرى أجنبية، عن امتلاك “حزب الله” لصواريخ “سكود” يصل مداها الى نحو 700 كلم، وتحمل رؤوساً متفجرة قد يصل وزنها الى طن، هو سيناريو يشبه، ما روجت له أميركا وزعمت أن العراق لديه أسلحة دمار شامل تهدد السلام في العالم، لتبرر أمام العالم شن حرب عليه، وهذا ما حصل باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، تبيّن فيما بعد أن كل ادعاءات إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كانت كاذبة، ولا أساس لها من الصحة، حيث أظهرت لجان التحقيق والتفتيش الدولية التي أرسلت الى العراق، أنه لا يمتلك مثل هذه الأسلحة، وقد جرى تفتيش حتى القصور الرئاسية، كما اعترف وزير الخارجية الأميركية كولن باول، بكذب إدارته، وأنه شخصياً تورط في الحملة، وكانت لطخة عار على جبينه، ومثله فعل قادة سياسيون وعسكريون أميركيون.
فافتعال أزمة تزويد سوريا للمقاومة في لبنان بصواريخ “سكود” ما هو إلاّ ذر الرماد بالعيون، لإخفاء ما تعانيه الحكومة الإسرائيلية من ضغوط دولية عليها وحتى أميركية، بسبب سياستها المتعنتة في رفض السلام، والممانعة لوقف أو تجميد بناء المستوطنات كما في الفضائح التي ظهرت عن ارتكاب إسرائيل لمجازر في غزة عبر تقرير مندوب الأمم المتحدة غولدستون، الى انكشاف تورط “الموساد” الإسرائيلي في اغتيال القيادي في “حماس” محمود المبحوح في دبي، وتزوير جوازات سفر لعدد من الدول الأوروبية.
كل هذه الأجواء الدولية الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية، التي تعاني مأزقاً داخلياً، بسبب سعيها لطرد الفلسطينيين من أراضي العام 1948، والمواجهات بينهم وبين الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين اليهود، وتدنيس الأماكن الدينية الإسلامية، والمسيحية، فإن هذه التطورات تدفع بحكومة نتنياهو الى افتعال أزمة صواريخ “سكود”، وقبلها تهريب السلاح من سوريا الى لبنان، من أجل لفت الانتباه عن الأزمات الإسرائيلية، واعتبار أن ما يتهدد السلام في المنطقة هو السلاح بحوزة “حزب الله”، الذي يهدد أمن إسرائيل الحريصة عليه الولايات المتحدة، وتحويل اهتمام المسؤولين فيها من بناء المستوطنات، الى ما يتهدد الدولة العبرية، إذ اهتمت الإدارة الأميركية بهذا الموضوع، ووضعته في جدول أولوياتها فاستدعت السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ونائبه زهير جبور لاستيضاحهما عن وصول صواريخ “سكود” عبر سوريا الى المقاومة في لبنان، وأرسلت موفدين الى لبنان وسوريا، للبحث في تهريب السلاح، فجاء كل من: مسؤول الأمن القومي وليامز جونز، ومساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس جون كيري، وركزوا جميعهم على موضوع استمرار وصول السلاح الى “حزب الله”، دون أن يسأل أحدهم نفسه عن وصول السلاح الأميركي الى إسرائيل، ومنه ما هو محرم دولياً وإنسانياً، وعن استخدامه ضد المدنيين في لبنان، وارتكاب المجازر البشعة، بحق الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المنازل على ساكنيها…
فالسلاح بيد المقاومة في لبنان ممنوع أميركياً وإسرائيلياً، وهو حق مشروع أن يكون موجوداً للدفاع عن الأرض والشعب في مواجهة أي عدوان، وقد كفل ذلك ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، وأن المقاومة في لبنان هي نتيجة لوجود الاحتلال وقيامه باعتداءات شبه يومية على لبنان، وخرقه لسيادته وسرقة مياهه، وعدم التزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية بالانسحاب من ما تبقى من أرض لبنانية محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي المحتل من بلدة الغجر والتي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي 1701.
فإسرائيل لا يمكنها أن تتساكن مع سلاح تمتلكه المقاومة، وأصبح رادعاً وفاعلاً، وأثبت فعاليته في الدفاع عن لبنان في أثناء العدوان عليه صيف 2006، فكيف إذا كان هذا السلاح من نوع “سكود” أو من نوع الصواريخ المضادة للطائرات، حيث لا تستطيع أن تؤكد أن المقاومة باتت لديها هذه القدرة العسكرية الصاروخية، إذ أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، كان يردد دائماً ويؤكد في كلماته وخطبه ومقابلاته، أنه لا يؤكد ولا ينفي امتلاك المقاومة للصواريخ من أي نوع كان، ولا يتحدث عن نوع الأسلحة لدى المقاومة، وهذه من الأسرار العسكرية، ويبقى محظوراً الكلام عنها، حتى تتكلم في الميدان، وتشكّل مفاجأة للعدو، وهذا ما حصل أثناء قصف المقاومة للبارجة الإسرائيلية “ساعر” في عرض البحر قبالة بيروت والتي كانت تقصف الضاحية الجنوبية، كما أن المفاجأة، كانت في استخدام المقاومة لنوع من قاذفات الصواريخ “كورنيت” التي دمرت أكثر من خمسين دبابة “ميركافا” متطورة من الجيل الرابع للعدو باعترافه هو، كما أن صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف ظهرت في معركة وادي الحجير، وأسقط إحداها طائرة “أباتشي”.
هذه المفاجآت هي التي كانت السبب في صمود المقاومة وتصديها، وأن السيد نصرالله ما زال يعد بمفاجآت أخرى، وكان وعده صادقاً، ويأخذ الإسرائيليون كلامه على محمل الجد، لأنه يقرن القول بالفعل، وهو لذلك يرفض التعليق على موضوع الصواريخ، وقد حاولت أميركا وإسرائيل عبر طاولة الحوار في لبنان، أن تذهب الى سلاح المقاومة، فطلبت من أعضاء في هيئة الحوار، لا سيما “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب” وحتى “تيار المستقبل” إثارة موضوع السلاح، وضرورة أن تكون الدولة على معرفة به، وهي خديعة، اكتشفتها المقاومة وحلفاؤها، فرفضوا البحث في السلاح، وإبقاء عنوان الحوار تحت سقف “بناء استراتيجية دفاعية”، وهي التي أشار إليها البيان الوزاري للحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري، عندما تحدث عن أن الدفاع عن لبنان يقوم به الجيش والمقاومة والشعب، وعلى الحكومة وضع هذا البند موضع التنفيذ، وأن هيئة الحوار تبحث في القضايا، التي تعزز الدفاع على مختلف الصعد الاقتصادية والتربوية والاجتماعية الخ…
فالحوار ليس على السلاح، بل في الدفاع عن لبنان، وأن الثغرة هي في تزويد الجيش بالسلاح، وهو ما لا تراه المقاومة سلبياً، بل تعتبره مكملاً لقوتها، ويزيد عليها فكيف إذا كان الجيش يمتلك عقيدة قتالية؟
لذلك فإن افتعال أزمة صواريخ ما هي إلاّ محاولة لكشف ما إذا وصلت الى المقاومة، ولحشر سوريا أمام الرأي العام العالمي، كما تزعم إسرائيل التي انفضح أمرها بأنها ليست دولة سلام، بل دولة إرهاب، وقد أرسلت سوريا الى المسؤولين الإسرائيليين، كلاماً قاسياً، بأن أي اعتداء على لبنان، سيعتبر عدواناً على سوريا، وسيتم التعاطي معه تحت هذا العنوان، وستسقط الصواريخ على المدن الإسرائيلية من سوريا، التي لا تنفع معها التهديدات كما قال وزير الخارجية وليد المعلم، الذي نفى أن تكون بلاده زودت “حزب الله” بالصواريخ والأسلحة، وأن كل هذه الادعاءات ما هي إلاّ إيحاءات بالحرب التي إذا سمحت بها أميركا وأعطت إسرائيل ضوءًا أخضراً، فإنها لن تقف عند حدود لبنان، بل ستطال المنطقة كلها، وهو ما حذر منه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي تحدث عن احتمال انفجار الوضع على الجبهة الشمالية عند الحدود اللبنانية – الفلسطينية، ويأتي كلامه وهو المعروف عنه علاقاته الأميركية والإسرائيلية، مع استمرار المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية، والحشود مع لبنان، وهذا ما تأخذه المقاومة بالحسبان.
فأزمة الصواريخ التي بدأت تنحسر، كانت “بالون اختبار” إذ بدأ القادة الإسرائيليون يتراجعون عن لهجة الحرب والعدوان، بعد أن سمعوا ردات الفعل عليهم، وأن إشعال المنطقة سيكون مكلفاً على إسرائيل، التي باتت منشآتها البتروكيميائية، وتجمعاتها الصناعية والعسكرية ومطاراتها ومدنها تحت مرمى صواريخ المقاومة التي وعد السيد نصرالله، أنها ستكون تدميرية، وهو ما يقلق إسرائيل أن يكون كلامه يعني امتلاكه “السكود” و”فاتح 100” وغيرها من أنواع الصواريخ ليست الرادعة فقط، بل التي تقلب الموازين، وتعيد رسم خارطة جديدة للمنطقة قد لا تكون إسرائيل فيها.
Leave a Reply