عباس الحاج أحمد
يقول غوبلز –وزير الإعلام النازي في عهد هتلر–: «أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي». كلمات واضع أسس البروباغاندا تطال كل الشعوب في جميع الأزمنة. من عصر الحمام الزاجل إلى حقبة الإنترنت، كانت ومازالت قوة الكلمة والصورة حاضرة في صناعة الرأي العام وتشكيل العقول إما بالتزييف والتدليس أو بالمصداقية وإظهار الحقائق.
على وقع هذا التاريخ المتصل بالمستقبل، تزداد تحديات الإعلام الهادف بكل أشكاله، ففي زمن «الفوتوشوب» وتطور المؤثرات البصرية والسمعية، يصبح كل مايراه المشاهد أو يسمعه عرضة للشكوك والتأويلات. لذا وقفت «صدى الوطن» بوجه هذا التحدي متمسكة بالكلمة المطبوعة فأعلنت عشية ذكرى تأسيسها الـ35 عن حلة جديدة بطبعتها الورقية إلى جانب صفحاتها الإلكترونية وتقاريرها المكتوبة والمصوّرة.
لا تقتصر الحواجز على أعباء الصحافة الورقية أمام الشاشة الإلكترونية، فعلى «صدى الوطن» مسؤولية ضخمة بتبني قضايا لقضايا المهاجرين العرب في أميركا الشمالية، في ظل تصاعد الأصوات المناهضة لسياسات الهجرة وتقدم اليمين المتطرف في أوروبا بماري لوبان وماتيو سالفيني وغيرهما، إلى الجرح النيوزيلاندي العميق في صدور مسلمي العالم، وصولاً إلى مشاكل المهاجرين أنفسهم الذين ينقلون صراعاتهم المذهبية وصناديقهم السوداء إلى الوطن الجديد. تقف «صدى الوطن» حارسة على البوصلة بوجه الأصوات الانعزالية والتقسيمية لترسم خطوطاً بقوة الكلمة والرأي تتشابك في دمج الثقافات المتعددة بخلطة حضارية فريدة، اسمها (العرب الأميركيون).
يقول رسام الكاريكاتير ناجي العلي: «للكلمة والخط المرسوم وقعٌ أقوى من زخات الرصاص». فالكلمة والصورة هي التي تحرك الدماغ. لقد مرّت على أوروبا عصور مظلمة تمكنت من تجاوزها بنور الكلمات وألوان اللوحات، إبداعات النوتات، ثم حلت لعنة الحروب العالمية في بداية وقبل أواسط القرن العشرين بزخات رصاص المتطرفين بفكرهم القومي والعرقي والديني الذي يعود اليوم إلى المسرح العالمي من خلال موجات جديدة من العقائد المتطرفة بكافة الأشكال والألوان ويخشى من تمددها كالنار في الهشيم على قاعدة الفعل ورد الفعل.
هنا، تبرز أيضاً أهمية صناع الرأي العام في تشكيل البيئة الثقافية وتحريكها –مهما كان حجمها– بقوة الكلمة لا بأزيز الرصاص.
والكلمة سيف ذو حدين. إذ يطفو أيضاً في زمن وسائل التواصل، إعلام «الرايتينغ» اللاهث خلف اللايكات بشتى الطرق. يُسهّل زر «اللايف» تعويم الأفكار بالرغم من رداءتها أو ضعفها. أما خداع الجمهور والسيطرة على الرأي العام فأصبح أكثر سهولة في ظل الذكاء الاصطناعي ووفرة الداتا. ولكي لا نتحول إلى أسرى لشركات التكنولوجيا والتسويق من جهة، ونصطدم بجدار الزيف والتصنع من جهة أخرى، نتمسك في «صدى الوطن» بالنسخة الورقية ونخطو قدماً في عالم الإعلام الإلكتروني إيماناً منا بأهمية التطور ومواكبة العصر دون التخلي عن الثوابت وأصول السلطة الرابعة.
وهنا أيضاً، نقف باسم «صدى الوطن» لنقول: كلمتنا المحرّرة ولقاءاتنا المصورة وساحتنا المفتوحة للثقافات المتعددة وطاولة حوارنا الحاضرة أمام النقد البنّاء والأسئلة المطروحة وصندوقنا البريدي الذي يستقبل دائماً هموم المهاجرين العرب وقضاياهم، كل ذلك هو منكم ولكم، وبدعمكم نستمر ونتطور ونتجاوز كل التحديات.
Leave a Reply