كان ينشد أشعاره في حفلات شعبية، على المسرح، أو بأي مكان يجتمع الناس فيه. وفي صيف ١٩٢٥، وفي أحد الأماكن العامة، التقاه الكاتب والشاعر أمين الريحاني، وسمعه ينشد نفراً من أصدقائه بعض أغانيه الإجتماعية، فأعجب بما سمع وتقدم منه وسأله: يارجل.. ألست عمر الزعنّي؟؟ فأجاب: نعم! فقال له الريحاني: ما أنت بمغنٍ، أنت مربٍّ!!
في عشرينات القرن الماضي، برز في لبنان إسم الزعنّي كظاهرة فولكلورية شبيهة بظاهرة موليير الأديب المسرحي الفرنسي الساخر، القادر على التعبير عن هموم الإنسان في أسلوب فني سهل وبسيط، وبلهجة محكية. يكفي أن يسمعه المرء حتى يقول: هذا في الواقع ما يجول في فكري وما أريد قوله.
عرفَ عمر الزعني كيف ينزل إلى «مستوى الشعب».. فعرف كيف يرفعه. اختبر الناس وحفظ أمثالهم وكلماتهم، وراح يصوغها مهارةً وفنّاً ويكسوها حلة من الأنغام والطرب. وكان يتقدم الجمهور ومعه عوده وينشد أشعاره التي تحكي وجع الناس ومتاعبهم، والجمهور يصفق له، ويحمله كناطق بأسمه ومعبر عنه، بأسلوبه السهل الممتنع البعيد عن الألغاز والكلام المطنطن المكنفش:
بلا طنطنات ولا كنفشات ديك الحبش سلطانو مات!
ولد عمر الزعنّي في بيروت عام ١٨٩٥ وعاش حتى ١٩٦١ وعاصر العهد العثماني والإنتداب الفرنسي ومرحلة الإستقلال عن فرنسا. وبأسلوبه الساخر القادر، المعبر عن هموم الإنسان في إطار فني شعبي، كان يتلاعب باللهجة البيروتية المحكية والفاظها، وقد وثق أحداثاً وتحولات إجتماعية عبر أغانيه المسرحية وقصائده وبرامجه الإذاعية، أدت به إلى السجن في أحيان كثيرة. مثل قصيدته التي أقامت الدنيا وأقعدتها، والتي غناها عندما جدد بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية يومذاك ولايته لست سنوات أخرى:
جدِّدلو ولا تِفزَع خَلّيه قاعد ومربّع
بيضلّ أسلَم من غيرو وأضمن للعهد وأنفع!!
لاتخاف إلا من الطفران الطفران غلب السلطان
والمحروم والجوعان بيضلّ بمالك طمعَان
أما المليان والشبعان من لقمة زغيرة بيشبع!!
هوي بأمنيتو ظفر ومدامتو شبعت سفر
والمحروس نال الوطر وإخوانو شبعو بطر
ما عاد في منهم خطر ما عاد إلهم ولا مطمع!!
جددلو ولا تفزع
ذاتا ما خلا جواهر ولا مخلفات عساكر
ميري وكوتا عالآخر وفرغت كل العنابر
وانقطع النقد النادر والتبلاين مد القساطر
ما عاد حدا يبلع
كان لبيروت النصيب الأكبر في أغنياته. وقد تذكر الكثيرون أغنيته المشهورة «يا ضيعانك يا بيروت» أثناء الحرب الأهلية، وكان قد توفي قبلها، وكأنه كان يتنبأ بوقوع حرب ١٩٧٥.
يا ضيعانك يا بيروت يامناظر غشاشة
ياخداعة وغشاشة ياعروس بخشاشة
يا مصمودي بالتابوت
الجهال حاكمين والزعران عايمين
والأنذال عايشين والأوادم عما تموت
الغريب بيتمخطر والقريب بيتمرمر
واللي بيفوت ما بيظهر واللي بيظهر ما بيفوت
ياضيعانك يا بيروت
ولإظهار الظلم الإجتماعي الناجم عن سوء توزيع الثروة والحظوظ بين البشر: ناس بطرانة.. وناس لاتملك ثمن القوت، غنى قصيدته «ياريتني حصان» وفيها يتمنى أن يكون حصاناً في إسطبلات العائلات البيروتية الغنية والتي كان لها خيول تشارك في السباقات كل يوم أحد:
لوكنت حصان شو عبالي أبو زيد خالي وراسي عالي
من الهم خالي عايش سلطان
لو كنت حصان في بيت «سرسق» باكل فستق باكل بندق
ماكنت بسرق زي الزعران
لو كنت حصان في بيت «بَيهم» بعيش بفيّهم وبحيّهم
وباكل زيهم أشكال ألوان!
وبأسلوبه الفكه والخفيف المرح واللاذع، إنتقد الزعني آفات مجتمعه عبر صور كاريكاتورية لطيفة وتناول بهجائه رذائل الناس ومساوءهم بوصف صادق، فتأتي أناشيد حافلة بالضحك والألم والسخرية والمغزى الجميل. إنتقد طبقة «النوفو ريش»، وهي عبارة فرنسية تعني أثرياء الحرب، غالبيتهم يثرون بعد كل حرب أو تحولات اجتماعية كبرى، وكانوا ولازالوا كثراً في لبنان وفي غيره من البلدان، وكان الزعني قد غنى هذه القصيدة عام ١٩٤٦.
كان جلبوط وأشلاميش صار له لحـــــم، وصار له ريش
جمع المــال بالحيَل وإجــا يندس بالعيـل
ويخفي عيوبه والعلل بالهدايــا والبخشيش
لما فاض رسمــاله اضطربت احــواله
وانقلبت أشــكالـــه غيّر بـدل شــرواله
من جوا على حالـــه ومن برة على ريــش
Leave a Reply