إن برنامج المراقبة الكبير الذي تطبقه شرطة نيويورك بتنسيق مع مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الـ”سي آي أي” يمثل خرقاً للدستور، لأنه يعرِّض للخطر حقوق وحريات الأميركيين العرب والمسلمين. وبالتالي، فإذا لم يتم وقف هذا السلوك، فإنه سيقوض أسس ديمقراطيتنا وسيعرِّض قيمنا كمجتمع مفتوح ومندمج للخطر.
ولاشك أن المعلومات التي كشفت عن وكالة “أسوشييتد برس” أثبتت أن شرطة نيويورك كانت تقوم بتعاون مع بعض مسؤولي الـ”سي آي أي”، بمراقبة متاجر مملوكة لعرب ومسلمين ومساجدهم و”رسم خريطة” للمناطق التي تعيش فيها أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين والعرب بالمدينة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، غررت شرطة نيويورك ببعض المسلمين وأرغمتهم على العمل لحسابها كجواسيس.
وفي إحدى الحالات، قامت الشرطة بالبحث في سجلات سائقي سيارات الأجرة عن السائقين الذين لديهم مخالفات غير مدفوعة ومخالفات أخرى. كما خُيِّر الأشخاص الذين لديهم مشاكل تتعلق بالهجرة بين العمل كجواسيس أو مواجهة إمكانية الترحيل. وبعد تحويلهم إلى مخبرين، طُلب منهم الذهاب إلى أماكن التجمعات الشعبية (مثل المقاهي والمتاجر… إلخ)، وحضور الشعائر الدينية في المساجد، وفعاليات أخرى تنظمها الجالية من أجل التبليغ عن الأشخاص الذين شاركوا في تلك الفعاليات وماذا قيل فيها. ويتم إدخال هذه المعلومات في ملفات مراقبة ضخمة، حتى عندما تكون الأنشطة التي تم حضورها والكلمات التي قيلت فيها بريئة ومحمية بموجب التعديل الأول من الدستور.
غير أن التقارير التي يتم جمعها وتصنيفها باعتبارها “سرية” هي في أفضل الأحوال معروفة ومبتذلة، ولكنها في الوقت نفسه خطيرة لأنها تمثل استهدافاً لجالية إثنية ودينية بعينها، وتمديداً للذراع الطويلة للحكومة حتى تطال النشاط اليومي لجالية برمتها.
وإذا كان يُتوقع من أجهزة فرض القانون أن تكون يقظة، وينبغي أن تكون استباقية من أجل التصدي للتهديدات الممكنة، مثلما قال وزير العدل أريك هولدر، فإن الشرطة لا يجوز أن تراقب نشاطاً إلا “عندما يكون ثمة سبب للاعتقاد بأن شيئاً غير مناسب يحدث أو يمكن أن يحدث”. والحال أنه من الواضح أن التقارير “السرية” حول الجاليات المصرية والسورية والفلسطينية والشيعية التي تم تسريبها ونشرتها وكالة “أسوشييتد برس” تمثل انتهاكاً لمعيار هولدر.
والمثير للقلق والإزعاج أيضاً هو النفي التام من قبل مسؤولي شرطة نيويورك لحدوث أي شيء غير مناسب، وما يبدو تسامحاً من قبل الجمهور تجاه هذه الانتهاكات السافرة للحقوق. ذلك أنه على رغم وجود أدلة واضحة تفيد العكس، إلا أن قائد الشرطة رايموند كيلي زعم أن “القيمة التي نوليها لحقوق الخصوصية والحمايات الدستورية تشكل جزءاً مما يحفز عمل محاربة الإرهاب. وستكون ثمة نتائج عكسية إذا ما نحن انتهكنا تلك الحريات أثناء قيامنا بعملنا للدفاع عن نيويورك”. ومن جانبه، نفى عمدة المدينة مايكل بلومبرغ أن تكون ثمة أية عملية استهداف لجالية إثنية ودينية معينة حيث قال: “إننا لا نتوقف للتفكير في الدين.. بل نتوقف لنفكر في التهديدات ونركز جهودنا عليها”، متجاهلاً التصريحات الواردة في بداية كل واحد من التقارير “السرية” التي تفيد بأنها تستهدف جاليات إثنية ودينية معينة. وأخيراً، فقد خلص استطلاع حديث للرأي شمل بعض سكان المدينة إلى أن “سكان نيويورك لا يلقون بالاً للشكاوى بشأن مراقبة الشرطة للجالية المسلمة”.
وإضافة إلى انتهاكات حقوق المواطنين الأساسية والمكفولة في عدم التعرض للمراقبة الحكومية المنتهكة للخصوصية أثناء قيامهم بأنشطتهم اليومية العادية، هناك أيضاً مواضيع أخرى مزعجة لابد من الإشارة إليها كذلك. ولعل أهمها هو التوجس والارتياب اللذين يولدهما هذا السلوك. فنتيجة لهذا البرنامج الذي تشرف عليه شرطة نيويورك والـ”سي آي أي”، أصبح المهاجرون العرب والمسلمون يخافون على نحو متزايد من أجهزة فرض القانون لأن الثقة كسرت، علماً بأن الثقة بين الجالية والشرطة هي مفتاح أي استراتيجية ناجحة للوقاية من الجريمة. كما أن هناك نتيجة فرعية أخرى لهذا الجهد تتمثل في مشاعر الارتياب التي خلقتها بشأن الجالية، حيث كرست الأحكام المسبقة والتصورات السلبية عنهم إذ قد يذهب البعض إلى أنه: “إذا كانت الشرطة تعتقد أنهم يمثلون جميعاً تهديداً، فلابد أنهم كذلك بالفعل”.
كما ينبغي الإشارة أيضاً، خاصة بعد مراجعة “التقارير”، إلى التبديد الكبير للموارد الذي يمثله كل هذا الأمر، حيث لم يهمش الجالية ويبعدها عن الشرطة فحسب، وإنما استهلك أيضاً ما لا يحصى ولا يعد من ساعات العمل القيمة من أجل إنتاج ملفات وتقارير لا قيمة لها. بل يمكن القول باطمئنان إن نتيجة كل هذا العمل كانت عديمة الفائدة بالنسبة لجهود الحفاظ على نيويورك آمنة.
والواقع أنني لطالما جادلتُ من قبل بأن العرب والمسلمين هم الحلقة الضعيفة في سلسلة الحرية المدنية في أميركا. فعندما تكون حقوق أقلية ضعيفة وهشة مهدَّدة، فإننا ندرك ضرورة المطالبة بوقف ذلك التعسف، لأننا تعلمنا أنه عندما تتعرض حقوق أي مجموعة لخطر، فإن حقوق الجميع تصبح في خطر كذلك. ومن المقلق حقاً تحدي الحقوق الدستورية، في مرحلة ما بعد “١١ أيلول”، يقابَل في كثير من الأحيان بالصمت -لأن العرب والمسلمين هم المستهدَفون- ولأن ما لم نفهمه هو أنه إذا تعرَّض الحق في التجمع، وفي التعبير بحرية، وفي عدم التعرض للتفتيش دون مذكرة، وفي محاكمة عادلة وقانونية… للخطر على أيدي شرطة نيويورك والـ”سي آي أي” في نيويورك، فإن هذه الحقوق قد تصبح مهدَّدة في نهاية المطاف بالنسبة لجميع الأميركيين.
Leave a Reply