تأسس الكيان اللبناني الجهيض، الذي أعلنه الجنرال الاستعماري الفرنسي غورو في 31 آب 1920، بهدفين: إنشاء وطن قومي للموارنة على غرار المخطَّط الجنيني الغربي بإقامة وطن قومي لليهود والذي كان قيد الولادة في فلسطين، وخلق عداوة وبغضاء بين شبه الكيان وسوريا كدولة وطنية عروبية حاربت الاستعمار الفرنسي ودفعت في سبيل ذلك دماءً زكية –يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش نموذجاً–. لكن الفرق بين لبنان وسوريا أنها تعترف برجال استقلالها الحقيقيين لا المزيفين، أمَّا لبنان فكتب التاريخ المزورة فيه لم تلتفت إلى تضحيات الأطراف في جبل عامل وبعلبك والشمال –خنجر وحمزة مثالاً– بل عَزَت استقلال لبنان المنقوص إلى مدينة بيروت فقط وحزبين أوحدين لا غيرهما هما «الكتائب» و«النجادة»، مع أنَّ أول شهيد للاستقلال كان من «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، والذين بذلوا أرواحهم والدماء في البرلمان هم من أهل بعلبك كما كررنا في عدة مقالات سابقة.
الغاية من سرد هذا التاريخ المُختصر استدعاه النقاش الذي جرى داخل الحكومة اللبنانية مؤخَّراً لدى مداخلة رئيس «الحزب السوري القومي الإجتماعي» علي قانصو عن رؤية الحزب والحلفاء لحل أزمة النزوح السوري فكان رد وزير «المستقبل» المرعبي «أنَّ الحكومة لا تريد منح الشرعية للأسد» وجاراه مروان حمادة، (الجنبلاطي المخلوط على مستقبلي)، بالقول «إننا لا نستطيع الحوار مع النظام».
لا أعلم من أي كوكب حطَّ المرعبي وحمادة! هذان المعاديان لسوريا يذكِّرنني بالفيلم الأميركي الهزلي «الرؤوس القرطازية» (Cone Heads) أو بكلام زياد الرحباني في مسرحية نزل السرور «يا عيني ليك وين بعدو».
فقط النعاميون المتعامون عن الحقيقة مازالوا يظنون أنَّ الرئيس الأسد سيرحل وكأنهم لا يرون أنَّه رغم الحرب الطاحنة على بلده والمخاطر الأمنية الرهيبة مازال يتجول في الأسواق ويعود الجرحى والمصابين في بيوتهم مع عائلته المؤلفة من زوجته وأولاده الذين يخلعون نعالهم بكل تواضع، ويصلي في المسجد يوم العيد ثم يركب طائرة «سوخوي» أمام أعين العالم بينما بواسل الجيش السوري وحلفاؤه في المقاومة يطهِّرون الأرض من رجس الإرهابيين. فمن يجرؤ من حكام بني سعود والخليج وحتَّى الغربيين منهم أنْ يفعل ذلك؟ وكم كان مضحِكاً محاولة السيسي في مصر تقليد الرئيس السوري في جولة خاوية على عروشها إلا من نفر من العسكريين والمخابرات.
هل يملك أسياد المرعبي وحمادة الشجاعة ليكونوا وسط شعوبهم؟ محمد ووالده سلمان، الذي دفع 460 ملياراً ثمن انقلابه على بن نايف يخاف أنْ يغادر بلده لحضور قمة العشرين لاحتمال وقوع انقلاب دموي مضاد عليه! الذين مازالوا يتحدثون عن شرعية الأسد والحوار مع النظام هم إمَّا حالمون أو متخلّفون أو مكابرون. حتَّى الغرب المتاَمر يتعاون مع الحكومة السوريَّة سرَّاً واليوم علناً لوقف الإرهاب الوهَّابي المنبع بشقيه السعودي والقطري، فالأسد ليس بحاجة لشرعية من أحد خصوصاً من قبل الذين قتلوا شعبه وحرقوا وطنه ومن بينهم ساسة لبنان الذي درج معظم زعمائه ورؤسائه –ما عدا العماد لحُّود– على ترسيخ العداء والحقد الفرنسي على دمشق رغم أنَّ لحم أكتافهم هو من خير سوريا فقابلوها بنكران الجميِّل مثل ميشال سليمان الذي أحدث سابقة خطيرة حتَّى بالمقياس اللبناني عندما اشتكى سوريا في عز محنتها للأمم المتَّحدة أو نجيب ميقاتي وغيره من الجاحدين الذين يدَّعون اليوم بأنهم كانوا معارضين لسوريا ورأيناهم بعد مغادرتها للبنان كيف لا يستطيعون قلي بيضة لوحدهم.
بل نتيجة حقد هؤلاء من بقايا «صغار 14 آذار»، يريد لبنان توسيط الأمم المتَّحدة بينه وبين سوريا لحل أزمة اللاجئين الذين استُقدم بعضهم للاستغلال السياسي والضغط على دمشق فانقلبت الآية عليهم. ومن يذكِّر كيف صُدم اتباع بني سعود وهم يشاهدون أرتال السوريِّين وهم يتوجهون نحو صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم الشرعي الوحيد بشَّار الأسد؟ وبسبب هذا الحقد يصوِّب بقايا صغار 14 آذار اليوم على الجيش بعد عمليته النوعية في عرسال ويتهمونه بقتل الدواعش بفعل التعذيب لانهم يريدون ابقاء بؤرة التكفيريِّين للتوازن مقابل قوة المقاومة ولاستخدامهم مطيةً بأمر من بني سعود في الوقت المناسب، مع أن السعوديين بطيئون في الاستجابة إلا في حال علقت المطربة المارقة أصالة بالمطار محملة بالكوكايين، فما كان من محمد بن سلمان إلا أنْ اتصل بسعد الحريري طالباً إطلاق سراحها بسرعة حسب مصادر الصحافي الفلسطيني أسامة فوزي، وهذا ما حصل.
مشكلة النازحين لا تحلها إلا سوريا بعودتهم لربوع سوريا المنتصرة بعد أن يتعامل معها لبنان باحترام وأخوة ومودة حسب المواثيق والاتفاقات والاعراف والعرى الموجودة بين البلدين لا كما يريد الحاقدون من أحصنة طروادة مثل المرعبي وصقر وحمادة وغيرهم. ورغماً عن أنف هؤلاء لم تكن عمليات مخابرات الجيش والقوى الامنية الاستباقية ضد الانتحاريين الجبناء للتم من دون التنسيق مع سوريا والتي استجابت عدة مرَّاتٍ لانقاذ ارواح لبنانية ولتسهيل التفاوض على اطلاق سراح الرهائن اللبنانيين مقابل معاملة بلد معادٍ لها وشوكة في خاصرتها.
لن يصبح لبنان بلداً كاملاً إلا بالتكامل مع شقيقته الكبرى سوريا، ولن ينفع الكلام العنصري إزاء النازحين السوريِّين رغم أن معظمهم هم معادون للنظام جاءت بهم جماعة الحريرية بعد أنْ أصبحوا محبوبين منها إلى حين. وعندما فشلت خطتهم، أصبحنا نسمع على السوشال ميديا شتائم وإهانات سوقية بحق السوريِّين ما أنزل الله بها من سلطان، حتَّى أنه أصبحت لديهم احصائيات عن عدد السوريات الحوامل وذلك في بلد لا يعرف وجه الإحصاء ولا الأرقام لأسباب طائفية بغيضة.
هذا ما ورثه لبنان عن أمه الحنون حيث يتغنَّى نظام الفرانكفونية الحقيرة بتزيين أهم أسماء العاصمة بالجنرال غورو وغيره من الغربيين بينما لا نشاهد اسماً واحداً ليوسف العظمة أو أنطون سعادة أو الإمام موسى الصدر أو خنجر أو حمزة أو سلطان الأطرش أو عظماء تاريخنا الحقيقي لا المزيف.
Leave a Reply