Allah Made Me Funny
بداية، في الاسم الذي يحمله هذا الفيلم «الله جعلني مضحكا» رسالة مضمرة، لكنها قوية الدلالة، خاصة وأن الاسم إياه حضر على ديكور المسرح الذي يتكون أساساً من مسجد مبني على الطراز الشرقي بخصائصه المعروفة. وبوجود عبارة أخرى (حافظوا على دينكم) تأخذ الرسالة الأولى طريقها إلى العلن. رسالة يمكن اختصارها بأن لا تناقض بين الاسلام – كدين وكفضاء ثقافي – وبين المرح والضحك والحبور. وما من شك أن رسالة من هذا الطراز تساهم إلى حد بعيد في دحض التصورات القاتمة عن الاسلام بوصفه دين تجهم وصرامة وانصراف عن الحياة وملذاتها.. وهي صورة كرسها بعض المتشددين الاسلاميين واستثمرها وروجها الإعلام الغربي في الكثير من مفاصله وقنواته ومنصاته، حتى أضحى الإسلام مرادفاً للإرهاب..
يقوم الفيلم أساساً على حكاية ثلاثة شبان، هم: محمد عامر الأميركي ذو الأصول الفلسطينية، وأزهر عثمان الأميركي ذو الأصول الباكستانية، و الافريقي – الأميركي براينت ماس. ثلاثة شبان يجتمعون في توليفة ذات دلالة ومعنى، من دون أن تفرقهم الأصول التي ينحدرون منها أو الثقافات التي ينتمون إليها. وبدلاً من أن تجمعهم صفة «الأميركي» وهي الصفة الموجودة في هوية كل واحد منهم، تجمعهم صفة «المسلم» .. وهذه مفارقة يمكن فهمها في سياق التطورات السياسية والثقافية التي عصفت بالمجتمع الاميركي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول..
ويبقى الأهم في تجربة هذا الثلاثي اعتماد الكوميديا في مقاومة مفاهيم تمييزية تم تمريرها وترسيخها بحذاقة عبر تهويلات إعلامية وسياسية، فعبر العروض الثلاثة التي قدمها الكوميديون، والتي شغلت مساحة كبيرة من الفيلم، تم اعتماد النكتة كوسيلة فنية راقية لخلخلة التصورات الخاطئة السائدة في المجتمع الاميركي.
نكت وقفشات وسخريات تصدم الوعي من دون تشنج، وسرد حكائي وكوميدي يسخر من مبالغات السياسة والسياسييين، ونقد ساخر ولاذع يعيد للتفكير المنطقي بهجته وللتجربة الانسانية ألقها ومصداقيتها.. ربما عملاً بالقول: النكتة أو السخرية أفضل طريقة لاصلاح الواقع وتقويم الأخطاء. كوميدويون لا تنقصهم المهارة والحضور وخفة الدم لصناعة الفكاهة وإيصالها إلى جمهور متعدد الثقافات والأذواق.. من دون أن يعني ذلك غياب المفارقات القاسية والمؤلمة، وزيادة جرعة الإدانة والتهكم في بعض الاحيان.
محمد عامر واجه مشكلة مع أمه بسبب اختياره الكوميديا كمهنة في الحياة، واعتراض الأم على خيار الابن قادم – بلا شك – من ثقافة لا ترى في الفن وسيلة ملائمة للرزق، تعترض الأم حين يتكلم ابنها في السياسة خوفاً من ممارسات الحكومة الأميركية التي قامت بابعاد بعض المتواجدين على أراضيها وارجاعهم الى أوطانهم الأصلية على خلفيات سياسية.
في جواب الابن على تخوفات الأم، ليس ثمة إشارة إلى «تمثال الحرية» الاميركي.. بل يذهب الجواب الى منطقة مؤلمة جداً: مهلاً، نحن فلسطينون.. وليس لدينا وطن كما هو معلوم: وواضح أن هذه الاجابة تدخل في باب تبني منطق الخصم بهدف إحراجه والسخرية من ادعاءاته..
أما أزهر عثمان، بلحيته الطويلة وشاربيه الحليقين، فهو يبدو أكثر شبهاً بالشخصيات الإسلامية الراديكالية، وهي صورة روج لها الإعلام الغربي على نحو واسع. يبادر أزهر جمهوره منذ اللحظة الاولى: «أنا متخوف.. إنكم لم تروا من قبل شخصاً على هيئتي وهو يبتسم». يلتقط الجمهور النكتة وتضج القاعة بالضحك والتصفيق. لقد اصبح مفهوماً ان تخوفات أزهر نابعة من تنميط الشخصية الاسلامية في الإعلام الغربي، بل ربما الإعلام العالمي بما فيه الإعلام العربي نفسه!
الأفريقي الأميركي تحاصره نفس الهواجس وتداعيات التكريس الإعلامي، ومشكلته ليست انه أسود فقط، بل ومسلم ايضاً. حتى في بيته، يصطدم بالتصورات المسبقة والخاطئة، فبسبب تحوله الى الاسلام يتوقف عن معاقرة الخمر ومصاحبة النساء، فتظن امه ان ابنها اصبح مثلياً (شاذاً).
يذهب الكوميديان الاسود الى كندا للبحث عن فرصة لتقديم عروضه الكوميدية، ويقدم نفسه الى أحدهم: «أنا كوميديان مسلم». يرد الكندي: «لماذا لا تغير مهنتك». في نهاية المحادثة يخاطب الكوميديان الرجل الكندي بالقول: «انا قادم الى كندا من اجل الحرية»!! ان النكتة في هذه المحادثة نابعة من فهم الكندي بأن المسلمين لا يصلحون لصناعة الكوميديا، ولا يقدرون على انتاجها، واما المفارقة السوداء.. فتتلخص بأن كندا نفسها، وربما العالم كله، أصبح مجرد استطالات وامتدادات للفهم الأميركي. ألم تكن كندا نفسها ذات يوم ملاذا للسود الذين كانوا يعبرون النهر هرباً من حالات الاستعباد والرق التي كان يمارسها الاميركيون عليهم؟
الفيلم ايضاً يذهب الى حياة الكوميديين الشخصية، في البيت والشارع وأماكن العمل، ويرصدهم في علاقاتهم وتفاصيلهم اليومية.. وصولاً الى لحظة ابداع نصوصهم.
ثلاثة كوميديين جاؤوا من أماكن مختلفة (تكساس، الينوي، واشنطن) منحدرين من اصول عدة على خلفيات ثقافية متباينة، لكن يجمعهم حس الفكاهة والقدرة على تحويل الأزمة والضغوط الى ضحكات عالية النبرة. ضحك حقيقي بعيد عن التهريج والابتذال يعيد التجربة الإنسانية نفسها الى المربع الاول: جميعنا بشر، والحقيقة ضالتنا!!
Leave a Reply