أطلق الرئيس باراك أوباما فـي خطابه الأخير عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس الأميركي، الثلاثاء الماضي، دفاعا شديد اللهجة عن المجتمع المسلم فـي الولايات المتحدة الذي يواجه موجات متزايدة من التعصب والكراهية فـي الفترة الأخيرة، وإننا فـي «صدى الوطن» نقدر لرئيس البلاد موقفه المتقدم والمدافع عن حقوق المسلمين الأميركيين فـي أكثر الأوقات حرجا بالنسبة للعرب والمسلمين، فـي الوقت التي تعلو فـيه عقيرة اليمنيين المتطرفـين وتزداد مواقفهم وخطاباتهم حدة تدفع إلى موجات من الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب إلى مستويات غير مسبوقة.
لكننا فـي الوقت نفسه، نؤكد أن الكلمات لا تكفـي فـي ظل غياب الأفعال، والدعم المعنوي والشفهي لا يسمن ولا يغني من جوع عندما تغيب الإجراءات التي تضمن وتصون حقوق المسلمين الدستورية وتحميهم من تحرش وإيذاء بعض المتعصبين الأميركيين.
لقد قال أوباما فـي خطابه: «عندما يهين السياسيون المسلمين، سواء أكانوا خارج الولايات المتحدة أو داخلها من مواطنينا، وعندما يخرب مسجد أو يهان طفل مسلم (..) فهذا لا يجعلنا فـي مأمن وإنما يقلل من شأننا واحترامنا أمام العالم، ويجعل من الصعب علينا أن نحقق أهدافنا. هذا ما يصور ما هو نحن علينا كبلد».
وما من شك أن هذه الكلمات اللطيفة تروق لجميع المسلمين حول العالم وتهدهد جراحهم وهواجسهم، ولكن يحق لهم (ولنا) فـي الوقت ذاته أن نتساءل: ومتى كانت الإدارة الأميركية لطيفة فـي التعامل مع المسلمين وقضاياهم، داخل الولايات المتحدة أو خارجها؟
ففـي داخل أميركا تستمر الوكالات الاستخباراتية والأجهزة الأمنية المختلفة بتطبيق برامجها وسياساتها الجائرة التي انطلقت فـي عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، كما أن بعض وكالات إنفاذ القانون ماتزال تعمل على استدراج الشباب المسلمين عبر سيناريوهات وهمية من أجل «إثبات» تورطهم فـي نشاطات إرهابية تستهدف الأميركيين، ناهيك عن الأداء الإعلامي لمعظم وسائل الإعلام الأميركية التي تؤجج نيران الكراهية والتخويف من المسلمين.
هذا كله، إضافة إلى بعض الأحكام القضائية وأعمال التحري ذات النزعة العنصرية التي تؤجج بدورها الكراهية التي انتقدها أوباما فـي خطابه الأخير.
وكمثال على ذلك، ما حصل فـي السنة الماضية عندما قام مخبر بإقناع شخص من ديربورن بالانضمام إلى «حزب الله» لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي فـي سوريا.
وفـي العام 2013، أفادت وثائق فدرالية مسربة أن واشنطن تنظر إلى مدينة ديربورن باعتبارها موطنا لثاني أكبر عدد من الإرهابيين المحتملين فـي الولايات المتحدة، وهذا دليل على وجود سياسة رسمية تعمد إلى تنميط المسلمين.
كذلك، فشل أوباما فـي إصلاح قائمة «الممنوعين من السفر جواً» التي تحرم الأميركيين من السفر إلا بعد الخضوع للإجراءات القانونية الواجبة، مع الإشارة إلى أن المسلمين يشكلون أغلبية وازنة فـي تلك القائمة التي يشوبها الكثير من الغموض.
كما أن التجسس على المجتمعات المسلمة فـي إطار برامج مريبة ومثيرة للشكوك، مثل برنامج «مكافحة التطرف العنيف» (سي فـي إي) أصبح أمراً واقعاً ومتكرراً خلال سنوات حكم أوباما السبعة، وذلك أكثر من أي وقت مضى. وأما وعود أوباما المتكررة بإغلاق سجن غوانتانامو، والتي كانت جزءا من حملته الانتخابية، فقد طواها الزمن وأصبحت من وعود الماضي.
وعندما حوصر آلاف الأميركيين فـي مناطق النزاع فـي اليمن -وما زالوا- فإن أوباما لم يقم بواجبه الدستوري ليعيدهم إلى بيوتهم الآمنة فـي أميركا، وبدلا من ذلك قامت واشنطن بدعم «عاصفة الحزم» السعودية التي أمطرت اليمن بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ المدمرة.
كما أن إدارة أوباما واصلت سياسات أسلافه عبر شن غارات الطائرات بدون طيار التي ذهب ضحيتها آلآف المواطنين الأبرياء من دون أن تحقق أهدافها فـي القضاء على المجموعات الإرهابية، ناهيك عن استمرار الإدارة الأميركية فـي دعم السياسات الإسرائيلية العدوانية التي تقمع وتنكل بالشعب الفلسطيني.
Leave a Reply