ها هي تركيا تقرع طبول الحرب على طول حدودها مع المنطقة الكردية في شمال العراق، على اصداء عمليات إرهابية يشنها مقاتلو حزب العمال الكردستاني داخل المدن التركية تصاعدت في الآونة الأخيرة وأسفرت عن وقوع عشرات الضحايا، ما دفع الشارع التركي إلى مطالبة الحكومة والجيش بشن حملة عسكرية لتدمير مواقع الحزب في العديد من المدن والقرى العراقية المتاخمة، وقد أظهرت السلطات حتى اللحظة إستعدادها لشن الحرب وهي بانتظار تفويض من مجلس الأمة التركي صدر مؤخرا بالإيجاب. ولعلها ليست مصادفة أن تترافق الإستعدادات العسكرية تلك مع مشروع قانون يدرسه الكونغرس الاميركي لإقرار جرائم حرب ارتكبها الأتراك ضد الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) راح ضحيتها مئات الآلاف من الأرمن المنضوين حينذاك تحت راية الدولة العثمانية، بسبب وقوفهم إلى جانب روسيا في تلك الحرب، ما سوف تعتبره أميركا «إبادة جماعية» يلزم الإعتذار عنها ودفع تعويضات، برغم مرور مئة عام على تلك الأحداث.ترافق المسألتين أوقع البيت الأبيض في أزمة، فتركيا حليف إستراتيجي في الحرب الأميركية على الإرهاب، وهي عضو في حلف الأطلسي، وفيها أربع قواعد عسكرية للجيش الأميركي أضخمها قاعدة أنجرليك والتي يتزود عبرها الأميركيون في العراق بـ 70 بالمئة من إحتياجاتهم التموينية واللوجستية، في حال أقر الكونغرس مشروع قانون الإبادة الجماعية سيصار إلى تحجيم العلاقة العسكرية التي بين البلدين. ليس هذا فحسب، فالأكراد في شمال العراق هم أيضا حلفاء للأميركيين ساهموا بإسقاط نظام صدام حسين، واستطاعوا أن يفرضوا الإستقرار في مناطقهم في وقت تعاني فيه بقية أجزاء العراق من فلتان أمني واضطرابات وحروب، فكيف لأميركا أن تسمح بانفلات أمني جديد يزيد في إرباكها ويحط من قدرتها على التخلص من وحول العراق.ثم إن أميركا في هكذا صراع، ستجد نفسها في مأزق أخلاقي عصيب، إذ كيف تقنع تركيا بالسكوت على عمليات إرهابية تدور في أراضيها، وهي – أميركا – تفتح ذراعيها في مواجهة الإرهاب على مستوى الكرة الأرضية، ناهيك عن أن أي حرب تشتعل في الإقليم سينشأ عنها حروب لا متناهية عرقية وطائفية في عموم المنطقة: سوريا وإيران والدول المحيطة ببحر قزوين، فتلك جميعها تركيبتها السكانية معقدة وشعوبها ذات أصول وأعراق وأديان وطوائف متعددة، كل يرنو إلى الإنفصال وإقامة دولة مستقلة على غرار الحلم الكردي، الذي من شأنه أن تحقق وأقيمت دولة كردية في شمال العراق، فستحاول ضمّ أجزاء من دول مجاورة ذات كثافة كردية، وهذا ما تخشاه أنقرة وهذا ما سيدفعها إلى الحرب لا محالة.موقف الحكومة المركزية في بغداد مرتبك هو الآخر، فلا هي قادرة على السيطرة على حدودها الشمالية ومنع الأكراد من شن عمليات إرهابية داخل الأراضي التركية، ولا هي بإمكانها الدفاع ومواجهة الهجوم التركي، وحينها ستجد حكومة أربيل مبررا أخلاقيا وسياسيا لإعلان الإنفصال التام عن الجمهورية العراقية، ربما يليه إنفصال في الجنوب وإقامة نظام حكم شيعي وآخر في وسط العراق وغربه في دولة سنية.السيناريو المحتمل في أية مواجهة يقوم على إقدام سلاح الجو التركي على قصف كثيف لمواقع حزب العمال الكردستاني، وتقدّم للقوات التركية بغطاء مدفعي لإحتلال شريط بعمق 30 كيلومترا، والجهة الوحيدة المؤهلة للتصدي هي قوات البشمركة الكردية وعديدها عشرات الألوف مدربة ومجهزة سلفا بأسلحة أميركية، وعناصرها ذو بأس شديد ينتظر أن يدافعوا عن أرضهم حتى الموت، في حين أعلن حزب العمال الكردستاني عن إستنفار وحداته داخل تركيا لشن عمليات إنتحارية وإستهداف سياسيين ومراكز أمنية.والسؤال: أين العرب من كل هذه التطورات التي تجري على أعتابهم بل في عقر أوطانهم؟ والجواب تجده في بغداد وغزة والجنوب اللبناني وحتى مقديشو!
Leave a Reply