فاطمة الزين هاشم
رمضان المبارك هو شهر الغفران والتوبة إلى الله عزّ وجلّ، شهر البركات والتضرّع لغفران الذنوب والعتق من النار، شرط أن يتقيّد الفرد بقدسيّته والعمل بما يرضي الله، وليس الصوم عن الطعام والشراب هو المطلوب فقط، إنّما المطلوب هو رفع المظالم عن الأبرياء والإحساس بمعاناة الفقراء وأنين الجياع الذين لا يجدون ثمن وجبة الإفطار.
بينما فـي الطرف الآخر نرى طاولات ميسوري الحال تزخر بأنواع المأكولات وأصنافها المتعدّدة وكأنّ لكلّ منهم عدّة معدات وليست معدة واحدة! عدا عن أنواع الحلويّات التي درجت العادة على تناولها بكثرة خلال هذا الشهر الكريم، كي تصبّ فـي خانة مصلحة الأطبّاء بسبب ارتفاع نسبة السكّر عند أصحاب الكروش المنفوخة، وأمّا بالنسبة لباقي أنواع الطعام فـيكون مصير الكميّة الكبيرة منها من حصّة برميل القمامة فـي الصباح، أليس فـي ذلك تبذير ومن ثمّ كفر بالنعمة؟ وقد قيل (المبذّرون إخوان الشياطين)، فلو أعطي هذا الطعام الفائض – وهو النسبة الكبرى- لمن يحتاجه ليسدّ به رمقه وأرماق عائلته لكان قد كسب المعطي الأجر ونال الحسنة وجازاه الله خيراً، وفـي كلا الحالين هما ذاهبان، لكن كم هو الفرق المذهل بين أن يذهب إلى طريق النقمة عنه فـي الذهاب إلى طريق الرحمة؟
وأودّ هنا أن أنعطف على واحد من المواضيع المثارة فـي رمضان المبارك، ألا وهو موضوع (إمساكيّة رمضان)، حيث لايخلو محل بقالة أو سوبرماركت أو مطعم أو كافتيريا من وجود إمساكيّة معلّقة على مكان بارز من أحد الحيطان أو فـي الواجهة الداخليّة، يتحدّد على جدولها – عدا عن أوقات الصلاة – وقت كلّ من الإفطار والإمساك بالساعة والدقيقة، وكم يحزّ فـي النفس أن نرى إبراز الإمساكيّة من قبل أصحاب المحلات يتزامن فـي سباق ماراثوني مع زيادة الأسعار التي يتعمّدون توقيتها إستلابيّاً باستغلال مناسبة معطاء دون خوف من الله أو تأنيب للضمير من زيادة الضغط على صاحب الدخل المحدود الذي لا يحتمله، مقابل هدف وحيد هو الربح الذي لا يهمّهم إن جاء عن طريق الحلال أو الحرام، فالمهمّ أن يحقّق التجّار الجشعون منفعتهم الخاصة، ولتذهب إلى قعر النسيان، القاعدة الشرعيّة التي تقضي بالقول (التاجر فاجر ما لم يتفقّه).
وقد انتقلت عدوى إخراج الإمساكيّات إلى محلات ومطاعم مثل (مكدونالد) وغيره، وهو أمر ليس الغرض منه تحديد تلك الأوقات وإنّما لإطلاق العنان لجذب الزبائن بحجّة وجود إمساكيّة!!
وتعدّد الإمساكيّات المشتملة على تفاوت الأوقات المحدّدة للإفطار والإمساك هي ظاهرة تجعل الصائم فـي موقف الحيرة والإحراج! فعلى أيّ منهنّ يستند أو يعتمد ساعة تناول الفطور أو ساعة التوقّف عن الأكل والشرب إيذاناً بتدشين يوم جديد للصوم؟ وهو الذي يهبه الصائم لله سبحانه وتعالى قرباناً لطاعته ونيل رضائه، فمن المسؤول عن خلق مثل هذه الحيرة وإيجاد مثل هذا الإحراج؟ ألا يتحمّل رجال الدين العبء الأكبر من هذه المسؤوليّة؟
ومن هذا الجانب أرجو أن تتّسع الصدور لتقبّل اقتراح الإجماع على توحيد أوقات الإفطار والإمساك فـي إمساكيّة واحدة لا يختلف عليها اثنان، فالاجتماع ممكن وتبادل الآراء ممكن هو الآخر، وعند ذلك سترفع المسؤوليّة عن الجميع وسيرفل الجميع تحت ظلّ راية واحدة لا مكان فـيه لاختلاف يودي إلى الإحراج أو الارتباك أو الشكّ، لاسيّما وأنّها ستكون ملزمة لجميع الأطراف المعنيّة بها بدءاً من أصحاب المحلات وأماكن التبضّع إلى المساجد والجوامع ومن ثمّ إلى البيوت لتضع الأفراد والجماعات فـي رحاب الطمأنينة.
أنّ مثل هذا الإجراء الصائب سيقطع الطريق على الدخلاء والطارئين من أن يدلو بدلو التفرقة والتشفّي بجراحنا التي تفرزها وتترك آثارها المؤلمة فـي حياتنا، حيث لن يحار الصائمون حول من يتّبعوا ومن يصدّقوا ومن هو صاحب الإمساكيّة الصحيحة، أليس من المزري أنّ ما يحصل فـي الجالية من ضياع وعدم استقرار نفسي بعد صيام يوم كامل وتحمّل مشاقّ الجوع والعطش، أن يبقى الصائم فـي شكّ من توقيت الإفطار، لأنّه لا يعرف من يصدّق! مهما غصنا فـي بطون الكتب المقدّسة ورجعنا إلى كلام الفقهاء، وأقمنا الحجج والبراهين.
وأخيراً سوف تبقى الحاجة قائمة إلى وجود تضامن ديني بين علمائنا كي تحسم أيّ إشكاليّة تحوم حول تلك المواقيت، وتبقى لهذا الشهر الفضيل روحانيته فـي الأجواء وقدسيته فـي النفوس.
Leave a Reply