فاطمة الزين هاشم
في الحقيقة ما دفعني إلى كتابة هذه الأسطر ولو متأخرة بعض الشيء عن هذا الشهر الفضيل الذي هو مدرسة ربانية رحمانية تفتح أبوابها كل سنة شهراً كاملاً، يتدرب فيه العباد على طاعة الله عز وجل والامساك عن معاصيه، ولكن للأسف كثير من المسلمين لم يدخلوا هذه المدرسة لضعف إيمانهم بالله وبما من فضائل لهذا الشهر الذي انزل فيه القرآن رحمة للعالمين وهو بمثابة دستور كل مؤمن بل وللمسلمين جميعاً.
رأيتُ العجب من أناس لا يحترمون قدسية هذا الشهر، وللأسف منهم من يدّعي الايمان ويسير في الشارع والسيجارة في فمه وكوب القهوة بيده، (يتمختر) كأنه ربح الحرب على الأعداء، لكن كرشه المنتفخ الذي يصل إلى أنفه يفضح شراهته وعدم تقيّده بالأوامر الربّانية، فيما الصوم هو فرض على كل مسلم ومسلمة، أي المسلمة الحقيقية وليست المسلمة التي تمشي في المتاجر وهي تتشدّق بالبان أو العلكة كما يسمّونه باللغة العامية، ولا تحترم مشاعر الصائمين ولا تراعي حرمة هذا الشهر الكريم، كل هذا يصب في عدم احترام الشخص لنفسه ولدينه.
هناك موانع من الصيام مثل المريض الذي يكون مجبراً على أخذ الدواء نهاراً، أو المرأة الحائض أو النفساء أو المعاقين عقلياً الذين لا يستوعبون شيئاً ولكل هذه ضوابط وأصول، وعلى المفطر أن لا يجاهر بإفطاره، إذ يمكنه أن يفعل ما يشاء داخل بيته بعيداً عن أعين الناس احتراماً لصيامهم.
أمّا بالنسبة لبعض الصائمين، فيجب أن لا يعلّقوا همومهم على شمّاعة الصيام كأن إذا حصل معهم شيء غير محمود يتذرّعون بالصيام، وكذلك لا يتّسع التقرّب إلى الله تعالى بترك الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلّا بعد التقرّب إليه بترك ماحرّمه في كلّ الأحوال مثل الكذب والظلم والغيبة.
إنّ شهر رمضان هو شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيّما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء وليس الظالمين، قال رسول الله (ص) في حديث يرويه عن ربّه عزّ وجلّ: «كل عمل ابن آدم له إلّا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صيام أحدكم فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائمٌ – مَرَّتَيْنِ – وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ – تَعَالَى – مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» كما قال الله تعالى «أنّما يُوفّى الصابرون أجورَهم» (الزمر15).
والصيام هو ترك من تريده النفوس من شهواتها الأصلية التي جُبلت على الميل إليها من الطعام والشراب والنكاح، فتهبّ على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب، كما يعتبر شهر رمضان شهر الخير والرحمة والبركة حيث يبارك الله تعالى للمسلمين في طعامهم وشرابهم وصحتهم لأنه فرصة للجهاز الهضمي والمعدة أن تأخذ قسطاً من الراحة في توقف دخول الطعام والشراب إليها لساعات طويلة، أمّا الصدقات والزكاة فتكثر في هذا الشهر، حيث يقترب ويشعر الغني بأخيه الفقير وكيف يمضي يومه بدون طعام وشراب مكتفياً بحاجته.
يتمّ إخراج الصدقات حتى يشمل الخير كلّ المسلمين لأنّ جود الله يتضاعف فيه أيضاً، وكان النبي (ص) أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان، كما أن للصائم فرحتين يفرحهما: إذا أفطر فرح بإفطاره وإذا لقي ربّه فرح بإداء صيامه.
اللهمّ اغفر لحيّنا وميّتنا وصغيرنا وكبيرنا ذكورنا وأناثنا وحاضرنا وغائبنا إنّك أنت الغفّار الرحيم، أللهمّ ثبّت قلوبنا على حبّك وحبّ نبيّك، وانشر السلام والأمان في كلّ بقاع الأرض وارحم عبادك يوم لا ظلّ إلّا ظلّك.
Leave a Reply