مريم شهاب
يذكر الكثير منا، نحن الذين تركنا أوطاننا منذ سنين عديدة، وانتقلنا للعيش في أميركا، حيث اكتشفنا معنى أن يعيش المرء في بلدٍ يشعر بقيمته كإنسان. واختبرنا معنى الطمأنينة اليومية البسيطة، المتاحة للجميع بلا مجهود وبلا معارك وبلا واسطات، وأن القانون يحمي الجميع. لك حق تأخذه، وعليك واجب تؤديه.
العديدون منَّا لم يتعلموا الدرس وصعب عليهم أن يتعاملوا مع المدير والفقير بنفس الاحترام والتقدير. ربما لأننا شعوب جرى تلقينها منذ الطفولة على أن البهدلة في حياتنا اليومية، هي أمر عادي، بل أن إذلال الناس شكل من أشكال «البرستيج». بينما هنا في الولايات المتحدة الأميركية، ينشأ المرء على العيش بكرامة، وهو حق إنساني مطلق.
والجالية العربية في ديربورن، كونها خليط بين الثقافتين المختلفتين، تعاني ما تعاني من ظواهر اعتقدنا أننا تركناها خلفنا في بلاد العرب، حتى باتت نسخة مصغَّرة من معاناة الشعوب العربية مع التسلط والبهرجة والإذلال من قبل «المتهالكين والناشطين» في خدمة إخوانهم المعتَّرين الأوادم.
نفس الوجوه من سادة المجتمع وسيداته تراهم في الاجتماعات والاحتفالات التي لا تنتهي، كأسلوبٍ من أساليبنا العقيمة في التباهي وتعليق الأوسمة على صدورِ أناسٍ لو جرت عليهم عدالة بأبسط مفاهيمها لحُوكِمَ معظمهم وسئلوا ماذا فعلتم؟ وماذا تفعلون؟ ومن أين لكم هذا؟
كل سنة يقيم «أكسس» (المركز العربي للخدمات الإقتصادية والإجتماعية) احتفاله السنوي في أفخر فنادق ديترويت، فقاعات ديربورن العديدة لا تليق بالسادة الكبار، البارعين في شفط التبرعات والهبات من الحكومة والشركات التجارية الكبرى.
مصاريف الحفلة الواحدة من تلك، تكفي عشرات العائلات المستورة والطلاب لمساعدتهم على توفير السكن أو شراء سيارة مستعملة أو حتى فرصة كريمة تساهم في تدبير شؤون معيشتهم.
وعلينا كجالية أن نسأل المسؤولين عن هدر التبرعات والهبات المالية التي تصرف باسم الجالية. وعلينا أن نعرف أنه حين تفضَّل علينا «أكسس» وأنشأ «المتحف الوطني العربي الأميركي» بملايين الدولارات في إحدى «زنقات» ديربورن، كم من الملايين دخلت جيوب المستنفعين واللصوص؟ وعلينا أن نسأل المراكز الدينية، وما أكثرها، عن أموال التبرعات والزكاة والخمس.. أين تذهبون بتلك الأموال الطائلة؟ ومن المستفيد من بناء كل هذه المساجد؟
أشد الأخطار على الفهمانين من كبار الجالية، والذين لديهم النية للعمل بصدق وأمانة، أنهم محاطون بالمتملقين. إنهم لا يسمعون أبداً الحقيقة عن أنفسهم وينتهي بهم الأمر إنهم لا يطيقون سماعها.
هل زرت المتحف العربي الأميركي؟
وهل تساءل أحدكم كم كلّف بناؤه في أتعس وأبشع مكان في ديربورن؟
أكره أن أقول أن المتحف العربي، مثل “أكسس” ومؤسسات غير ربحية أخرى، يستفيد منه قلَّة قليلة من العرب، ممن يقبضون رواتب وحوافز من الدرجة الأولى من أموال دافعي الضرائب وتبرعات الشركات، فيما لا يتمكن البسطاء ومحدودو الدخل من دخول المتحف أو المركز من دون فاتورة.
وإذا وجدوا أنفسهم مضطرين الى قصد مثل هذه الأماكن التي من المفترض ألا تكون مسيّسة، من أجل ترجمة وثيقة أو إجراء فحص طبي، فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين الى دفع رسوم باهظة مقارنة بأي مكتب ترجمة أو عيادة خاصة، ناهيكم عن حجم المهانة التي يتعرضون لها.
للأمانة، أنا لست خبيرة، ومسؤوليتي أن أكتب ما أسمعه من الناس وما ألمسه في المعاملة.
أتمنى على مؤسسة عريقة مثل المركز العربي ألا تتجاهل تصرفات «بعض» موظفيها غير اللائقة مع الناس من المراجعين والمحتاجين للخدمات، وليكن التعامل بينهم بالأخلاق العربية الحميدة، فـ«شوية اهتمام واحترام» للناس.. لا يضرّ!
Leave a Reply