من بعض تقاليدنا الشرقية، وقد نكون الوحيدين، في هذه الدنيا الواسعة الذين لا يصدُقون مع أنفسهم حتى في مواجهة الأمور التي تتوقف عليها مصائرنا وما سوف يجري لنا.
الكثير منا، نحن الشرق أوسطيين، يتحلى بصفات الانسان الذي يعجز عن أن يكون صادقا وصريحا مع نفسه قبل سواه، ويقطع الطريق على كل مجهود لمعرفة الواقع، فينسب كل فعل وسوء إلى فاعل مجهول أحيانا تقديره الشيطان.
عندما يدور الكلام في المجالس واللقاءات أو المكتوب في الجرائد والنشرات عن شخص معين منا أتى بفعل ناقص تقضي طموحاته الصغيرة بألا ينسبه الى نفسه، الذي هو الفاعل الحقيقي، وتحت بند الشطارة في التملص من المسؤولية والتخلص من العتاب ودفع الحساب لا يصعب عليه، أن يلعن الشيطان، وينسب ذلك الفعل الى شخص مجهول أو جماعة من الناس بعيدة لا تقدر أن تحاسبه ولا تعاقبه لأنها لا تشعر بوجوده أصلا، وبهذا يرفع المسؤولية عن كاهله، ويرتاح باله.
وليس أصدق مما نعانيه ومما وصلنا اليه في الشرق من ضياع فلسطين، وها هو المسجد الأقصى على وشك الانهيار ليتحقق حلم الصهيونية العالمية. هم يخططون ويسعون في الأرض اقناعا للعالم وتجميلا لأفعالهم المنكرة ونحن ننحدر انقساما وتخبطا والقاء اللوم على عدو لم يعد مشتركا ونعتب على بني عثمان والطليان والاميركان لما حل بالعراق ولبنان والسودان وسائر البلدان التي ينتمي لها العربان، ودائما الحق على الشيطان.
هذا الاطمئنان حتى التبلد، وهو الصاق التهم بالغير والتبرؤ من الخطأ والغلط، قد سهل على الانسان ما يفعله داخل الوطن أو هنا في المهجر أو في العمل أو حتى داخل البيت، وكل ما يحدث من مشكلات بين الأخ وأخيه والأب وابنه والجار وجارته والرجل وحماته، كل ذلك منسوب لفاعل مجهول ملعون أمه وأبوه.
في احد الاجتماعات المهمة وما أكثرها هنا في ديربورن، وعلى أثر نقاش ساخن حول موضوع اجتماعي وموضوع آخر سياسي، أدى الاختلاف في الآراء، بين زوج له لحية خفيفة وشوارب كثيفة وجوزته العصرية من الخارج والبدوية من الداخل، أدى الخلاف بينهما في وجهات النظر والعتب على سائر الكائنات والبشر، حتى فاض الكيل بالزوجة فقبضت على رقبة زوجها الغليظة ولكمته وضربته بقفا يدها على بوزه ضربة موجعة وشديدة حتى بات لا يقوى على العواء طلبا للنجدة، وقد حاول الهرب من ذلك الاجتماع، لولا أن عثرت قدماه وقبل أن يسقط على الأرض أمسكته عقيلته من جديد فبدأت بلحيته فحلشتها وانتهت بشواربه فنتفتها، وأصدرت له أمرا من الآن وصاعدا أن لا يجادلها ولا يعارضها في كل ما تبديه وما تدلي به من آراء في المسائل الاجتماعية والسياسية سواء الخارجية أو المحلية. ثم قعدت ووضعت ساقا على ساق، وأخذت نفسا عميقا من أركيلتها.
أحد الموجودين لا تفوته فائتة ولا يترك أمرا يمر دون التعليق عليه، بعد أن يحلل ذلك الأمر ويعلله ويبدي رأيه في أسبابه ونتائجه خدمة للجالية المحلية والعالمية، نشر الخبر بعد أن قام حوله بجولة أفق ورصد، وختم تعليقه: لعن الله الشيطان الرجيم الذي كان سبباً في خلاف الزوجين السعيدين.
امرأة قوية وعصرية، آخذة كل حقوقها في أميركا، وعندها نية للتقدم الى الانتخابات لإحدى الجمعيات، فاض بها الكيل من بعلها الكريم الموالي مع الآخرين، البخيل المعارض معها، طاب لها في تلك الجلسة أن تضربه على بوزه تأديبا له لأنه كثيف الشنب طويل الأذنين وقليل الأدب، لا يوافقها على آرائها ولا يسكت ولا ينصت عندما تتكلم، فما علاقة الشيطان بالموضوع؟؟
Leave a Reply