بقلم: مصطفى العمري
في منتصف الثمانينات مرّ رجل مجنون بجانب صورة كبيرة للقائد الضرورة معلقة في أحد شوارع المدينة فنظر لها شزراً ثم قال: شيخلّصها؟
لا شك أن العراقيين تخلصوا من كل الصور التي كانت تملأ العراق طولاً وعرضاً، صور القائد الأوحد المناضل والمهيب! تخلصوا منها بعدما ظلوا يرزحون تحت وطأة جلادها لسنين طوال. حتى جاء الأميركيون ودخلوا بغداد عنوة فانهارت مع دخولهم كل تلك الصور التي ظن العراقيون أنها لن تنتهي لكثرتها وكثرة الجلاوزة المحيطين بها والمقدِّسين لها، فكذبت نبؤة الرجل المجنون بعدما تحطمت صور صدام بساعات في معظم مدن العراق، لكن لا ضير فالرجل مجنون ليس عليه حق، والحق على العقلاء كما يقولون.
لم تمر الأيام طويلاً حتى استبدل العراقيون صورة القائد الضرورة بصور لـ«قادة» غير ضروريين، وامتلأت شوارع العراق بصور غير معروفة الهوية وغير متجانسة الشكل معظمها لرجال دين عراقيين وغير عراقيين، عندها أيقن الواعون أن استبدال الصور بصور مؤدّاه أننا لازلنا في نفس النهج البعثي لكن بمسوح إسلامية.
ينتقد عالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير» الكاتب دوستويفسكي فيقول عنه: بعد ان أضاءته أنوار العقل يوماً ما فأنه كسر صور الآلهة والقديسين التي كانت تزين هيكل مصلاه الصغير، وأطفأ الشمعات وبدون أن يضيّع لحظة واحدة بدأ باستبدال الصور الممزقة بصور بعض الفلاسفة والملحدين، ثم أعاد من جديد إشعال الشمعات!.
ويستكمل لوبون كلامه بالقول: لا ريب في أن موضوع عقائده الدينية قد تتحول ولكن هل يمكننا القول فعلاً بأن عواطفه الدينية قد تغيرت؟
وهنا نعيد السؤال فنقول صحيح أن الحكم في العراق قد تغير، لكن هل تغيرت النفوس والإجرام والبطش والرشوة والمحسوبية؟..
إذن يمكننا القول اننا لازلنا «بعثيين» لكن بصيغ مختلفة.
الانتخابات العراقية نموذج صارخ على الاحتفاء بالصورة وقيمتها، فنجد ان اصحاب الثراء الفاحش يمتلكون المساحة الاكبر في صورهم المركونة على جدران البؤساء والفقراء.. صور عملاقة قد تغطي عيوب «الخلقة» لكنها لا تستطيع ان تستر عيوب الخُلق ولا تستطيع ان تلمع ببريقها الممكيج بمساحيق التجميل المفتعل، صورة الواقع الذي خطته بعض الأحزاب الإسلامية الموغلة في شق الأخاديد في قلوب العراقيين.
«إلّي يجرب المجرب عقله مخرّب»، هكذا يقول المثل العربي وبما أننا جربنا القادة السياسيين الحاليين وعرفنا حجم المأساة التي إجترها لنا بعضهم بخطاباتهم وتصريحاتهم، وكيف أنهم حولوا البلد الى ثكنات عسكرية وخنادق طائفية، يجب أن نقول كفى! ويجب أن نطمح لحياة أفضل ورقي أوسع. والذي يسعى الى الارتقاء لايمكن له الاحتفاظ بمثل هؤلاء القادة.
ان ستبدال القادة الحاليين هو استبدال العنف بالاطمئنان والتفجيرات بالبناء والاغتيالات بالمواطنة الصادقة. أما من يريد للعراق الاستمرار على ما هو فيه الآن من دمار وخراب فعليه أن ينتخب الطائفيين والمتحزبين واللاهثين وراء مصالحهم الخاصة لكي تدوم مسيرة النهب والفساد والقتل اليومي والتحريض الطائفي.
دعوني أقتبس كلام الرجل المجنون فأقول بالعراقي: شيخلّصها؟
Leave a Reply