«الصهر القوي» .. شبه تقليد رئاسي لبناني
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
غالبية العهود الرئاسية في لبنان، عرفت كما في دول متقدمة مثل أميركا، شقيقاً أو صهراً للرئيس يصل نفوذه أحياناً إلى حد يجيز وصفه بالرئيس الظل، فيقوم بأعمال الرئيس باسم الرئيس، وقد لا يقتصر الأمر على قريب واحد، بل قد تشارك فيه عائلة وأقرباء ومقربون، ومَن لم يكن متزوجاً، أو متزوجاً من دون أولاد، تكون المكاسب السياسية والمادية من نصيب حاشية الرئيس أو أصدقائه أو تياره أو نهجه السياسي، والتاريخ يشهد.
هؤلاء هم…
ومنذ أول رئيس جمهورية بعد الاستقلال بشارة الخوري ذاع صيت شقيقه سليم الذي لُقب بـ«السلطان»، الذي نُسبت إليه عملية تزوير الانتخابات النيابية عام 1947، للتجديد لشقيقه في رئاسة الجمهورية، ثم جاء بعده الرئيس كميل شمعون، بقوة «الجبهة الاشتراكية الوطنية» التي كان شريكه الأساسي فيها كمال جنبلاط، فأسقطت الخوري سلمياً، لكن شمعون اختلف مع بعض أقطابها، وانفرط عقدها، ليحكم من دون صهر أو شقيق، إنما كانت لزوجته السيدة زلفا، تأثير عليه، ليأتي خلفه الرئيس فؤاد شهاب دون أن يرزق بأولاد، فكان الحكم لمخابرات الجيش (المكتب الثاني)، والسياسيين الذين تحلقوا حوله، حيث شاءت الصدف أن يخلفه شارل حلو، الذي كان مثله دون أولاد، فواصلت مخابرات الجيش الحكم مع ما سمي بـ«النهج» كـ«تيار سياسي للشهابية»، حتى قطع الرئيس سليمان فرنجية الطريق على «الشهابيين»، ففاز برئاسة الجمهورية على حساب منافسه الياس سركيس الذي لم يكن متزوجاً، فكان عهد الرئيس فرنجية، هو عهد العائلة، من نجله طوني إلى ابنته صونيا وزوجها عبدالله الراسي، ولما خلفه سركيس، وهو «الرئيس الشهابي الثالث»، الذي ورث الحرب الأهلية وانتهى عهده باجتياح إسرائيلي للبنان صيف 1982، ليُفرض بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، لكن اغتيال الأخير أحال المنصب إلى شقيقه أمين الذي حكم باسم حزب «العائلة».
بعده، انتخب الرئيس الياس الهراوي، عقب اتفاق الطائف، فكان صهر العهد وزير الخارجية فارس بويز، وخلفه الرئيس إميل لحود، فكان الياس المر صهر العهد الأقوى مستفيداً من رصيد والده الوزير ميشال المر. وإن اختلف الصهران فيما بعد مع الرئيسين الهراوي ولحود، فإن ذلك لم يحصل مع الرئيس ميشال سليمان، الذي لعب أولاده دورهم دون أن يظهروا على الساحة السياسية.
باسيل المعتمد الأول
لم يشذ العهد الحالي للرئيس ميشال عون، عما سبقه من رؤساء جمهورية، الذين لعبت العائلية في عهودهم دوراً أساسياً في الحياة السياسية. فللرئيس عون ثلاثة أصهرة من بناته، انخرط اثنان منهم في العمل السياسي، هما جبران باسيل وشامل روكز، وقد سبق الأول الثاني، بسبب انتماء روكز للمؤسسة العسكرية التي استدعت تأجيل انخراطه بالسياسة إلى ما بعد تقاعده، فحصد في الانتخابات الأخيرة مقعداً نيابياً في كسروان، كان يشغله العماد عون منذ العام 2005، في حين أن باسيل الذي سقط في انتخابات 2005 و2009، تبوّأ منصب وزير الطاقة والمياه عام 2008، ليقربه منه العماد عون، ويعتمده كمعاون سياسي له، قبل أن يفرضه لاحقاً رئيساً «للتيار الوطني الحر» من دون انتخابات، متجاوزاً عشرات مؤسسي «الحالة العونية» ومناضليها، مما أدّى إلى حصول اهتزازات داخل التيار الذي خرج منه المئات، بسبب صعود باسيل الذي دفع معارضيه داخل التيار إلى تشكيل تنظيم مستقل بقيادة نعيم عون ابن شقيق العماد عون.
صهر العهد
صهر العهد، وزير الخارجية جبران باسيل، يمتاز بديناميكيته، وبأنه لا يعرف الراحة، مسافراً من دولة إلى أخرى، ومتنقلاً بين البلدات والقرى اللبنانية، لترسيخ حضور سياسي شعبياً، ولدى العماد عون الذي بات يسمع له دون آخرين غيره، بعد أن كان محاطاً بفريق كان يلتقيه كل سبت في الرابية، قبل أن ينتقل إلى القصر الجمهوري، ويضم كلاً من كريم بقرادوني، عبدالله أبوحبيب، حبيب افرام، جان عزيز وأحياناً إيلي الفرزلي، لكن باسيل كان يتقدم على هؤلاء بالشورى، فهو ناسج التفاهم مع «تيار المستقبل» الذي أوصل عون إلى رئاسة الجمهورية، ثم بعدها الاتفاق مع «القوات اللبنانية» على انتخاب عون رئيساً للجمهورية، مع الحفاظ على صلابة اتفاق «مار مخايل» الذي عقده عون مع «حزب الله» وساهم بشكل رئيسي في وصول عون لرئاسة الجمهورية.
خصوم باسيل
لكن باسيل الأقوى في عهد «الرئيس القوي»، والذي يترأس أكبر تكتل نيابي باسم «كتلة لبنان القوي»، كما أوسع «تيار سياسي مسيحي»، فهو يسعى إلى أن يتقمص دور كميل شمعون كـ«قائد وطني»، وبشير الجميّل كـ«قائد مسيحي»، فلجأ إلى خطاب سياسي، فيه نبرة عالية من الطائفية، عندما يتحدث عن استعادة «حقوق المسيحيين»، وعن وجود «رئيس مسيحي قوي» في رئاسة الجمهورية، إضافة إلى المطالبة باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، وكأنه يريد الانقلاب على اتفاق الطائف، حيث نقلت عنه عبارة أن «السّنّية السياسية قامت على جثة المارونية السياسية»، مما خلق ردود فعل مستنكرة لكلام باسيل الذي نفاه فيما بعد، واعتبره مجتزأ، لكنه أصاب به الرئيس سعد الحريري، شريكه في التسوية الرئاسية، فتحرّك خصوم باسيل ضده، ووجه بعضهم، ممن هم في «تيار المستقبل»، سهامهم باتجاه الحريري أولاً، ثم باسيل، وكان أقساهم الوزير السابق نهاد المشنوق الذي رآها فرصة مناسبة أن يعزز أسهمه من بوابة «كرامة أهل السّنّة».
«شيطنة باسيل» لا تقتصر على الشارع السني، فخلافات وزير الخارجية مع الزعماء التقليدين باتت الشغل الشاغل «للحرس القديم»، من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصفه باسيل بـ«البلطجي» إلى الزعيم الدرزي جنبلاط الذي لجأ إلى منعه من زيارة الجبل بقوة السلاح.
كل الجبهات
شيطنة باسيل سنياً، وصلت إلى حد اتهامه بتسيير الحريري كما يريد، وبأنه يعطّل صلاحيات رئيس الحكومة بعدم توفير النصاب. هذه الصورة السلبية انعكست على زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» إلى طرابلس، التي أقفلت أبوابها السياسية والدينية بوجهه، كما تحرّك الشارع ضده، دون أن يحدث إشكالاً أمنياً، كما حصل في الجبل، حين رفض الحزب التقدمي الاشتراكي دخول باسيل لقضاء الشوف، بتهمة نبش خطاب الحرب والتحريض الطائفي، فكان إقفال الطريق إلى كفرمتى أمامه، مما تسبّب بإطلاق نار واشتباك وسقوط قتيلين وجرحى ليتم تعطيل أعمال الحكومة، وحدوث شرخ سياسي داخلي يهدّد الاستقرار الأمني في ظل التحديات الاقتصادية والمالية المتفاقمة.
وفي حين تتعزز شعبية باسيل من خلال اشتباكاته السياسية مع القيادات التقليدية المتهمة بالفساد، يرى خصومه أن خطابه الاستفزازي ما هو إلا استعجال لمعركة رئاسة الجمهورية، التي فتحها باسيل باكراً منذ وصول العماد عون إليها، إلا أن «حزب الله» الذي ساهم في احتواء خلافه مع بري وأنصار حركة «أمل»، لايزال يرى أنه من المبكر جداً الخوض في هذا الاستحقاق.
فبالإضافة إلى شيطنته في الشارعين السني والدرزي، هناك من يعمل على مهاجمة باسيل شيعياً، انطلاقاً من خطابه الطائفي الحاد، لاسيما في ظل موجة الشحن الطائفي التي رافقت قرار بلدية الحدث بمنع بيع أو تأجير العقارات للشيعة بعد أن باع أهلها المسيحيون نحو 60 بالمئة من أراضي البلدة، وهو ما زعزع الوئام الشيعي–المسيحي القائم في ضواحي بيروت الجنوبية، معيداً إلى الأذهان زمن الفرز الطائفي والتهجير وخطوط التماس.
كذلك لم تسلم الساحة المسيحية من حملات شيطنة باسيل، سواء بتحميله مسؤولية ترنح تفاهم معراب مع «القوات»، أو توتر العلاقة مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بسبب التنافس على رئاسة الجمهورية.
ولكن إذا كانت دوافع باسيل رئاسية فعلاً، كما يقال، فلماذا إذاً يفتح كل هذه الجبهات السياسية في وقت واحد، دون أن يترك لنفسه حليفاً واحداً من دون اشتباك معه.
اللافت أن شيطنة باسيل بسبب خطابه الطائفي الحاد تبقى غير مفهومة، خاصة وأن له أمثالاً كثراً في مختلف الأحزاب.
Leave a Reply