صاف الكرام فخير من صافيته
من كان ذا أدب وكان ظريفا
واحذر مؤاخاة اللئيم فإنه
يبدي القبيح وينكر المعروفا
إن الكريم وإن تضعضع حاله
فالخلق منه لا يزال شريفا
بهذه الأبيات الشعرية ارتأيت أن أبدأ مقالتي التي خصصتها هذا الأسبوع للكلام عن الأديب الدكتور عبد الإله الصائغ، صفوة الكرماء والظرفاء، هنا في جاليتنا العربية في ديربورن.
جاء الصائغ إلى الأدب من إرث الأصالة وطيبة أهل الأرض. نهل باكراً من النبع العالي فبقي على المرتفعات يمد ناظريه على السهل الواسع وعلى المدينة المقدسة (النجف) التي بادلته حباً بحب.
لا يتراءى لك إلا باسماً، ونفسه لا تعرف الانقباض حتى في أقصى الظروف. أحسده على رحابة التعامل مع الآخرين والأصالة التي خَبرها خيرة العراقيين، وغذوا به نهر الأدب العربي الدافق، بروافد الانفتاح والاعتدال وقبول الآخر واحترامه.
عندما تسمعه يتكلم باعتزاز وفخر عن أمّه «الزرقاء»، تدرك الطفل الكبير الذي ربّته سيدة صارمة قوية الشخصية، غرست فيه دماثة الخلق والأدب الجم والنبل، مما مكّنه من كسب ود واحترام الآخرين، وجعله شخصاً مؤثراً حيثما حلّ أو ارتحل.
يضحك ويسخر دائماً بخفة دم. وإذا انسحب تشعر أن المكان تجهم وفقد ابتسامته.
لكن عندما يأتي الحديث عن العراق، يتحوّل إلى حزن تعكس عيناه أوجاع شعب بأكمله.
هذا هو الدكتور عبد الإله الصائغ، الأديب المثقف المنفتح والديمقراطي، الذي له من إسمه كل نصيب. فهو صائغ ماهر ليس للذهب والماس، بل لما هو أغلى، ألا وهي اللغة العربية والأفكار الرائقة.
علمه وقراءاته الغزيرة نمت في داخله حنكة وبراعة التحليل واستيعاب ما يقرأ والتمعن فيه، وبالتالي مكنه من استنباط العبر وربط الأحداث ببعضها وروايتها في سياق متصل، يتسم بالتشويق وجذب الأسماع والعقول لمواصلة الإنصات إلى ما يرويه البروفسور الصائغ بأسلوبه السهل البسيط وقدرته الفذة على اختيار معان كثيرة بكلمات أنيقة وقليلة.
أنا شخصياً أعتبر الوقت الذي يجمعني به في لقاءات أجتماعية أو ثقافية، وقتاً مميزاً، خاصة عندما أسمعه وهو يتحدث بأسلوبه الأدبي المميز الذي يجمع بين العقل والمنطق والدقة في اختيار الكلمة العربية الراقية وفي إلقاء قصائد الشعر التي يحفظها عن ظهر قلب. كما أعتبره مرجعاً أعود إليه وأسأله عن معنى كلام سمعته أو قرأته. والدكتور الصائغ دائماً حاضر للمساعدة والإجابة، فهو مخزون هائل للأدب والثقافة العربية وعلامة راسخة في قلوب محبيه الكثيرين، خاصة في هذا الزمان القاحل المهتم بالمقالات السخيفة والكتب الركيكة وغياب المنافسة الجميلة والشريفة بين المثقفين الذين باتت سماتهم الغالبة هي العداوة والجفاء والغيرة المهنية.
لا أستغرب لو سمعت، مؤخرا، كلاماً من الدكتور الصائغ يشكو الألم والحسرة على جحود الأقرباء قبل الاصدقاء، وحرصهم على تجاهله وتغييبه عن الجالية وفعالياتها وأوساطها الثقافية، رغم وجوده هنا في ديربورن. وكلمتي له في هذا الخصوص، عسى أن تكون عزاء خالصاً الود له، هي قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا!
Leave a Reply