مع الازدياد المضطرد لأعداد الطلاب في مدارس ديربورن العامة، وتقادم العديد من مبانيها الـ٢٩ التي يتخطى متوسط عمرها الـ 60 عاماً، تبرز الحاجة إلى التفكير بحلول جدية للمشاكل التي تواجهها المنطقة التعليمية، لاسيما مسألة تكاليف الصيانة والتشغيل الباهظة للمباني المتهالكة، والازدحام الطلابي المتفاقم الذي دفع الإدارة –في العام الدراسي الماضي– إلى اعتماد حل مؤقت بإعادة ترسيم حدود المدارس الثانوية الثلاث في المدينة لاستيعاب الأعداد المتزايدة للطلاب، على عكس معظم المناطق التعليمية الأخرى في الولاية.
قبل نحو ثلاثة شهور، تم تشكيل لجنة لتقييم احتياجات البنى التحتية للمدارس، وتشكلت من 35 شخصاً، من أعضاء المجتمع المحلي والمدراء والنقابيين وممثلين عن المجلس التربوي.
ويوم الأربعاء الماضي، رافقت «صدى الوطن» 25 عضواً من أعضاء اللجنة في جولة شملت معظم مدارس ديربورن العامة، للاطلاع ميدانياً على الإصلاحات الضرورية المطلوب إنجازها في أقرب وقت ممكن.
بالطبع، لم نجد شيئاً من قبيل ما تشهده مدارس ديترويت العامة مثلاً، فالمباني المدرسية في ديربورن تبدو نظيفة ومصانة بشكل جيد، ولا تتهدد سلامة طلابها بأية مخاطر على الصحة مثل التعفن والفئران وتساقط مادة «الأسبستوس» من السقوف… فديربورن تستفيد من موارد كبيرة يوفرها الإنفاق السخي من السكان على التعليم العام، ولكن هذا لا يعني أن المنطقة التعليمية الثالثة من حيث عدد الطلاب في عموم ولاية ميشيغن، لن تحتاج إلى تمويل إضافي لإصلاح وتجديد بعض المدارس التي مضى ما يناهز ١٠٠ عام على تشييدها.
صيانة باهظة
بين العامين 2020 و2030، يكون حوالي نصف مدارس المدينة قد تجاوز عمرها المئة عام. ومع تقادم المباني، تزداد احتياجاتها وتصبح الصيانة أعلى كلفة، وتنفيذ التحديثات الضرورية أكثر صعوبة وتعقيداً، بما في ذلك تحسين الأمن وكفاءة استهلاك الطاقة (غاز وكهرباء) واستيعاب الازدحام الطلابي.
وقد أفاد المدير التنفيذي للأعمال والعمليات في مجلس ديربورن التربوي توم وول لـ«صدى الوطن» بالقول: «لقد استثمرت المنطقة التعليمية على الدوام في صيانة مبانيها من خلال موظفيها، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وبسبب انحفاض التمويل، كان لدينا فقط ما يكفي من المال لمواكبة إصلاح السقوف، ولم يكن لدينا ما يكفي لتحديث الحمامات والمرافق الأخرى في المدارس».
وتوصلت دائرة الأعمال والعمليات إلى أن هناك حاجة لنحو ٢٠٠ مليون دولار لتمويل أعمال الصيانة والإصلاحات الملحة مثل استبدال وإصلاح السقوف، والتدفئة، وأنظمة الكهرباء والسباكة، إضافة إلى تركيب كاميرات إضافية وتأمين مداخل المباني، وفقاً لخطة الإنفاق المعتمدة لعقدين قادمين (٢٠١٧–٢٠٣٧)، والتي حصلت «صدى الوطن» على نسخة منها.
من ناحيته، لفت مدير الاتصالات في المنطقة التعليمية ديفيد ماستونين، إلى أن «المدارس يتم تصميمها بشكل مختلف هذه الأيام»، مضيفاً أن «احتياجات المدارس القديمة مختلفة وكذلك الطريقة التي تستخدم لتلبيتها مختلفة أيضاً».
وبحسب ماستونين، فقد حددت «دائرة الأعمال والعمليات» الاحتياجات التي تتطلب المعالجة الفورية مع التركيز على السلامة وكفاءة الطاقة وتوفير الأموال، بما يشمل تحسين المداخل وإضافة مراجل جديدة، وإصلاح السقوف والنوافذ وإصلاح التصدعات والشقوق في الجدران المتهالكة.
ظروف المدارس
في 26 أيلول (سبتمبر) الجاري، وبعد ثلاثة اجتماعات عقدتها في أوقات سابقة، قام أعضاء اللجنة بجولة ميدانية لمعاينة مدارس المدينة والتعرف على احتياجاتها الضرورية، بمشاركة المدير التنفيذي لـ«مكتب دراسات المدارس في متروبوليتان ديترويت» كارل وايس، الذي أفاد «صدى الوطن» أن منظمته المستقلة التي تعمل مع 75 منطقة تعليمية في الإقليم، بينها ديربورن، حيث تتولى تنظيم اجتماعات اللجنة التي تضم 35 عضواً.
وكشفت الجولة عن تفاوتات صارخة في ظروف المباني واحتياجاتها في أنحاء المنطقة التعليمية، إذ أن الفارق بين أقدم مدارس ديربورن وأحدثها يصل إلى ٨٦ عاماً (1919 و2005)، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة في حجم الإصلاحات الضرورية المطلوبة.
على سبيل المثال، تحتفل «ابتدائية سالاينا» في تشرين الأول (أكتوبر) القادم، بمرور 100 عام على تشييدها، وفي 2020 سيكون قد مر قرن من الزمان على بناء «متوسطة سالاينا» و«ابتدائية دوفال»، فيما بنيت بعض المدارس في ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي، مثل ثانوية «أدسل فورد» ومدارس «ويتمور–بولز» و«ناولين» و«ليندبيرغ» و«لونغ».
أما «متوسطة لاوري» التي بنيت قبل 91 عاماً، فقد غدت الإصلاحات حلاً غير قابل للتطبيق، فتحديث البنية التحتية القديمة واحتياجاتها المتزايدة باتت أكثر كلفة من هدم المبنى وإعادة تشييده، بكلفة تقديرية تبلغ 64 مليون دولار، بحسب توصيات دائرة الأعمال والعمليات.
في أحد فصول الصف الأول بمدرسة «لاوري»، أشار مدير الصيانة والسلامة والأمن، دون بول، إلى أنهم عملوا على «إبقاء كل شيء بحالة مقبولة»، ولكن قدم المبنى «لا يسمح بأن تجري الأمور كما نتمناها».
بلاط الصف الذي تبلغ مساحته الإجمالية 850 قدماً مربعاً، رُصفت باستخدام صمغ صديق للبيئة ولكنه ضعيف وبحاجة ملحة للاستبدال. الخزائن متشققة، وأسلاك الكهرباء تبدو مكشوفة على الجدران والسقوف.. وموصولة إلى مقابس تم تثبيتها عام 1927.
وقال بول لأعضاء اللجنة: «نواجه صعوبة كبيرة بتطبيق التكنولوجيا الحديثة في مبنى عمره 100 عام».
أيضاً، أجهزة التدفئة على البخار غير فعّالة وتجعل التحكم بدرجة الحرارة أمراً صعباً. في حين أن تركيب أنظمة كهرباء وتسخين جديدة، يتطلب إزالة الجدران حتى الإسمنت.
كما أن الاحتفاظ بالكثير من المراجل (الغلايات) القديمة والكبيرة، بينها ثلاثة على الأقل في مدرسة «لاوري» يتطلب قيام المهندسين بتفكيكها وتنظيفها سنوياً، علماً بأن استبدالها بمراجل جديدة بكلفة تقدر بحوالي نصف مليون دولار للواحدة، سيجعلها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وأقل صعوبة وتعقيداً في تشغيلها وصيانتها.
وفي حزيران (يونيو) الماضي، خصص المجلس التربوي حوالي 500 ألف دولار لتركيب مكيف هواء واحد على الأقل في كل مدرسة بحلول بداية السنة الدراسية القادمة، بحسب تيم غروتزينسكي، مدير العمالة والتجارة والخدمات التعاقدية في المنطقة التعليمية، موضحاً أن الهدف هو توفير غرف مكيفة بالهواء في جميع المدارس الابتدائية بحلول الربيع المقبل، وفي جميع المدارس المتوسطة بحلول خريف 2019.
أما تكييف جميع الصفوف المدرسية، فتقدر كلفته بنحو 50 مليون دولار، لاسيما وأن البنية التحتية للمباني القديمة لا تسمح بسهولة، بتركيب أنظمة جديدة للتدفئة والتبريد. كذلك الكثير من أقسام مدرسة «لاوري» بما فيها الممرات، بالكاد يصلها ضوء الشمس، وبعضها لا يدخله النور مطلقاً، كما أن الكافيتريا تتموضع أسفل المبنى (البيسمنت).
ماستونين، لفت إلى أن اللجنة تدرس احتمالية هدم «ابتدائية لاوري» وإعادة بناء مدرسة جديدة، أو تجريد المبنى بالكامل وإعادة إكسائه وتصميمه من جديد، مشيراً إلى أن اللجنة تدرس أيضاً إمكانية إزالة المبنى ونقل الطلاب إلى مدرسة أخرى.
وفي هذا الصدد، أكد وايس أن استيعاب الطلاب خلال عملية إعادة البناء سيشكل «معضلة كبيرة يتوجب على اللجنة مواجهتها»، لافتاً إلى أن بناء مبنى جديد، سيكون أقل كلفة من إجراء عملية ترميم شاملة لمدرسة لاوري.
بدورها، «ابتدائية سالاينا» بحاجة ماسة إلى تحديث وحدة تنقية الهواء، خاصة وأن المدرسة تقع في منطقة محاطة بمصادر التلوث والمصانع الثقيلة. وكان من المقرر أن تخدم الوحدة لمدة عشر سنوات، لكن حاجتها إلى العمل بالطاقة القصوى في المدرسة التي نادراً ما تفتح نوافذها، جعلتها مؤهلة للعمل لمدة خمس سنوات فقط، وفقاً لغروتزينسكي.
الازدحام الطلابي
في آب (أغسطس) الماضي، كُلّف المجلس التربوي بإيجاد حل لمشكلة الاكتظاظ الطلابي في المدارس، وتم النظر في إمكانية بناء مدارس جديدة لاستيعاب الزيادة الطلابية، ولكن المجلس اختار إعادة ترسيم حدود الثانويات، بحيث تتم الاستفادة القصوى من القدرة الاستيعابية لـ«فوردسون» و«أدسل فورد» و«ديربورن هاي».
ويشير ماستونين إلى أن المدراس الحديثة أكثر عدداً في شرقي ديربورن، مقارنة مع غربي المدينة، وذلك «لأن النمو السكاني في ذلك الجزء تطلب بناء المدارس الجديدة».
وفي نفس السياق، يؤكد وايس على أنه «مع نمو السكان والاقتصاد، تزداد الحاجة إلى مبان جديدة»، مضيفاً «على عكس المدن المجاورة، فإن الأراضي محدودة في ديربورن»، «فالمدينة تنمو، ولكن لا توجد مساحات» تتسع لهذا لنمو.
وبصرف النظر عن إضافة فصول جديدة في كل مدرسة، والتي من شأنها أيضاً إحداث تغييرات هيكلية، أشار وايس إلى تحديات أخرى متمثلة في توسيع المساحات، بما في ذلك الملاعب الرياضية والحمامات ومواقف السيارات.
السلامة والأمن
لضمان أمن الطلاب والمدارس، تعتمد المنطقة التعليمية على شراكة متينة مع شرطة ديربورن التي توظف 7 من موظفيها للمدارس، إضافة إلى قرابة 30 شرطياً يقومون بحوالي 600–800 دورية في محيط المدارس شهرياً، وفقاً لقائد شرطة المدينة، رونالد حداد.
ومع ازدياد ظاهرة حوادث إطلاق النار في المدارس بأنحاء الولايات المتحدة، اندفعت المنطقة التعليمية إلى زيادة تدابيرها الأمنية في المدارس، كما أنها تزمع تركيب المزيد من الكاميرات والأنظمة الإلكترونية لأقفال الأبواب، إضافة إلى إنشاء ردهات عازلة عند مداخل المباني.
وقد اعتمد نظام البطاقات الممغنطة لفتح الأبواب الرئيسية منذ خمس سنوات، غير أن المنطقة التعليمية ترغب في تعميم هذا النظام على جميع المدارس.
وبالإضافة إلى الكاميرات المرتبطة بالأجراس، عند المداخل الرئيسية، ترغب الادارة كذلك في تركيب كاميرات أمنية أكثر دقة في كافة أنحاء المباني، التي يضم بعضها الآن هذا النظام.
على سبيل المثال، لا توجد الآن كاميرات مراقبة في «لاوري»، لكن مدرسة «ماكولو–يونس» لديها بعض الكاميرات التي ترصد مواقف السيارات، في حين أن لدى «ثانوية فوردسون» كاميرات في جميع أنحاء حرمها.
أما الردهات عند مداخل المباني، فتتيح رؤية الزوار قبل السماح لهم بدخول المدرسة حيث يتواجد الطلاب. وقد أكد بول على أنه في معظم المدارس «سيكون أحد موظفي السكرتاريا قادراً على رؤية الزوار من خلال كاميرا.. والسماح لهم بالدخول عبر ضغط زر مخصص»، لافتاً إلى أنه «الآن، يمكنك التجول بحرية في المبنى بأكمله، ما لم يسألك أحد عما تفعله هناك».
ماذا بعد؟
يناط بلجنة تقييم البنية التحتية للمدارس بناء توافق بين أعضائها على نوع التوصيات التي ستقدمها لمجلس ديربورن التربوي في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وفقاً لماستونين، حيث «ستقدم اللجنة تقييمها للمعطيات والعقبات المالية واللوجيستية» تمهيداً لوضع خطة شاملة، للمضي قدماً في الإصلاحات.
أضاف: «يتعين على المجلس معرفة أفضل موازنة لاستخدام تلك الدولارات.. التي سيكون لها تأثير طويل الأمد على المنطقة التعليمية».
ويشار إلى أنه في حال وافق الناخبون على تجديد الضريبة العقارية الحالية، ستتمكن المنطقة التعليمية من توفير 190 مليون دولار، لتمويل الإصلاحات اللازمة. غير أن المجلس التربوي يدرس إمكانية زيادة الضريبة بمقدار ٠.٥ مِل أو مِل واحد (المِل الواحد يساوي واحداً بالألف من القيمة الضريبية للعقار)، بناء على استنتاجات اللجنة.
يذكر أن أقرب موعد يمكن فيه استفتاء سكان المدينة على الزيادة الضريبية سيكون في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.
Leave a Reply