أجرى الحوار: أسامة السبلاني
في إطار الجولة التي يقوم بها وزير السياحة اللبناني أفيديس كيدانيان في الولايات المتحدة وكندا، قام السياسي القيادي في حزب الطاشناق بزيارة منطقة ديترويت والتقى بالجالية الأرمنية فيها لتشجيع ناخبيها المسجلين خارج لبنان على المشاركة في الانتخابات النيابية المنتظرة، التي تعتمد على «قانون النسبية».
كيدانيان، الذي غادر ديترويت إلى بوسطن، كان قد زار سابقاً لنفس الغرض مدينة لوس أنجليس الأميركية ومدينتي تورنتو ومونتريال الكنديتين، للتواصل مع الأرمن المسجلين للانتخابات النيابية، والذين تقدر أعدادهم في أميركا الشمالية بنحو 1800 ناخب.
على هامش زيارته لمنطقة ديترويت، التقت «صدى الوطن» مع الوزير كيدانيان، صباح الخميس الماضي، وكان هذا الحوار حول السياحة والانتخابات:
■ كيف تصف لنا المشهد السياحي في لبنان؟
– سُجل العام 2017 ثاني أفضل موسم سياحي منذ العام 1951، إذ بلغ عدد السياح الذين زاروا لبنان 1.9 مليون شخص، أي أقل بـ200 ألف من العدد القياسي المسجل في 2010 الذي اعتبر أفضل موسم سياحي منذ 66 سنة. ويمكنني القول إن الرقم كان مرشحاً للزيادة لولا الأزمة السياسية التي حصلت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بما يتصل بموضوع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، كما أنه لا بد من الإشارة في هذا الخصوص إلى أننا بذلنا جهوداً إضافية من أجل تجميل صورة لبنان في الخارج.. التي شابتها بعض الشكوك والتشويهات بسبب أحداث المنطقة، التي لا مفر من أن تصيب لبنان «طرطوشة» منها.
■ هنالك من يتحدث عن أن السياحة في لبنان تندرج تحت عنوان السياحة الداخلية، بمعنى أن أغلب الذين يقصدون بلد الأرز هم من المغتربين اللبنانيين الذين يحرصون على زيارة وطنهم بشكل دوري؟
– الأرقام تقول عكس ذلك، كما سبق وقلت بلغ عدد السياح العام الماضي 1.9 مليون شخص، 35 بالمئة منهم أوروبيون، و33 بالمئة عرب، و17 بالمئة من الأميركيتين، وعند تسجيل الإحصائيات لا نأخذ بعين الاعتبار هؤلاء الذين يدخلون البلاد بجوزات سفر لبنانية أو سورية أو فلسطينية. صحيح أن بعض اللبنانيين يدخلون بجوازات سفر أجنبية، ولكن الزيادات المسجلة في حجوزات الفنادق تشير إلى أن الزائرين من الأجانب، مثلاً ارتفعت نسبة السائحين بمقدار 10 بالمئة في 2017 عن العام 2016، وتم تسجيل ارتفاع 10 بالمئة في حجوزات الفنادق خلال الفترة نفسها، وهذا يؤكد ما قلته. كذلك تشير أرقامنا إلى أنه بين العامين 2016 و2017 ارتفع عدد الزوار الفرنسيين مثلاً بنسبة 17 بالمئة إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الألمان والسويديين، كما دخلت البلاد أعداد كبيرة من العراقيين الذين بأغلبهم يأتون من أجل الاستشفاء أو من أجل السياحة الدينية.
وفيما يخص الاغتراب اللبناني.. نحن نعمل بجد على هذا الموضوع، ففي أميركا الجنوبية يوجد أكثر من 8 ملايين لبناني وهؤلاء لو استطعنا اجتذاب 10 بالمئة منهم لحققنا نجاحاً كبيراً كفيلاً بتفعيل العجلة الاقتصادية.. الكثير من الجهود تبذل في هذا المضمار وبينها جهود وزير الخارجية جبران باسيل من خلال العديد من مؤتمرات الاغتراب. ومن جهتنا، نحاول تأمين تذاكر سفر بأسعار مدروسة للبنانيين المغتربين في أميركا الجنوبية.. نجتهد في ذلك من منطلق أن السياحة هي أحد المصادر الأساسية للدخل الوطني إذ بلغت مداخليها قبل 2011 حوالي 20 بالمئة من الناتج القومي، ولكنها تراجعت بسبب ما يجري في سوريا إلى 10 أو 9 بالمئة.
■ إضافة إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، تتأثر السياحة بمستوى ونوعية الخدمات التي تراجعت في لبنان بالآونة الأخيرة، مثل انتشار النفايات ونقص خدمات الكهرباء والمياه وغياب الصحة الغذائية.. ألم تسفر هذه العوامل عن تراجع السياحة بين عامي 2010 و2017؟
– لقد سمعنا مثل هذه الأقوال، ونحن نحترم كل الآراء. ولكن دعني أقول لك أن هذه الأمور ليست لها أية صلة بالواقع. في مصر –على سبيل المثال– توجد أوبئة وتنتشر في مدنها القمامة، إضافة إلى الازدحام والتلوث والفقر لدرجة أن بعض مواطنيها يعيشون بين المقابر، ومع ذلك تستقبل سنوياً 16 مليون سائح. ليس للأسباب التي ذكرتها أي تأثير على تراجع السياحة في لبنان، والسبب الحقيقي في ذلك هو الحرب في سوريا كون طرقنا ومداخلنا الحدودية شبه مقفلة معها. في السابق كان يأتينا حوالي 300 ألف شخص من الأردن (عبر سوريا) وهذه السنة استقبلنا 100 ألف شخص فقط.. أي كان هناك نزيف بمقدار 200 ألف شخص.
وفي الواقع نحن نعاني من مشكلة تظهير وتضخيم صورة سيئة عن لبنان بكل أسف، خاصة في إعلامنا المحلي الذي قد يؤثر على الإعلام الخارجي، لكنني في العام الماضي تلقيت دعوات كثيرة من عدد كبير من شركات السياحة، من أكثر من 40 دولة في العالم، وكان لدى 150 شركة سياحية تصوراً حقيقياً وإيجابياً عن بلدنا. وفي الوقت الذي يساهم فيه الإعلام المحلي بنشر صورة سلبية عن بلدنا، أعطت شركات السياحة شهادات رائعة بحق لبنان، وللبرهان على ذلك، ويمكنكم الاطلاع على تقرير نشرته شبكة «سكاي نيوز» يتضمن شهادة لـ50 شركة فرنسية ترى أن بلد الأرز هو الوجهة المفضلة للسياحة في المنطقة. ومن هنا فإنني أعتقد أن 2018 سيكون عاماً سياحياً واعداً، أما بخصوص الخدمات لاسيما ما يتعلق بموضوع الصحة الغذائية فقد تغيرت الصورة كثيراً، وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهود التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور قبل سنتين لمراقبة الأغذية وجودتها وصلاحيتها ومطابقتها للمعايير الصحية.. اليوم لدينا في لبنان رقابة يومية وشركات عالمية تتولى هذه الرقابة وتقدم إفادات شهرية بهذا الخصوص..
■ ماذا بخصوص معضلة النفايات التي أساءت لصورة لبنان ووجهه الحضاري؟
– كل بلد في العالم فيه نفايات. وهذه المشكلة ليست مستعصية على الحل لكنها تخصع عندنا للتجاذبات السياسية من قبل أطراف تسعى لتحقيق مكاسب سياسية ومادية في آن. أنا أرمني أعيش في منطقة برج حمود التي استقبلت بلديتها فكرة إنشاء مطمر، إضافة إلى إنشاء مطمرين آخرين في كوستا برافا وفي الجديدة.. هذه الأزمة ما كانت لتتفاقم لولا المزايدات السياسية والحزبية. صحيح أن هذه المطامر تستخدم اليوم بشكل مرحلي لكن لدينا مشروع متكامل لمعالجة النفايات وقد تم التوافق على هذا المشروع في مجلس الوزراء وسوف يبدأ العمل به بعد أربعة أو خمسة شهور.. مشكلتنا أن أكثر من 50 بالمئة من نفاياتنا عضوية (أورغانيك) ولا يتم فصلها عن المواد غير العضوية وهذا ما يجعل موضوع معالجة النفايات أمراً صعباً.. أتصور أننا سنعاني من أزمة النفايات لعامين آخرين وبعدها سيكون لدينا حل جذري لهذه المشكلة.
■ زرت عدة مدن أميركية وكندية، ما سبب زيارتك لديترويت؟
– أنا وزير في الحكومة اللبنانية منذ كانون الأول (ديسمبر) 2016 ولكنني ناشط في حزب الطاشناق (الأرمني) كما أنني أتولى عدة مسؤوليات من ضمنها «الماكينة الانتخابية» للحزب. وكما تعلم سُمح مؤخراً للمغتربين اللبنانيين بالمشاركة في الانتخابات النيابية وقد تقدم للتسجيل في الانتخابات ما يزيد عن 92 ألف لبناني مغترب، وبعد تفحص الوثائق وصل الرقم إلى 82 ألف بينهم حوالي 3000 أرمني تسجلوا خارج لبنان. زيارتي لأميركا وكندا تندرج ضمن الجهود المبذولة لتحفيز الناخبين الأرمن على الإدلاء بأصواتهم في 29 نيسان (أبريل) بالنسبة للمقيمين في الدول الغربية أو في 27 نيسان بالنسبة للمقيمين في الدول العربية.. وفي هذا الإطار أقوم بجولة بدأت بمدينتي تورنتو ومونتريال بكندا، ثم لوس أنجليس وديترويت وغداً سأزور بوسطن. الهدف الأساسي هو حث الناس وتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات القادمة خاصة في ظل اعتماد «قانون النسبية» الذي يمكننا في حال المشاركة الكثيفة من رفع عدد نوابنا في البرلمان اللبناني من عضوين حالياً إلى 3 أو 4 أعضاء.. الناس في السابق كان يعرضون عن المشاركة في التصويت بسبب المحادل الانتخابية أما اليوم فقد تغير الوضوع وصار بإمكانهم أن يكونوا جزءاً من التغيير.
■ 3000 أرمني من أصل 82 ألف لبناني هم مسجلون في الخارج، كيف يتوزعون؟
– أكثر من 1000 بقليل في أميركا و800 بكندا و300 بأرمينيا والعدد الباقي يتوزع في بعض الدول العربية أما عدد الأرمن في منطقة شرق ميشيغن فيبلغ حوالي 300 شخص، وقد اجتمعت مع الكثيرين منهم أمس في ديترويت؟
■ ماذا سمعت منهم، ما هي همومهم ومطالبهم، وإلى ماذا يتطلعون؟
– سمعت منهم نفس الكلام والأسئلة التي سمعتها منكم. لديهم نفس الشكاوى وكثير من الحب للبنان.. أتفهم مخاوفهم.. وقد قمت بطمأنتهم حول الوضع الاقتصادي في لبنان. اقتصادنا على موعد مع نقلات نوعية خاصة في موضوعي استثمار النفط وإعادة الإعمار في سوريا التي من المتوقع أن تبدأ بعد عامين أو ثلاثة على أبعد تقدير.
■ ألا يستحق اللبنانيون أن يعيشوا حياة أفضل من الحياة التي يعيشونها اليوم في لبنان.. لقد قدم هذا الشعب الكثير من التضحيات.. في الحرب الأهلية وحرب تموز 2006 والحرب الأخيرة على التكفيريين والإرهابيين.. ألا يستحق هذا الشعب خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.. هل يعقل أن الكهرباء ماتزال تنقطع لعدة ساعات يومياً والمياه التي تصل المنازل غير صالحة للشرب.. فيما تهدر مليارات الدولارات من خزينة الدولة؟
– هنالك مسائل مبالغ فيها في هذا الخصوص.. لكن معك حق في موضوع الكهرباء. إذا قبل اللبنانيون أن نرفع سعر الكيلو واط من 9 إلى 15 سنتاً لكل كيلو واط فلن تكون لديهم حاجة للاشتراك مع مولدات الكهرباء، وفي هذه الحالة سوف يوفرون على البلد أكثر من 2 مليار دولار تتحملها الدولة. نعم.. الأوضاع ليست مثالية، لقد مررنا بعدة حروب وهنالك أزمات هي من مخلفات الحرب الأهلية إضافة إلى أننا نتحمل اليوم عبء 1.5 نازح سوري لا أحد يساعد الدولة اللبنانية بشأنهم بقرش واحد. المرافق والخدمات العامة نفذت لكي تخدم 3 ملايين نسمة واليوم يستفيد منها أكثر من 4.5 مليون. هنالك إنهاك للدولة التي نجحت بالرغم من جميع العقبات من تحقيق الأمن والاستقرار السياسي. خذ مثلاً سلسلة الرتب والرواتب التي سببت عجزاً في الميزانية بمقدار 5 مليارات في 2016 وسوف يرتفع العجز إلى 6 أو 7 مليارات هذا العام، قد تقول لي هذا من حق الموظفين وأنا أقول لك صحيح، ولكن هل توجد شركة مفلسة في العالم تقوم برفع رواتب موظفيها؟ لقد فعلنا ذلك في لبنان.
■ بالعودة إلى موضوع الانتخابات، ألا ترى أن قانون النسبية يكرس الطائفية والمذهبية في لبنان؟
– إذا قرر اللبنانيون ألا ينتخبوا طبقة سياسية سيئة وفاسدة فهذه فرصتهم. ففي هذه الدورة الانتخابية سيكون بإمكانهم انتخاب من يمثلهم من خلال آلية تصويت مختلفة عن السابق.. صار اليوم بإمكان اللوائح الصغيرة التي تحصل على 20 أو 30 بالمئة من الأصوات أن تتمكن من الوصول إلى البرلمان. في الدورة الانتخابية السابقة فازت لائحة انتخابية كاملة بـ47 ألف صوت فيما خسرت أخرى رغم حصولها 45 ألف صوت. مثل هذا الأمر لن يحصل في الانتخابات القادمة. إذا كنا نريد التغيير فقد صار ذلك متاحاً اليوم.
■ ما هي توقعاتك بالنسبة للانتخابات النيابية القادمة؟
– أتوقع أن تعود الطبقة السياسية الحالية بنسبة 80 بالمئة وأن تدخل إلى البرلمان دماء جديدة بنسبة 20 بالمئة خاصة من الشباب الذين يناط بهم التغيير. يوجد لدينا في لبنان مجتمع مدني بات بإمكانه أن يوصل صوته ويثبت حضوره.. وفي ظل قانون النسبية بإمكانك أن توصل نائباً إلى البرلمان من خارج السرب السياسي السائد إذا تمكن من تحصيل 10 بالمئة من الأصوات الناخبة. أتمنى أن تكون الانتخابات القادمة بوابة نحو التغيير السياسي في لبنان.
Leave a Reply