يعجّ مقر منظمة «فريدوم هاوس» (بيت الحرية) في ديترويت، بطالبي اللجوء السياسي القادمين بمعظمهم من القارة الأفريقية وأميركا الوسطى إلى ما يُفترَض فيه بلد الحرية والعدالة والمساواة هرباً من الظلم والاضطهاد في بلادهم الأصلية.
أكثر من 40 شخصاً يسكنون في مقر المنظمة الذي يضيق بهم بانتظار البت بطلبات لجوئهم من قبل الدوائر المعنية.
فمبنى «بيت الحرية» اليوم، يشبه مقر الأمم المتحدة في تعدد الجنسيات والتعايش بين الثقافات، والمكان الأكثر تعبيراً عن هذا المزيج والخليط الأممي هو المطبخ، حيث تقوم كل مجموعة من اللاجئين بإعداد المأكولات الإثنية الخاصة بها.
من خلال نافذة المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق، يمكنك أن ترى كنيسة «سانت آن» الكاثوليكية التاريخية وخلفها يبدو جسر «أمباسادور» الذي يربط ديترويت بكندا.
في محيط المبنى المطل على نهر ديترويت، تمر دوريات شرطة الجمارك والحدود باستمرار، لتمشيط المنطقة حرصاِ على عدم تسلل الأفراد إلى داخل الأراضي الأميركية.
النزلاء المؤقتون كانوا في السابق مهنيين محترفين في أوطانهم، ولكنهم اضطروا إلى الفرار نتيجة التعذيب والاضطهاد.
بينهم أطباء ومهندسون وفنانون يسعون لتنشق هواء الحرية في أرض أميركا، ولكن قضاياهم معلقة لدى دائرة الهجرة والعودة غير ممكنة إلى بلدانهم.
الآن، هم يقيمون في مبنى «بيت الحرية» الواقع عند الواجهة النهرية لوسط ديترويت، بينما يعيش عشرة آخرون في مبنى آخر تابع للمنظمة نفسها في ديترويت.
تاريخ عريق
«بيت الحرية» العريق ممتلىءٌ بصور تذكارية عن نضالات النزلاء السابقين.
ذكريات 34 سنة تزين طوابق المبنى، من بينها صور لأسر عانت الأمرّين دون أن تفقد إقدامها وشجاعتها وطموحها.
يعتبر «فريدوم هاوس» بالنسبة للعديد من طالبي اللجوء السياسي بمثابة الملاذ الوحيد لهم. لكنهم يعيشون الآن على حافة القلق والتوتر ولا يجرؤون على الخروج من المنزل بتاتاً خصوصاً منذ تشديد الإدارة الأميركية الجديدة قوانين اللجوء والهجرة.
مدير البرنامج توماس روجرز أوضح لـ«صدى الوطن» أن البرنامج الانساني بدأ في عام 1983، عندما قامت مجموعة من النشطاء العاملين في المجال الإنساني في مدينتي ديترويت وويندزر الكندية بمدّ يدّ المساعدة للأعداد المتزايدة من اللاجئين السياسيين الفارين من الحرب والاضطهاد في وسط وجنوب أميركا– حرب السلفادور بخاصة– وكانوا يسعون للحصول على اللجوء في كندا، من خلال ديترويت.
غير أنه في تلك الأيام لم تتوفر أنظمة دعم لتلبية احتياجات هؤلاء، مثل المأوى والمساعدة القانونية والرعاية الطبية والنفسية المطلوبة لتخفيف آثار الصدمات والأهوال التي عانوها قبل بلوغهم بلاد العم سام.
ومن رحم هذه التجربة ولد «تحالف ديترويت–ويندزر» للاجئين. وبعد أربع سنوات، تغير الاسم إلى «فريدوم هاوس» في ديترويت. وفي هذا المضمار ذكر روجرز أن «بيت الحرية» لا يزال المؤسسة الوحيدة من نوعها التي توفر المأوى والمساعدة القانونية وخدمات شاملة مجاناً إلى طالبي اللجوء وضحايا الاتجار بالبشر.
ولا شك اليوم، أن هناك عدداً وفيراً من المنظمات الأخرى تقدم مساعدات مماثلة للقادمين الجدد واللاجئين، ولكن روجرز يؤكد أن معظمها غير قادر على خدمة أفراد ينحدرون من شعوب عالمية متنوعة ويعانون من عوارض الاضطهاد والتوتر النفسي بسبب ملاحقات حكوماتهم. كما أن المنظمات الأخرى غير قادرة على ربط الوافدين الجدد بالخدمات المحلية المطلوبة في ظل التعدُّدية والاختلافات الثقافية الواسعة التي يمثلونها لاسيما في ظل الحواجز اللغوية، والاحتياجات الخاصة الأخرى.
وكمثال على نوع الأشخاص الذين يتلقون مساعدة «فريدوم هاوس» وصف روجرز وضع امراة من أفريقيا الوسطى، تقوم منذ منحها اللجوء، بتشجيع الشباب والشابات على التصويت في وطنها الأصلي، بعد أن شهدت خلال وجودها عبث الشرطة وتلاعبها بصناديق الاقتراع يوم الانتخاب، مما أدى إلى خطفها إلى مكان مجهول حيث تعرضت للتجويع والضرب والاغتصاب عدة مرات يومياً.
قوانين متغيّرة
وفي حين كان «بيت الحرية» يهدف عند تأسيسه إلى أن يكون جسر عبور للأفراد الباحثين عن ملجأ في كندا، إلا أن التغييرات التي طرأت على قوانين اللجوء السياسي في كندا خلال العقد الماضي أدَّت بدورها إلى تغيير أولويات عمل المنظمة.
ووفقاً لروجرز، استندت التغييرات الكندية إلى «اتفاقية البلد الثالث الآمن» التي تحصر فرص اللجوء السياسي بالأفراد الذين لديهم أقارب بيولوجيون يعيشون في كندا.
وفي هذا الصدد، يتطلب قانون كندي حديث من اللاجئين السياسيين أن يتقدموا بطلباتهم في غضون 30 يوماً من دخولهم الأراضي الكندية. وخلال فترة البت بملفاتهم، تخصص لهم ولأسرهم بعض الخدمات المعيشية والدعم المادي. في حين أن طالبي اللجوء السياسي في الولايات المتحدة لا يحق لهم التمتع بمعونة حكومية بانتظار تسوية وضعهم.
والجدير بالذكر أن اللاجئين هم الأفراد الذين يفرّون من بلدانهم إلى بلدان مجاورة ويتسجلون لدى الأمم المتحدة التي تحيلهم بدورها إلى دول تستقبل اللاجئين حول العالم.
ويخضع هؤلاء لفحص أمني دقيق يستغرق حوالي عامين قبل السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، في حين أن طالبي اللجوء السياسي في أميركا فهم الأفراد الذين يحصلون على تأشيرات لدخول البلاد عبر السفارات، وبإمكانهم التقدم للجوء السياسي هرباً من الاضطهاد في بلدانهم، في غضون عام واحد من دخولهم الأراضي الأميركية.
وغالباً ما يتمتع هؤلاء بالموارد المالية الكافية لدفع تكاليف السفر والإقامة إلى حين إنجاز ملفاتهم، غير أن بعضهم لا يتوفر على ذلك، وهنا يأتي دور منظمة «فريدم هاوس» التي توفر الدعم لطالبي اللجوء الذين ليست لديهم قدرات مالية تمكنهم من العيش الكريم بانتظار البت بقضاياهم.
وتتولى المنظمة توفير السكن وخدمات المساعدة القانونية، والحصول على العلاج النفسي، وتعلم الإنكليزية كلغة ثانية والتوعية المهنية والإدارة المالية وغيرها من المتطلبات التي يوفرها البرنامج الإنساني.
ويلفت روجرز إلى أن طالبي اللجوء السياسي يفتقدون إلى المساعدة القانونية مقارنة بباقي المهاجرين بنسبة خمسة أضعاف، كما لديهم نصف فرص الحصول على صفة الإقامة الدائمة، رغم معاناتهم من المشاكل النفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
انتظار قد يطول
المقر الإقليمي للبت في التماسات اللجوء السياسي إلى الولايات المتحدة يقع في مدينة شيكاغو، فيما لا يزال بعض المقيمين في «بيت الحرية» في ديترويت ينتظرون دورهم لإجراء مقابلات منذ عام 2013.
ويقول روجرز إن نزلاء المبنى يتوقعون الإقامة لعدة سنوات من دون دعم خدماتي. ورغم ذلك، يشير مدير البرنامج إلى أنه في السنوات الأخيرة تمكن 93 بالمئة من ضيوف «بيت الحرية» من الحصول على الإسكان الدائم من دون دعم حكومي، وباتوا مستقلين مالياً.
روجرز لفت إلى أن العديد من طالبي اللجوء يتم وضعهم قيد الاحتجاز الإلزامي لدى دخولهم إلى الولايات المتحدة، وذلك بانتظار إجراء «مقابلات الخوف» معهم لتحديد ما إذا كانت لديهم أسباب مقنعة تحول دون عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
بعد ذلك تبدأ العملية القضائية من أجل البت بالتماسات اللجوء. وأردف «في ديترويت ثلاثة قضاة فدراليون يعملون بدوام كامل بالإضافة إلى قاض واحد بدوام جزئي، وهو عدد غير كاف للنظر في جميع القضايا مما دفع المحكمة إلى جدولة جلسات إلى ما بعد 2020.
روجرز أكد أن الحل يكمن إما في توظيف المزيد من القضاة أو تغيير سياسات الهجرة بما يتناسب أكثر مع القيم الإنسانية الأميركية. وأضاف بأن أوامر ترامب التنفيذية تضع قيوداً تجعل من الصعب على طالبي اللجوء ان يفروا من الموت في بلدانهم، غير أن أزمة اللاجئين السوريِّين تحصل على أكثرية الاهتمام الإعلامي، مما يوفر تبرعات هائلة للمنظمات التي تقدم الدعم لهم على عكس أقرانهم من اللاجئين القادمين من بلدان وثقافات أخرى. وبحسب روجرز فإن ذلك يشكل مدعاة قلق، لأن اللاجئين جميعهم بحاجة إلى المساعدة، وهو ما دفع متطوعي «بيت الحرية» إلى تعديل البرامج المتوفرة لتلبية احتياجات أكبر عدد ممكن من اللاجئين المحرومين من الدعم.
غير أنه ومع إصدار الرئيس دونالد ترامب لأوامر تنفيذية مناهضة للهجرة واللجوء، بات القلق يخيم أكثر فأكثر على قاطني بيت الحرية. حتى أن إدارة المنظمة اتخذت عدة إجراءات لتفادي وقوع النزلاء في مشاكل قانونية، بما في ذلك منع المتطوعين من اصطحابهم إلى الخارج، للحد من أي مواجهة محتملة مع وكالات إنفاذ القوانين لتفادي تعقيد قضاياهم أو حتى وضعهم قيد الاحتجاز. «الجميع خائف» يؤكد روجرز. ويخلص إلى القول أنه عندما يرى المقيمون في «بيت الحرية» سيارات الشرطة تحيط بالمبنى ويسمعون صفارات الإنذار، فإنهم يعيشون الصدمات النفسية التي تزداد سوءاً وتتطلب مزيداً من الرعاية. «لا أعتقد أن الناس خارج مجتمع المهاجرين يدركون مدى تأثير كلمات وسياسات الكراهية، وكيف تتلاعب بحياة الناس».
Leave a Reply