مع احتفالنا الهادئ في 7 أيلول (سبتمبر) الجاري بالذكرى الـ38 لتأسيس صحيفة «صدى الوطن»، لا يسعنا سوى التفكير بالتحديات والعراقيل التي اعترضتنا خلال العقود المنصرمة، وكذلك استذكار النجاحات والتقدم الذي حققناه في خدمة قضايا وتطلعات مجتمعنا العربي الأميركي.
لا شكّ في أن إصدار مطبوعة إعلامية بشكل أسبوعي هو أمر صعب ومرهق ومعقد، ويصبح الأمر أكثر صعوبة وتحدياً في المجتمعات الإثنية، لكن التمييز والصور النمطية ونقصان التمثيل الذي عانت منه جاليتنا على مدار العقود، لم يترك لدينا أي خيار آخر، سوى التصدي لهذه المهمة الشاقة والمعقدة.
طوال مسيرتنا الممتدة لـ38 عاماً، كنا في «صدى الوطن» نتحمل الأعباء والمسؤوليات والمخاطر، ونقف على أهبة الاستعداد للقتال من أجل قضايا جاليتنا العربية، إلى جانب القضايا المشتركة في مجتمعنا الأوسع، المتنوع إثنياً وعرقياً ودينياً. ولطالما تطلب منا هذا الأمر اتخاذ قرارات صعبة، وتبني مواقف أكثر صعوبة، وكنا دائماً مدفوعين بتطلعات المجتمع العربي الأميركي، الذي لا يزال بوصلتنا وهدفنا ومحور اهتمامنا، بغض النظر عن المصاعب والأكلاف التي صادفتنا، والتي –على الأرجح– لن تغيب في المستقبل.
عندما تفشى وباء الإدمان على المواد الأفيونية في أوساط مجتمعنا العربي وبات يهدد أبناءنا وبناتنا كنّا أول من دقّ ناقوس الخطر، رغم المحاذير والحساسيات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالإدمان على المخدرات. لقد أصررنا على وضع هذه القضية في مركز الصدارة رغم الآلام التي كانت تعترينا.. حتى بات أخيراً من الممكن مناقشة هذه المسألة بمعزل عن وصمة العار المتعلقة بها، تمهيداً للوقاية منها، والبحث عن الحلول الناجعة لها.
لقد نشرنا في «صدى الوطن» –مؤخراً– مقالاً تفصيلياً حول رحلة شاب عربي أميركي من التعاطي إلى التعافي، وفتحنا الباب على مصراعيه لمناقشة مخاطر هذه الآفة التي تفتك بأعداد متزايدة من شبابنا العربي، ولم يعد الحديث العلني والإعلامي حول ظاهرة الإدمان في جاليتنا من «تابوهاتنا» المحرمة.
كذلك، عندما أصبحت الصحة العقلية مشكلة منتشرة في مجتمعنا، لم ندفن رؤوسنا في الرمال، بل سلطنا الضوء على هذه الظاهرة بغية فتح النقاش العلني حول مخاطرها وتداعياتها، وضرورة توفير الموارد المطلوبة لعلاجها والوقاية منها.
كلما احتاج مجتمعنا إلى صوت شجاع وواضح، كنا الصوت الأشجع والأوضح.
سياسياً، لقد دعمنا المرشحين العرب الأميركيين للمناصب الحكومية والرسمية والقضائية والتربوية، وكذلك المرشحين غير العرب المناصرين لقضايانا والمتفهمين لخصوصياتنا الثقافية والاجتماعية والدينية. ونجحنا بعد عقود من العمل والمثابرة في تحويل جاليتنا من قاعدة انتخابية مهمشة إلى قوة سياسية فاعلة وقادرة على الدفاع عن مصالحنا في مدننا ومقاطعتنا، وكذلك على مستوى الولاية، وفي عموم البلاد.
منذ انطلاقتنا في 7 سبتمبر عام 1984، كنا في الخطوط الأمامية لحث مجتمعنا على الانخراط في الخدمة العامة، والمشاركة الانتخابية، والترشح لمختلف المناصب، وقد أتت جهودنا أُكُلها في السنوات الأخيرة، وأثمرت جهودنا وجهود حلفائنا وأصدقائنا في مجتمعنا الأوسع عن نتائج مبهرة في انتخابات العام 2021.
لقد تم –العام الماضي– انتخاب ثلاثة من العرب الأميركيين لترؤس بلديات ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك، وهم على التوالي: عبدالله حمود وبيل بزي وأمير غالب، كما انتخب عربيان لترؤس مجلسي ديربورن وديربورن هايتس، وهما مايك سرعيني ودايف عبدالله.
وفي عضوية المجالس البلدية، انتخب العضوان مصطفى حمود وكمال الصوافي في ديربورن، ومحمد بيضون وحسن أحمد في ديربورن هايتس، وخليل الرفاعي وآدم البرمكي ومحمد السميري في هامترامك.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت النجاحات بتعيين العربي الأميركي أسعد طرفة نائباً لمحافظ مقاطعة وين، وورن أفينز، ليصبح المسؤول التنفيذي الثاني في أكبر مقاطعات ميشيغن، والتي تضم 43 مدينة وبلدة. وقبل ذلك، تمت تسمية العربي الأميركي مايك جعفر مساعداً لشريف المقاطعة، راي واشنطن.
وفي الأسبوع الماضي، اختارت شركة «دي تي إي للطاقة» العربي الأميركي خليل رحال مديراً لقسم التنمية الاقتصادية لدى الشركة العملاقة، ومزود الطاقة الرئيسية في منطقة ديترويت.
وقبل ذلك، كانت محامي الاستئناف العام بولاية ميشيغن، العربية الأميركية فدوى حمود، هي أول عربية وأول مسلمة تتسلم مثل هذا المنصب المرموق في ولاية ميشيغن، وفي عموم الولايات المتحدة.
وفي السلك القضائي، تزايد –خلال العقد الماضي– عدد القضاة العرب في محكمة مقاطعة وين، لينضم إلى القاضيين ديف آلن وشارلين الدر كلٌ من عادل حرب ومريم بزي وهلال فرحات وإيفانا أبراهام. إضافة إلى ذلك، أعيد انتخاب القاضي سالم سلامة في محكمة ديربورن والقاضي ديفيد طرفة في محكمة ديربورن هايتس.
وعلى صعيد الانتخابات التمهيدية الأخيرة في آب (أغسطس) الماضي، سجلت النائبة العربية الأميركية رشيدة طليب نصراًمدوياً أطاح بملايين الدولارات التي أنفقها اللوبي الإسرائيلي والمحافظين اليمينيين لإخراجها من الكونغرس. وفي ديربورن، فاز المرشح الشاب العباس فرحات بتصفيات الحزب الديمقراطي لمجلس نواب الولاية، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من الانضمام إلى العضو العربي الآخر عن هامترامك في المجلس، أبراهام عياش، الذي يتجه للاحتفاظ بمقعده لولاية ثانية تحت قبة الكابيتول في لانسنغ.
هذه البانوراما الخاطفة، دليل ساطع على أن جاليتنا في تقدم مستمر، غير أننا نؤمن بأن الأفضل لم يأتِ بعد!
عربياً، كنّا أيضاً في الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، كما كنا صوتاً منافحاً عن حقوق جميع المجتمعات المضطهدة، رغم ردود الفعل العنيفة والساخطة من قبل المؤسسات المسيطرة (أستبلشمنت) ومضاربي السلطة.
إلى جانب ذلك، كشفنا عن العواقب المدمرة المتأتية من اعتقادنا –كأمة– بأنه يمكننا أن نفرض الديمقراطية على الشعوب الأخرى من خلال القوة المميتة والمفرطة، بدلاً من دعم الظروف الملائمة لإنماء الديمقراطية الحقيقية في تلك المجتمعات.
لقد عانينا كغيرنا من تداعيات وباء كورونا ومخاطره الصحية والاقتصادية، وبينما آثر العديد من الأعمال وأصحاب المصالح الانزواء والانسحاب ريثما تنحسر التحديات، حافظنا في «صدى الوطن» على مسيرتنا وإصداراتنا الأسبوعية بانتظام وبدون انقطاع رغم شحّ الإعلانات وإصابة بعض الزملاء بالفيروس الوبائي.
وإلى جانب المهمة الإعلامية التقليدية، فإننا نولي –في القسم العربي من الصحيفة– أهمية خاصة للتثقيف والتوعية بالأنظمة والقوانين والبرامج المعمول بها في ولاية ميشيغن، ما يتيح للقادمين الجدد فرصة أكبر على فهم النظام (سيستم) والاندماج السريع في موطنهم الجديد.
ونحن نطفئ شمعتنا الـ38، نعرب عن شكرنا الجزيل للقراء والمعلنين في الصحيفة، أصحاب الفضل الحقيقيين في استمرارنا ونجاحنا، وكل عام وأنتم بخير!
«صدى الوطن»
Leave a Reply