قررت قيادة المقاومة العراقية اسر جنود اميركيين او بريطانيين بهدف تأمين اطلاق سراح معتقلين من جميع طوائف ومدن العراق، بل والغاء عقوبة الإعدام الصادرة بحق البعض، بعدما صارت عمليات الاعتقال سلاحا بيد الجيش الأميركي.
اختارت القيادة العسكرية لـ”عصائب أهل الحق” عشرات المقاتلين من جسمها الجهادي المتفرغ، وبعض العناصر من التعبئة العسكرية، لأسباب تكتيكية. بلغ عدد المشاركين في العملية 180 مجاهدا ينتمون الى العديد من مدن العراق. من بين المقاتلين الذين شاركوا في العملية 140 لم يكونوا على علم بهدفها، واقتصر دورهم على تأمين الحماية لموكب “الأسرى” على امتداد الطريق ما بين كربلاء الى الحلة فبغداد.
تم توزيع المقاتلين وفقا لمجموعات منفصلة عن بعضها.
كانت القوة الضاربة التي نفذت العملية قد خضعت لأسابيع لتدريبات على عملية الأسر. وبعد اجراء عمليات تغيير في الشكل للأفراد، الذين ركبوا مواكب شبيهة بمواكب الأميركين، تم تجهيزهم ببذلات الجيش الأميركي وهويات أميركية وبعربات رباعية طراز “جي أم سي” كتلك التي يستخدمها كبار الضبط في تنقلاتهم.
تم توزيع المجموعة الرئيسية، التي تتألف من 40 مقاوما تولوا التنفيذ المباشر، على أربعة مجموعات صغيرة:
– مجموعتي اسناد، تتألف كل منهما من خمسة مقاومين، لقصف القواعد القريبة وإرباك حركة القوات الاميركية.
– مجموعة هندسة (تخريب) مؤلفة من خمسة مقاومين قاموا بزرع عبوات على الطرق المحتملة لتقدم قوات الاميركية أثناء المطاردة.
– مجموعات تبديل تولت الهجوم المباشر وأسر الجنود الاميركيين.
شمل العتاد العسكري الذي تجهز به المقاومون للعملية مسدسات طراز “غلوك”، بنادق “أم 16″، “بي كا سي” تم نصبها على بعض آليات الموكب المموه، قواذف “ار بي جي” و”بازوكا” و”بي 29″ المضاد للدروع، قنابل (رمانات) هجومية ودفاعية، مدافع “هاون كوماندز” (المخصص للأفراد).
اما مجموعات الاسناد فكان في حوزتها مدافع هاون عيار 120 و80 ميلليمترا، صواريخ “كاتيوشا” (قصيرة المدى)، صواريخ “غراد” وصواريخ “حيدر” (يُعتقد أنها نفسها صواريخ “فلق واحد” الإيرانية الصنع، والتي استخدم بعضها في قصف قواعد للإحتلال في مجموعة عمليات انتقاما لمقتل عماد مغنية)، عبوات تلفزيونية وعبوات من أحجام مختلفة، صواريخ دفاع جوي طراز “سام 7”.
وصل موكب المقاومة المموه الى الدائرة المحيطة بمركز التنسيق الأمني في كربلاء، يتقدمها سيارات الدفع الرباعية الأميركية. ضمت كل سيارة خمسة مقاومين.
علا الموكب هوائيات وأجهزة اتصالات ورشاشات “بي كا سي”، تماما كسيارات الأميركيين. كان الموكب قد مرّ عبر النجف بعد أن قطع عددًا من الحواجز بسرعة (تماما كما تتحرك مواكب الاميركيين).
مع وصول الموكب الى مدخل مركز التنسيق الأمني في كربلاء، توجه مقاومان نحو الهامران الموجودان عند بوابة المركز. رميا رمانة يدوية في كلا الهامرين وقفزا بسرعة خلف الحائط. قتلت القنابل الجنود داخل الهامرين. على الفور اقتحم الموكب المموه المدخل، وتوجه مباشرة الى باحة المبنى، حيث انتشر المقاومون المسلحين ببنادق “أم 16” الأميركية الصنع. للوهلة الأولى لم يعِ الجنود الأميركيون والقوات العراقية طبيعة ما يجري، إذ أنهم كانوا يعتقدون حتى اللحظة أن الموكب تابع لجنرال أميركي.
تجدر الإشارة هنا الى أن حركة الموكب وتقليدها جرى بأسلوب محترف بعد اجراء عملية رصد واستطلاع مطولة لحركة المواكب العسكرية الأميركية الى مركز التنسيق الامني في كربلاء.
خرق المقاومون الذهول على وجه الجنود حين تحدث أحدهم بكلمات قليلة تكشف حقيقة أن الموكب المموه يضم مقاتلين عراقيين لا جنود أميركيين.
تم وضع الضباط والجنود العراقيين في غرفة منفصلة، من دون أن يتعرض لهم أحد بسوء.
من بين الجنود الأميركيين الذين كانوا موجودين داخل المبنى، رفع أحدهم سلاحه استعدادا للإشتباك فور أن تبينت هوية المقاومين الذين كانوا اسرع منه فقتلوه على الفور بطلقات نارية، فيما استسلم الجنود الأربعة الباقين على وقع الصدمة، وتم سحبهم وتوزيعهم على سيارات الموكب المؤلف من 25 سيارة. انطلق الموكب في مساره المرسوم مسبقا، في حين بدأت فرق الإسناد بقصف القواعد في الحلة والديوانية وبغداد لإشغال القوات الاميركية.
كانت العربات الأربع الرباعية الدفع، التي تحمل الأسرى الاميركيين الأربعة، قد وصلت الى بلدة “المحاويل” على بعد 30 كيلومترا شمال “الحلة”، حين تحرك رتل كبير من قاعدة أميركية على الطريق السريع قرب الحلة تسانده مقاتلات حربية وطائرات استطلاع.
في هذه النقطة تحديدا، يوضح مصدر مقرب من المقاومة العراقية لـ”صدى الوطن” أن “الاحتلال علم بعملية الأسر نتيجة احتمال من اثنين: إما أن شريحة الكترونية كانت مزروعة في جسد ضابط أميركي اسير وإما ان طائرة استطلاع كشفت العملية”.
حاول الجيش الأميركي قطع الطريق أمام خمس سيارات في أخر الموكب. ثم ما لبث أن بدأ بإطلاق نيران غزيرة باتجاه جميع السيارات. بدا واضحا ان الهدف قتل الجميع، من دون مراعاة حتى وجود اسرى اميركيين في الموكب، والأرجح ان الجيش الأميركي كان يعتقد بمقتل الأسرى منذ اللحظات الأولى للعملية. في ثوانٍ معدودات كان على قائد العملية حسم الامر، خاصة وأن وجوه بعض المقاومين و”أسرار اخرى” انكشفت امام الرهائن وسط المعمعة.
اصرار الجيش الأميركي على قتل الجميع، اضطُر المقاومون الى تصفية الرهائن وترك الموكب وركوب باصات نقل مدنية بعد ان قاموا بتبديل ملابسهم وحرقوا البذلات العسكرية.
كان من المفترض، لو لم تُكشف العملية في الدقائق الأخيرة، أن يتم نقل الأسرى الى سيارات أخرى كانت تنتظر في الحلة، ليتم من بعدها نقلهم الى مخبأ آمن.
الرواية الاميركية
اعترف الجيش الأميركي بعد انتهاء العملية بمقتل 5 جنود فقط ينتمون للكتيبة الثانية مظليين التابعة للفرقة 25 مشاة (أي الأسرى الأربعة والجندي الخامس الذي كان في المركز)، من دون ان يعترف بما يقارب الثمانية قتلى كانوا أيضا داخل سياراتا “الهامر” عند مدخل المركز.
يومها خرج قائد القوات الأميركية الجنرال دايفيد بترايوس ليعلن في مؤتمر صحفي أن “عصائب أهل الحق، المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، نفذت محاولة خطف جنود أميركيين” في مركز التنسيق الأمني، مشيرا الى أن العملية “كانت معقدة ونوعية”. وكشف بترايوس أن المجموعة المهاجمة “تدربت في إيران على مجسمات حية في منطقة تحاكي البيئة الطبيعية والظروف المحيطة بالمركز المستهدف”، بعد ان حصل المهاجمون على “معلومات استخبارية ممتازة ومعدات وعتاد خاص بالجيش الأميركي، علما أن بعضهم كان يتكلم الانكليزية بطلاقة”.
واتهم بترايوس “القائد الميداني ازهر الدليمي بقيادة العملية”.
لاحقا، زعم الجيش الاميركي أنه عثر على خطط ورسومات وخرائط بحوزة الشقيقين قيس وليث الخزعلي وأفراد اخرين من “العصائب” في مداهمة في البصرة في أذار العام 2007. يومها، واُعتقل أيضا اللبناني علي موسى دقدوق المتهم بالانتماء الى “حزب الله” اللبناني وبأنه “مكلف بتنظيم المجموعات الخاصة المدعومة ايرانيا لتحاكي في اساليبها طريقة عمل حزب الله”.
كذلك، أعلن الناطق باسم القوات الأميركية كيفن بيركنز، في معرض تعليقه على الحادثة، أن الوثائق التي ضُبطت بحوزة المعتلقين في البصرة تؤشر الى أن المجموعات الخاصة “جمعت معلومات تفصيلية حول نشاطات الجنود الاميركيين في كربلاء”.
غير ان الاميركيين لم يكشفوا تفاصيل المطاردة وكيف تم اكتشاف عملية الأسر، في حين تحتفظ المقاومة بتصوير كامل لمرحلة التحضير للعملية، فضلا عن فيديو لتجهيزات الجنود الأسرى.
ولئن لم يُكتب لعملية كربلاء “النوعية”، بحسب تعبير بترايوس، النجاح في المرة الأولى، فإن الجيش الأميركي كان على موعد أخر مع عملية مماثلة ناجحة بالكامل هذه المرة ومشابهة من حيث التنفيذ، ولكن هذه المرة كان المستهدف أمنيون بريطانيون، من بينهم خبير بوظيفة “غير عادية”، في مبنى تابع لوزارة المالية العراقية في مدينة الصدر العام 2008. وهي نفسها العملية التي أجبرت الأميركيين على الموافقة على اطلاق سراح الشيخ قيس الخزعلي والمئات غيره من المقاومين من مختلف الفصائل، غير أن “اسبابا ظرفية”، بحسب ما افادنا احد المسؤولين في المقاومة العراقية، تفرض حاليا ابقاء تفاصيل تلك العملية طي الكتمان حتى اشعار اخر.
أزهر الدُليمي.. “السني” الذي قاتل مع “الشيعة”
أزهر محمد سالم الدليمي، أحد القادة العسكريين في “عصائب اهل الحق”. يقول الجيش الأميركي أنه هو من قاد وخطط لعملية كربلاء. بحسب تقارير عديدة “للبنتاغون”، يُعتبر الدليمي “الرقم الأساسي” في تنظيم الخزعلي. وهو متهم بأنه تلقى تدريبات رفيعة المستوى على يد “حزب الله” اللبناني. وبحسب مصدر مقرب من العصائب، كان الدُليمي “من جسم التعبئة العسكرية ومتفرغا للعمل المقاوم”.
قُتل خلال مواجهة مع القوات الاميركية في منطقة “الشعب” في مدينة الصدر في الثاني عشر من شهر أيار العام 2007، بعد مطاردات استمرت أشهر. نعاه جيش المهدي أيضا بصفته “المسؤول السابق لمنطقة الرصافة”.
شارك في العديد من عمليات العصائب وخلال معارك الجيش الأميركي مع جيش المهدي. بعد استشهاده، هدمت القوات الأميركية داره في مدينة الصدر.
Leave a Reply