الحريري يلمس من أوباما تغيراً في الموقف الأميركي من إسرائيل
نيويورك – خاص “صدى الوطن”
منذ ساعات الصباح الأولى (الأربعاء) استعد أعضاء البعثة اللبنانية في نيويورك “للحدث الاستثنائي والتاريخي”، حدث زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لمدينة نيويورك ولمجلس الأمن الدولي الذي تحول الى ارض لبنانية مسيجة بفيلق من الحراسة الأمنية التابع لفريق المواكبة الخاص بالحريري، اضافة الى الفريق الاعلامي والسياسي الذي ضم مجموعة من الوجوه الاعلامية المعروفة كعلي حمادة (النهار) ونصير الأسعد (المستقبل) ووليد شقير (الحياة) وفيليب أبي عقل (لوريون لوجور) والاعلامية روز زامل المعروفة بـ”وردة” (راديو صوت لبنان) والمستشارين الاعلامي هاني حمود والسياسي الوزير السابق محمد شطح ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، ووجوهاً بيروتية وصيداوية.
منذ العاشرة صباحا تجمع اعضاء الوفد في قاعة مجلس الامن الذي تحول الى معلم سياحي بهر زواره وأسرهم بروعة تصميمه، بخاصة تلك الجدارية العملاقة المنصوبة فوق المنصة الرئيسية، وأخذوا يجولون في انحاء المجلس قبل أن يتوزعوا المقاعد الأمامية بعد التقاط الصور التذكارية.
ولم يظهر من الوفد الحكومي سوى ثلاثة وزراء (وائل أبو فاعور، ريا الحسن، وسليم الصايغ) أصبحوا نجوم المجلس المؤقتين بانتظار دخول الرئيس الحريري. وبعد ساعة من الانتظار أطل الحريري محاطا بالسفير نواف سلام وبالأمين العام للامم المتحدة بان كي مون وبمستشاره السياسي محمد شطح والوزراء علي الشامي والياس المر وطارق متري اضافة الى جمهرة بشرية بدا وسطها الحريري وكأنه يشق طريقه شقا الى مقعد الرئاسة الذي تبوأه بعد مصافحة اعضاء المجلس، حيث جلس الحريري وعلى يمينه بان كي مون بينما جلس خلفه الوزراء الثلاثة والسفير سلام.
لم يعد استعمال مطرقة المجلس النيابي الشهيرة حكراً على الرئيس نبيه بري فقد أتى من ينافسه على استعمالها، من على أعلى منصة دولية طرق بها الحريري معلنا افتتاح الجلسة لمناقشة الموضوع الذي طرحه لبنان للبحث كخاتمة لفترة رئاسته “الحوار فيما بين الثقافات من أجل السلام والأمن الدوليين”.
ابتدأ الحريري خطابه بمقدمة اشار فيها الى التجربة اللبنانية المجتمعية والسياسية والتاريخية الخاصة والتي وصفت بالصيغة الفريدة. وخاطب أعضاء المجلس قائلا “لايخفى عليكم أن الصعاب التي امتحنت بلدنا وشعبنا لم تنل من ارادة العيش معا في وطن واحد، يغتني بتنوعه وانفتاحه، وبرسوخه في الانتماء العربي وتفاعله مع ثقافات العالم، وبالشراكة الاسلامية– المسيحية في صنع المصير الوطني”. واضاف الحريري أن “الحوار لا يوفق دائما في اطفاء الحرائق، الا أنه اذا مورس بجدية ومثابرة كثيرا ما يضعف احتمالات اشتعالها، لذلك فاننا نحاذر النظرة الى خلافاتنا المحلية بوصفها مجرد انعكاس لخلافات اقليمية أم كونية تحول بلدنا الى أرض مواجهة”.
وهنا دخل الحريري الى صلب الأزمة اللبنانية مشددا على “الثوابت اللبنانية” وهو ما يعتبر ردا على بعض الطروحات التي طفت على سطح الأزمة السياسية اللبنانية قبل تشكيل “حكومة الوفاق الوطني” وهو ما يعتبر في نفس الوقت “رسالة تطمينية” من أعلى منصة دولية الى البطريرك الماروني نصر الله صفير والى المسيحيين في لبنان من خلال قوله: “وهذا ما نتوخاه في تشديدنا على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، التزاما بما جاء في اتفاق الطائف”.
ومن خلال موضوع الحوار نفذ الحريري الى الصراع العربي–الاسرائيلي مبددا بذلك كثيرا من الشكوك والتساؤلات حول عدم اختيار لبنان لموضوع يخدم به قضيته الأساسية وهي الاحتلال الاسرائيلي لجزء من أراضيه اضافة الى القضية الفلسطينية كون لبنان يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن حيث قال “إن استمرار السيطرة والقهر والتعسف يضع الحوار نفسه تحت السؤال ويصح ذلك بشكل جلي في بلدنا الذي عانى قرابة ربع قرن من الاحتلال والحروب الاسرائيلية المتكررة عليه، فدفع آلاف الأرواح من خيرة ابنائه وبناته، وعانى استقراره واقتصاده ومازال من التهديدات الاسرائيلية بتكرار المجزرة بحقهم، فيما الاحتلال مايزال يجثم على جزء من اراضينا”. وتساءل الحريري “كيف يمكن للحوار أن يبني الثقة ويؤسس لعلاقات جديدة، بظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية والانتهاك المتمادي لحقوق الفلسطينين الوطنية والانسانية وعلى رأسها حقهم في العودة وفي دولة مستقلة عاصمتها القدس”.
هذا الكلام تفوّه به الحريري بحضرة المندوب الاسرائيلي الذي حضر جلسة مجلس الأمن ولكنه لم يرد على رئيس الوزراء اللبناني. ومن غير المعروف ما إذا كان يستطيع المندوب الإسرائيلي الرد على كلام الحريري من الناحية القانونية ولم يستعمل هذا “الحق”، أم أنه لم يشأ الدخول في مساجلة مع لبنان ورئيس حكومته بحضور الأمين العام في الأمم المتحدة.
وبعد انتهاء الحريري من القاء كلمة لبنان ألقى الأمين العام بان كي مون كلمة مقتضبة هنأ فيها لبنان على عضويته ورئاسته لمجلس الأمن وعلى اختياره لموضوع “حوار الثقافات” ومن ثم تعاقب على الكلام مندوبو كل من بريطانيا وفرنسا واميركا وروسيا والصين والمكسيك وتركيا ونيجيريا وأوغندا والبرازيل، ومرة أخرى استعمل الحريري مطرقته رافعا الجلسة بعد انتهاء آخر المندوبين من القاء كلمته. ومن ثم توجه الى مقر الرئاسة في مجلس الأمن حيث اختلى بأعضاء البعثة اللبنانية في اجتماع خاص ثم خرج بعده على الفور من دون أن يدلي بتصريح الى الصحفيين ليدخل الى الاجتماع مع بان كي مون.
وفي فترة بعد الظهر عاد الحريري الى مجلس الأمن وبعد ارتشاف فنجان قهوة وتبادل الطرائف مع السفير نواف سلام والوزير علي الشامي على “المطرقة” حيث تولى الأخير مهمة تعليم الحريري كيفية ومتى استعمالها.
بعد ذلك توجه الحريري الى الاجتماع مع السفراء العرب في جلسة مغلقة لم يحضرها أحد من الصحفيين، وحضرها الى جانب الحريري الوزيران علي الشامي وطارق متري. إلا أن بعض المصادر العربية روت لـ”صدى الوطن” عما دار داخل الاجتماع وقالت بأنه كان هادئا ولم تشبه أية سجالات. فقد كان الحريري مرحاً في الاجتماع، لم تغب عن وجهه البسمة، ولم يترك فرصة استطاع أن يلطف فيها الجو الا واستغلها.
ووفقا للمصادر فقد افتتح الحريري الجلسة بكلمة تحدث فيها عن اجواء لقاءاته في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما حيث قال الحريري بأنه لمس تغييرا واضحا في السياسة الأميركية تجاه اسرائيل التي بدأ أوباما يعتبرها عبئاً على السيسات الأميركية في المنطقة، وقال الحريري بأنه سمع ذلك من الرئيس أوباما شخصياً.
وأضاف الحريري بأن اسرائيل هي الوحيدة في المنطقة التي تتحدث عن الحرب، و”هذه المسألة هي حرب اعلامية تريد اسرائيل من خلالها الحصول على دعم دولي، في المقابل فإن هنالك البعض الذين يهولون ويهددون، المهم ألا نعطي الذريعة لإسرائيل كي تشن عدوانا على لبنان، لأن اسرائيل لا تستطيع شن حرب بدون سبب وجيه تقدمه لدول العالم”.
وشدد الحريري، حسب المصادر، على اتباع الحوار والمفاوضات لتحقيق السلام العادل والشامل وضرب مثلا على ذلك في مفاوضات اوسلو عام ١٩٩٣. وبعد ذلك أخذ المندوب السوري بشار الجعفري الكلام فهنأ لبنان على اختياره حوار الحضارات وقال بأن لبنان كان دائما معلما دبلوماسيا بالنسبة للعرب وبأن اسرائيل أضحت عبئا على المجتمع العربي. وأضاف بأن مشكلتنا مع الطاقم الفني الذي يحيط بالرئيس أوباما ويحمل التحيز لدولة اسرائيل، مشكلتنا ان هناك من يفسر الرغبة العربية للسلام على أنها رسالة ضعف، فالرئيس أوباما يقول بأنه يريد السلام ولكن عند التنفيذ نصطدم بالعقبات وخير مثال على ذلك معاهدة عدم الانتشار .
ورد الحريري على سؤال الجعفري بالقول بأننا “أمة الاعتدال والسلام والتطور والسلام الذي لا يعطى الا للأقوياء ونحن نطلب السلام العادل والشامل والآخرين اذا كانوا يريدون السلام فنحن نريده”.
ثم تحدث المندوب العراقي عما يعانيه العراق من عقوبات ومن قرارات دولية تندرج تحت البند السابع وأيد المندوب العراقي كلام المندوب السوري بشار الجعفري فيما خص موضوع السلام وطالب الرئيس الحريري بالتوجه نحو اوروبا للضغط على الرئيس اوباما في موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي. ورد الحريري بأن لبنان سيدعم العراق لرفع العقوبات الدوفية عنه، ثم اغتنم الفرصة كي يمازح المندوب العراقي بقوله “أخذتني خمسة أشهر كي أشكل حكومة توافق وطني وإني اليوم أشارط كم من الوقت سيؤخدكم لتشكيل الحكومة في العراق”.
ثم تحدث الندوب المصري وسأل الحريري عما يثا من حديث عن صيف ملتهب وعن اعتداء اسرائيلي على لبنان كما حصل في تموز 2006 وعما سمعه الحريري من أوباما في هذا الشأن ورد الحريري بالقول “التهديدات الاسرائيلية هي أساس تحركاتي نحو العالم ومنها زيارتي الى واشنطن حيث كان هناك كلام واضح وصريح عن كيفية حماية لبنان”.وتابع “كان هناك تطمينات في هذا الموضوع. ولكن نحن في لبنان علينا ألا نعطي ذريعة لاسرائيل كي تشن حرباً، واسرائيل محرجة لا تريد السلام والكلام عن السلام من قبل العرب يضع اسرائيل تحت الضغط، فنحن مطمئنون ولكن حذرون”.
ثم سال المندوب الكويتي عن موقف لبنان من مسألة العقوبات على ايران فرد الحريري بأن “موقف لبنان واضح فيما خص حق ايران بامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية وتوليد الطاقة المدنية”. وأضاف الحريري بأن “موقفنا أن المنطقة كلها يجب أن تنزع من السلاح النووي وأولها اسرائيل ونحن أصغر دولة في المنطقة ومصلحتنا أن لا يملك أحد هذا السلاح. ولبنان يمثل الجامعة العربية التي يجب أن نتشاور معها ومع اعضاء مجلس الأمن وفي النهاية سنرى المصلحة اللبنانية. وكل قرار يمر على طاولة المجلس ليس من المفروض أن يكون سهلاً. فعلينا أن نتشاور مع العرب في هذا الموضوع”.
ثم تحدث مندوبو الجزائر واليمن وفلسطين وتونس والبحرين فيما سجل غياب المندوب السعودي عن الاجتماع.
وبعد ذلك توجه الحريري الى مقر السفير نواف سلام حيث أقيم حفل استقبال على شرفه حضره سفراء أغلبية دول العالم اضافة الى حشد من الاعلاميين.
أما الخاتمة فقد كان حفل الاستقبال الذي أقامته الجالية اللبنانية في نيويورك للرئيس الحريري واعضاء الوفد الوزاري باستثناء وزير الدفاع ميشال المر الذي حضر جلسة مجلس الأمن واختفى عن الأنظار.
وقد فاجأ حضور ملكة جمال أميركا ريما فقيه المحتشدين لرؤية الحريري في الحفل الذي تحول الى منصة ترحيب واحتفال بها. وتحدث الحريري في الحفل وقدم ريما فقيه الى المنصة التي صعدتها بحذر ووقفت الى جانبه قائلة بأن دعوة رئيس الحكومة لها لزيارة لبنان تعادل تتويجها ملكة جمال أميركا.
Leave a Reply